عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    06-Oct-2025

إسرائيل تراهن على أن العالم سيغفر وينسى غزة

 الغد

 ترجمة: علاء الدين أبو زينة
جيمي ديتمر* - (بوليتيكو) 1/10/2025
على الرغم من ثقة بنيامين نتنياهو المبالغ فيها، أصبح القلق داخل إسرائيل بشأن العزلة المتصاعدة مسموعاً الآن. وقد أثارت الحملة العسكرية التي دمرت أجزاء كبيرة من غزة، وأجبرت معظم سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة على النزوح، ودفعت بحصيلة القتلى إلى الارتفاع، صدمة في أوساط الحكومات الأوروبية التي درست فرض عقوبات على إسرائيل. وفي الوقت نفسه، لا يعتقد كثير من الإسرائيليين أن دولة يهودية يمكن أن تعيش جنباً إلى جنب مع دولة فلسطينية.
 
 
لم تعد عزلة إسرائيل مسألة نظرية. في طريقه إلى الأمم المتحدة الأسبوع الماضي، تجنبت طائرة نتنياهو بشكل كبير التحليق في المجال الجوي الأوروبي، في جهد واضح لتفادي الدول التي قد تقرر تنفيذ مذكرة توقيف كان قد أصدرها في حقه المدعي العام لـ"المحكمة الجنائية الدولية".
ثم، بعد أن تجمعت دول غربية عدة معاً لتعترف بدولة فلسطينية، وجد رئيس الوزراء الإسرائيلي نفسه مضطراً إلى إلقاء كلمته أمام جمعية عامة صغيرة مختزلة، عندما سارت الوفود خارجة من القاعة احتجاجاً على الهجوم البري الذي تشنه إسرائيل على مدينة غزة، وتنفيذها ضربة استهدفت قيادة "حماس" على الأراضي القطرية.
من غير المرجح أن تكون الانطباعات البصرية التي شكلتها القاعة الفارغة في الجمعية العامة قد هزت نتنياهو، الذي يشن حرباً مستمرة منذ عامين من دون اكتراث كبير بمكانة إسرائيل الدولية. لكن الرسالة واضحة: أن العزلة الدبلوماسية، سواء كانت رمزية أو لا، تتزايد وتصبح مشكلة طويلة الأمد. وعندما تتوقف الغارات وتسكت البنادق، كيف ستتمكن إسرائيل من استعادة قبول المجتمع الدولي؟
بعد مرور أقل من أسبوع على ظهوره في الأمم المتحدة، قدم نتنياهو جزءًا من إجابته، فكشف مع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عن خطة مكونة من 20 نقطة لغزة -ترسم مستقبلاً للقطاع الذي ما يزال تحت الهجوم الإسرائيلي غير المتوقف منذ هجمات 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023 التي شنتها على إسرائيل حركة "حماس" الفلسطينية. قال نتنياهو: "بدلاً من أن تعزلنا ’حماس‘، قلبنا الأمور وعزلنا ’حماس‘. والآن، يضغط العالم كله، بما في ذلك العالم العربي والإسلامي، على ’حماس‘ لقبول الشروط".
وهو رهان كبير بالنسبة لزعيم يواجه انتقادات دولية متصاعدة. وإذا ما نجح هو وترامب في تنفيذ الخطة، فإنهما ربما يتمكّنان مع ذلك من استخلاص شيء من الوضع المعقد في الشرق الأوسط. لكن هناك الكثير من الأمور التي يمكن أن تسير بشكل خاطئ. وقد أبدت دول عربية عدة مسبقًا اعتراضها على غموض الخطة بشأن الانسحاب الإسرائيلي، وما يتعلق بالمسار المفترض نحو إقامة الدولة الفلسطينية.
أما بالنسبة لإسرائيل، فإن السؤال الأكبر هو ما إذا كان حتى تطبيق مثالي وبلا عيوب للخطة يمكن أن يجلب لها إعادة تأهيل على المستوى الدولي.
