عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    15-Jan-2020

من ذاكرة عمّان إنفجار (بارود) العطّار أبو شام في أجمل بساتين عمان القديمة
 
الراي - حيدر المجالي -  التحولات المتسارعة لتطور العاصمة خلال سبعة عقود خلت، أخفت معالم مهمة يعرفها أهالي مدينة عمان خلال حقبة أربعينيات القرن الماضي، وأهمها: بستان العطّار الشهير عبداالله أبو شام، الذي كان يتربع على مساحات واسعة في منطقة الدوارين الأول والثاني لجبل عمّان.
كان حديقة يانعة مشهودة من حيث تنوع أشجارها المثمرة، وأعشابها المتنوعة؛ ونقطة جذب للمتنزهين من أهالي المدينة؛ فلم يكن مغلقاً أمام الناس رغم أنه ملكية خاصّة، فهو المتنفس لهواة الطبيعة حينذاك.
لكن التقدم العمراني حول المساحات الخضراء لكتل خرسانية صمّاء؛ فغابت طيور الدوري والحسون والعصافير البرية عن المكان، الذي وصفه كثيرون بأنه واحة غناء وقطعة ساحرة من الطبيعة الخلّابة.
بيد أن حادثة انفجار مستودعات تخزين (البارود) صبيحة عام 1949 في الكهوف المحاذية لبستان أبو شام والتي تعود له، ما تزال عالقة في أذهان العمانيين؛ فقد تسببت بمقتل 14شخصاً وإصابة العشرات، نتيجة إنفجار 60 طنا من البارود بسبب خطأ بشري.
يقول الحفيد أحمد أبو شام إلى الرأي كان لوالدي بستان كبير، يمتد من بداية الدوار الأول بوضعه الحالي، وحتى مناطق شاسعة إلى الغرب من عمّان، مزروعاً بمختلف أصناف الأشجار المثمرة والحرجية، وقد كان مفتوحاً لجميع المصطافين من داخل العاصمة وخارجها.
وأضاف: ما يُميّز البستان أنه يُزرع فيه العديد من الأشجار العشبية، التي يستخدمها والدي في تجارة العطارة؛ بالإضافة إلى ذلك كان يبيع بعض المستلزمات الأخرى ومنها: البارود وبترخيص من وزارة الداخلية، حيث تُسْتخدم تلك المادة، في تفجير الصخور، لغايات شقّ الطرق، وحفر الآبار.
يُشير أبو شام إلى ذلك اليوم الذي وقع فيه الإنفجار بحسرةٍ وألم، حيث قُتل شقيق والده 40 عاما، وأخيه الأكبر 17 عاما؛ ففي ذلك اليوم طلب والدي منهما نشر البارود المُخزّن في كهوف ملاصقة لبستاننا، وكانت كميات قُدّرت بين 60–70 طناً، وأثناء العملية اشتعل جزء من البارود فوقع انفجار أدى إلى هدم بعض البيوت القريبة، وتكسير معظم نوافذ المنازل المحيطة بالبستان، وصلت الى منطقة المحطة والجبال المحيطة بها.
فتحول البستان الجميل في لحظة ما من ذلك العام، إلى ميدان حدثت فيه أكبر كارثة في عمان، وفوجئ سكان العاصمة في حينه بتنأثر أشلاء الضحايا، بين أشجار التفاح واللوز والمشمش.
وفيما كتبه المؤرخ الأردني محمود العابدي عن تفاصيل هذه الحادثة التي ما تزال عالقة في ذاكرة البعض، يقول: كان أبو شام يملك 60 طناً من المتفجرات(ملح البارود)، وقد وضع هذه الكمية، في مغاور وكهوف متجاورة في بستانه، الواقع على الدوار الأول خلف مبنى مجلس الأمة القديم.
وبينما كان أحد العمال يتولى نشر البارود لتجفيفه في الشمس، اتصلت به النار وامتدت إلى داخل أحد الكهوف، حيث توجد الكمية الكبيرة فيه، لينبعث منها عامود ضخم من الدخان شوهد من مسافات بعيدة في العاصمة.
