عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    27-Dec-2025

رحيل محمد بكري*حمادة فراعنة

 الدستور

لم يكن مجرد فنان موهوب، مسرحي، سينمائي، مبدع، كما كان القادة رواد مظاهر شعر المقاومة الفلسطينية: توفيق زياد، محمود درويش، سميح القاسم، الذين أفنوا أعمارهم في الإبداع، والانتماء الوطني، في مقاومة الاحتلال، من طرف، وفي ترسيخ قيم الوطنية والقومية، من طرف آخر، من خلال أدواتهم الإبداعية، عبر الشعر، بمعايير تقدمية ديمقراطية راسخة.
 
محمد بكري، كان رفيقهم وصديقهم، هم في الشعر، وهو في المسرح والسينما، وهم كما كان إيميل حبيبي، وإيميل توما، في خندق واحد، وخلفية واحدة، من وجع واحد، وعذابات متواصلة، وأدوات مواجهة يومية، وعبر نضال حزب واحد أنجبهم، بعد أمهاتهم وآبائهم، ليكونوا قادة وطليعة، في وطن تمسكوا به، ودفعوا ثمن البقاء والصمود على أرض وطنهم، والإبداع والتعبير بلغتهم مع وعن شعبهم، من خلال حزبهم: الحزب الشيوعي، الذي كان العنوان الوحيد، الذي ربّى ورسّخ مقولة: «أنهم جزء من الشعب العربي الفلسطيني»، بينما أطلق الآخر عليهم، والبعض من ضيقي الأفق، أنهم «عرب إسرائيل».
 
لم تكن هذه التسمية المذلة سوى عنوان المواجهة، لدى هؤلاء الذين تربوا وكبروا مع مسامات وخلايا صفوف الحزب: شبيبة، وتحولوا إلى قادة شعبهم في مناطق الكرمل والجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة، ونوابًا في الكنيست، بهوية فلسطينية، واضحة، معلنة، مفتخرة، نقيضة لكل ما هو تغريب، عن هويتهم الوطنية، وقوميتهم العربية، وإنسانيتهم التقدمية، بما فيها عدم التعارض مع كونهم من المسلمين، المسيحيين، اليهود، والدروز، جسدوا التماسك الوطني المتصادم مع الصهيونية ومشروعها الاستعماري التوسعي.
 
محمد بكري، ابن قرية البعنة الجليلية، فنان، مسرحي، سينمائي، قدم الكثير عبر البطولة، وعبر الشراكة، وجسد القوة المعنوية للفنان، ليس في عطائه وإبداعه أمام المسرح، والكاميرا، وأمام الجمهور، وحسب، بل في مواجهة سلطات التسلط والعنصرية، ومحاكمهم التعسفية التي حاولت المساس به ولم تتمكن، فمست بما أبدع، ومنع عرض فلمه «جنين»، والعديد مما فعل وأوقع وقدم، وفرضت عليه الغرامات المالية الباهظة، عقوبة ومحاولة ردع إبداعاته، وفشلوا.
 
رحل محمد بكري، ملفوفًا وفق وصيته، بالعلم الفلسطيني الذي ناضل من أجل قضيته، وهو في ذروة العطاء، بعد رحلة طويلة من النضالات السياسية الفاقعة، والمسرحية الراسخة، والسينمائية المميزة، رحل مرغما، وفقده شعبه، ولكنه ترك الأثر العميق الذي سيبقى خالدًا كما هي أشعار محمود درويش، وتوفيق زياد، وسميح القاسم، وإبداعات إيميل حبيبي، وغناء دلال أبو آمنة، وسياسات محمد بركة، وعصام مخول، عايدة توما سليمان، عادل عامر، رامز جرايسي، جواد بولص، يوسف جبارين، وآخرين كثر.
 
الراحل توفيق زياد أوجز عن الغياب بقوله:
 
«أيها الشعب المناضل
 
هذه الأعلام لن تسقط
 
ما دمنا نغني ونقاتل».