يُعتقد أن نحو 66 ألف فلسطيني لقوا حتفهم بسبب الهجمات الإسرائيلية، وفق إحصائيات وزارة الصحة التابعة لـ"حماس" في غزة، وتعترف إسرائيل بأن نحو نصفهم كانوا من المدنيين. وقد ساعدت الانتقادات الدولية للقيود التي تفرضها إسرائيل على وصول المساعدات الإنسانية -التي صنفتها إحدى وكالات الأمم المتحدة بأنها مساهمة في إحداث مجاعة- على تأجيج مشاعر الرأي العام الغربي. وقد انخفضت نسبة التأييد لإسرائيل إلى أدنى مستوياتها في بعض الدول الغربية الرئيسية، وفق استطلاعات الرأي التي أجرتها مؤسسة استطلاعات الرأي "يو.غوف".
جاءت الضربات التي وُجهت لإسرائيل بسرعة وحدة. أصدرت "المحكمة الجنائية الدولية" مذكرات توقيف بحق نتنياهو ووزير الدفاع السابق يواف غالانت. وأكدت "محكمة العدل الدولية" أن الوجود الإسرائيلي المستمر في الضفة الغربية غير قانوني ويجب أن يصل إلى نهاية. وفي قضية منفصلة، أمرت المحكمة إسرائيل بوقف أعمال الإبادة وضمان وصول المساعدات إلى غزة من دون عوائق.
ثم في وقت أقرب مؤخرًا، اتهم مسؤولون أوروبيون رفيعون إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية -بينما تصاعدت في الولايات المتحدة الدعوات إلى فرض حظر على توريد الأسلحة إلى إسرائيل، حتى بين الديمقراطيين الذين عادة ما يكونون داعمين لها بقوة، بمن في ذلك مستشار الأمن القومي السابق جيك سوليفان. وفي آب (أغسطس)، حثّت 28 دولة غربية إسرائيل على إنهاء هجومها على غزة. وبعد أن أذهلتها حملة عسكرية محت الكثير من أنحاء غزة من الوجود، وشردت تقريبًا كل سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، ودفعت بحصيلة القتلى إلى ارتفاع غير مسبوق، تدرس الحكومات الغربية فرض عقوبات على إسرائيل.
وحتى في ألمانيا -التي كانت منذ أمد طويل من أقرب حلفاء إسرائيل- ثمة أغلبيات تعارض الحرب على غزة. وفي الولايات المتحدة؛ شريك إسرائيل الأكثر أهمية على الإطلاق، تحول الرأي العام أيضاً. وتشير استطلاعات الرأي التي أجريت خلال الأشهر الستة الماضية إلى مظاهر إجهاد في الدعم تتجاوز قضية غزة. كل هذا ينبئ بعواقب غير محمودة على المدى الطويل.
على الرغم من تبجّح نتنياهو بما يقول إنه حققه، أصبح القلق داخل إسرائيل بشأن العزلة المتزايدة للبلد مسموعًا الآن؛ أصبحت التهديدات بالمقاطعة الثقافية، والأكاديمية، والرياضية، واقعًا ثابتًا، كما يقول نمرود غورين، الأكاديمي الإسرائيلي والزميل في "معهد الشرق الأوسط". ويضيف: "إنك تسمع عن هذا في الأخبار كل الوقت؛ تسمع عن هذه المقاطعة وتلك المقاطعة وذلك الاحتجاج. إنه واقع حاضر بقوة في المجال العام".
كما حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، إيهود أولمرت، وهو ناقد شرس لنتنياهو، من عواقب وخيمة ستترتب على البلد. وقال أولمرت مؤخراً لمجلة "بوليتيكو" متحدثًا بأسى: "لقد أصبحنا دولة منبوذة". والسبب واضح، كما قال: "ثمة فجوة تتسع باطراد بين الفظائع المروعة التي أنزلتها ’حماس‘ بالإسرائيليين في 7 تشرين الأول (أكتوبر)، وبين ما نُنزلُه نحن الآن بالفلسطينيين".