لم يلبث أن أعقب ذلك صوت إنفجار هائل، سمع دويه سكان عمّان قاطبةً، وعلى إثر ذلك هُرع إلى مكان الإنفجار، سعيد باشا المفتي وزير الداخلية، وأمير اللواء عبد القادر الجندي رئيس أركان حرب الجيش العربي بالوكالة، ورياض المفلح وكيل وزارة الداخلية، وصدقي القاسم محافظ العاصمة، ومحمد السعدي وصبحي طوقان، والمدعين العامين، على الزنداني ونسيب عازر، وعدد من ضباط الشرطة والاطفائية.
تمت مكافحة الحريق بالطرق التقليدية، وتم إخراج المصابين من تحت الردم ونقلوا للمستشفيات لاسعافهم.. ويقول العابدي: بعد الانتهاء من التدريس في الكلية العلمية الإسلامية حيث كان يعمل فيها معلماً، رأينا المكان وفوجئنا الأبنية أصبحت أثراً بعد عين، ورأينا القطع الكبيرة من صخور المغاور المنسوبة وكلها تظهر شدة الانفجار، الذي كان يكفي لتدمير عمان برمتها.
وأضاف: سمعنا من أحد رجال الشرطة ان الذين قتلوا في الحادث هم: محمد عبد الهادي حمدان 40 عاما من يازور قضاء يافا، كامل احمد الشامي 40 عاما، تركي جاداالله بن أحمد علي 18 عاما، وعبد القادر جمعة من بيت دون قضاء يافا 50 عاما، وعائدة سعيد أبو جابر، من يافا، جورج خليل بيترو من يافا، ومحمد حمدان من نابلس، مصطفى حسين مصطفى، واثنان آخران لم تعرف هويتها، وقد أصيب عدد كبير بجراح مختلفة. وقام الدكتور جميل التوتنجي وكيل وزارة الصحة بزيارة المستشفيات والإشراف على إسعاف المصابين، واشترك في إسعاف الجرحى والعناية بهم كل من الأطباء، غالب القسوس، طبيب مستشفى الحكومة وبارك سابا وواصل كنعان، وقاسم ملحس وأحمد أبو قورة.
يقول العابدي: أما رجال الشرطة اعتقلوا المرحوم عبداالله أبو شام وشقيقه عبده ابو شام، أصحاب ملح البارود رهن التحقيق، وتوجه الملازم الأول محمد العسلي ضابط التحقيق، إلى دكان ابو شام في شارع السعادة وسط البلد، وعثر على ما يقرب برميل من الكحل الإنجليزي، ونصف كيس من الكحل الحجاري، و400 متر فتيل، وبعد انتهاء إجراءات التحقيق قُيّدت الحادثة قضاءً وقدراً لعدم وجود النية لديه بأفتعال الحادثة فضلاً على أنه يملك تصريحاً رسمياً من دوائر الأمن العام لبيع هذه المادة..
وذكر احمد أبو شام، أن والده وضع في السجن فترة من الوقت، ثم أُفرج عنه بعفو ملكي خاص، وقام بعدها بتعويض العائلات المتضررة والمنكوبة جراء ذلك الإنفجار، وتأمين مساكن مناسبة لهم بدلا من تلك التي هدمت في ذلك الحادث.
لم يكن أبو شام عطّاراً وحسب؛ بل كان تاجراً مرموقاً، يستورد البضائع من اميركا والدول الاوروبية، ومنها القرطاسية، والاكسسوارات، وهو الوحيد الذي يورّد بضاعته الى السوق المحلي، كما اتقن لغات منها الانجليزية، والتركية، والشركسية، لانها كانت ضرورة في تسهيل أعماله.
ونظراً لخبرته الواسعة في هذا المجال، كان يعتبره الكثير من زبائنه (طبيب عرب) يصف لهم الدواء العشبي، واكثر الزبائن من النساء، ومناطق البادية التي وصلت شهرته اليها.