وأضاف أولمرت: "إننا نفقد نوع الدعم الدولي الذي لطالما ربط إسرائيل دائماً بأقوى العناصر وأكثرها نفوذاً وأهمية واستنارة في العالم الغربي".
ويعرب أولمرت عن شكوكه في فرص نجاح المقترح الجديد بشأن غزة، معتبراً أن الإضافات التي تمكَّن نتنياهو من إدخالها خلسة في اللحظات الأخيرة، بما في ذلك إبطاء وتقييد الانسحاب الإسرائيلي واللغة الغامضة حول آفاق الدولة الفلسطينية، كانت على الأرجح مناورة لتخريب الاتفاق وإجبار ’حماس‘ على رفضه. وقال: "كان المقترح الأصلي الذي قدمه الرئيس ترامب مختلفًا. ماذا سيحدث إذا قبلت ’حماس‘ الالتزام بالاتفاق الأصلي الذي وضعه ترامب؟ كان يمكن أن يخلق ذلك صعوبات للطرف الإسرائيلي. ولكن في كل الأحوال، نتنياهو لا يريد اتفاقًا، ولا هو يريد إيقاف الحرب".
لكن السياسي المعارض يائير لابيد، زعيم حزب "يش عتيد" الوسطي، بدا أكثر تفاؤلاً بشأن الصفقة، وأشاد بجهود السلام، لكنه كان يطلق أيضاً تحذيرات معلنة منتظمة، مشيراً إلى سجله في 2021–2022 كوزير للخارجية ورئيس للوزراء ليجادل بأن عزلة إسرائيل ليست حتمية. وفي الشهر الماضي وصف نتنياهو بأنه "المذنب الرئيسي في التسبب بالعزلة الدبلوماسية لإسرائيل"، وأضاف: "كل شيء هاوٍ، متهور، ومتغطرس".
في الوقت الحالي، ما يزال تصوير نتنياهو للانتقادات الدولية لحكومته على أنها معاداة للسامية يلقى صدى في الداخل. وهناك العديد من الإسرائيليين الذين يميلون إلى الاعتقاد بأن الدولة على بعد حرب واحدة من الهلاك -وهو شعور بالخطر الوجودي عمّقه هجوم 7 تشرين الأول (أكتوبر). وقال غورين: "ما يزال معظم الإسرائيليين يشعرون أن العالم ضدنا وأن أحدًا لا يفهمنا. هذه هي سردية اليمين، وأعتقد أنها تصب الآن في مصلحة نتنياهو".
شجع نهج "التحشيد حول العلم" المسؤولين الإسرائيليين على الاستخفاف بالضغوط الخارجية. وقال مسؤول كبير في حكومة نتنياهو لمجلة "بوليتيكو"، طالباً عدم ذكر اسمه لكي يتحدث بحرية: "إن إسرائيل ليست معزولة، على الإطلاق. لا تنخدعوا بضوضاء الأقلية الصاخبة واليسار المتطرف". وأضاف أن الاستطلاعات في بريطانيا وفرنسا وكندا تظهر أن الأغلبية ما تزال تقف ضد الاعتراف بـ"دولة إرهابية فلسطينية".
كما جادل المسؤول بأن المستثمرين الأجانب لم يُردعوا عن العمل في إسرائيل. وقال: "ما الذي يفعله المستثمرون الأجانب؟ إنهم يستثمرون في إسرائيل. لقد ارتفع سوقنا بأكثر من 50 في المائة، أكثر من أي سوق آخر خلال الأشهر الاثني عشر الماضية. وفي خضم حرب على سبع جبهات. لماذا؟ لأننا نفوز في الحرب والناس يعتقدون أن هناك مستقبلًا عظيمًا في إسرائيل". وأضاف: "كيف تسير أحوال الأسواق في أستراليا والمملكة المتحدة؟".
وكما لو أن ذلك جاء لتأكيد وجهة نظره، ارتفعت قيمة الأسهم الإسرائيلية بعد أن كشف ترامب ونتنياهو عن خطة السلام الجديدة.
يتساوق موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي أيضًا مع الرأي العام المحلي. ثمة العديد من الإسرائيليين الذين لا يعتقدون بأن دولة يهودية يمكن أن تعيش جنبًا إلى جنب مع دولة فلسطينية. وقد تراجع دعم حل الدولتين بين الإسرائيليين اليهود ليصل إلى نحو ربع المستطلعين في الدراسات الأخيرة.
وعندما يتعلق الأمر بمعسكر نتنياهو، فإن الرؤية واضحة: الفوز في الحرب وفق شروط إسرائيل والباقي سيتبع تلقائيًا، كما يقول نداف شتراوشلر، المستشار السياسي السابق لنتنياهو، الذي يضيف: "الطريقة التي يرون بها الأمر هي أنه عند الانتهاء، ستعود الأمور ببساطة إلى طبيعتها. لن يحبونا أكثر مما كانوا يحبوننا قبل 7 تشرين الأول (أكتوبر). لم تكن البلدان والشعوب يحبوننا قبل ذلك. لن يصبحوا صهاينة الآن على الفور، لكن الأمور ستتغير".
في الوقت نفسه، يضع نتنياهو رهانه على ترامب. وقال شتراوشلر: "بالنسبة للإسرائيليين العاديين، فإنهم يتطلعون إلى ترامب، ويتطلعون إلى واشنطن؛ إذا كانت الولايات المتحدة إلى جانبنا، فإن الأمور على ما يرام، الأمور ليست سيئة جدًا. ومن جهته، يرى نتنياهو أن ترامب متوافق معه، ولن يجبره على فعل أشياء، وسوف يدعمه. إنه يشعر بالثقة لكونه متحالفًا مع ترامب. لو كانت كامالا هاريس هي التي في البيت الأبيض، لا أعتقد أنه كان ليشعر بالطريقة نفسها".
سوف يأمل الإسرائيليون أن يكون رئيس وزرائهم على حق. كانت المخاوف بشأن العزلة الدبلوماسية قد ظهرت في منتصف أيلول (سبتمبر) عندما حذر نتنياهو من أن إسرائيل ستحتاج إلى أن تكون أكثر اكتفاءً ذاتيًا اقتصاديًا، مثل أسبرطة في العصور القديمة. وقال: "سوف نحتاج بشكل متزايد إلى التكيف مع اقتصاد ذي خصائص اكتفائية".
وجاء الرد فورياً، وكانت جماعات الصناعة من أوائل من أطلق الإنذار. وقال رون تومر، رئيس رابطة المصنِّعين الإسرائيليين، غاضبًا: "سيكون سوق قائم على الاكتفاء الذاتي كارثة على اقتصاد إسرائيل وسيؤثر على جودة حياة كل مواطن".
وكان أرنون بار-دافيد، رئيس اتحاد النقابات العمالية "الهستدروت"، أكثر صراحة، فقال متأسيًا: "لا أريد أن أكون أسبرطة".
 
*جيمي ديتمر Jamie Dettmer: صحفي وكاتب رأي ومحرر في "بوليتيكو أوروبا". عمل سابقًا مراسلاً أجنبيًا لإذاعة "صوت أميركا" حتى العام 2022، حيث غطّى شؤون أوروبا والشرق الأوسط، وغاص في قلب الأحداث في سورية وليبيا والعراق ولبنان وأوكرانيا. بدأ مسيرته المهنية في الصحافة البريطانية في صحيفة "صنداي تلغراف"، وكتب لعدد من الصحف والمجلات الدولية البارزة. على مدار مسيرته، غطّى أكثر من خمسة عشر صراعًا عالميًا، وكان حاضرًا في محطات بارزة مثل عزل الرئيس الأميركي بيل كلينتون وسقوط جدار برلين والانتخابات الرئاسية والبرلمانية في الولايات المتحدة وأوروبا. إلى جانب عمله الصحفي، كان زميل بحث في مؤسسات بحثية مرموقة مثل "مؤسسة جيمستاون"، وتركّز عمله على قضايا شمال أفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا الجنوبية.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Israel bets the world will forgive and forget Gaza