عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    01-Dec-2025

خطة "غزة الجديدة" الحياة لمليوني فلسطيني

 الغد

يديعوت أحرونوت
 
 
من رون بن يشاي  30/11/2025
 
 
يفصل ممر موراج منطقة خان يونس شمالا ومنطقة رفح جنوبا. طريق ترابي مغبر يبدأ من الحدود بين قطاع غزة والجنوب المحيط به، ويؤدي إلى منطقة المواصي، الخاضعة لسيطرة حماس، حيث يتركز جزء كبير من سكان غزة.
 
 
 اليوم، لا يؤدي هذا الطريق غربا إلا إلى الخط الأصفر الفاصل بين حماس والجيش الإسرائيلي. أثناء قيادتنا، أثارت عربات الهامر الغبار، وحجبت السدود الترابية - المصممة لحماية الركاب من نيران القناصة والصواريخ المضادة للدبابات - أمواج الركام على جانبي الطريق.
لكن ما أدهشني أكثر أثناء قيادتنا هو أكوام الأكياس البيضاء وصناديق الكرتون المتناثرة على طول الطريق. شرح لي ضابط كبير في القطاع، رآني أنظر وأتساءل، أن هذه أكياس دقيق وصناديق طعام "سقطت" من الشاحنات التي حملتها عند معبر كرم أبو سالم للبضائع، لتُنقل كمساعدات إنسانية للمدنيين في قطاع غزة.
كلما توغلنا أكثر ودخلنا قطاع غزة، ازدادت كميات الطعام المتناثرة على جانبي الطريق. أقدر أن هناك عشرات، وربما مئات، الأطنان من أكياس الدقيق وصناديق الكرتون، التي كانت تحتوي في الغالب على علب. جميعها سليمة وجاهزة للأكل.
 لكن الحدث الأبرز كان عندما مررنا بشاحنة مقطورة متروكة بحمولتها في منتصف الطريق. واضطرت الجرافات لقلب الطريق رأسا على عقب للسماح بمرور السيارات. عند رؤية الكميات الهائلة من الطعام المرمي، تذكرتُ شكاوى الجوع في غزة التي أصبحت شعارا شائعا بين منظمات الإغاثة الدولية، وخاصة الأمم المتحدة. أثناء التقاطي الصور والتوثيق، حاولتُ أن أعرف من المقاتلين الذين كنتُ معهم كيف انتهى المطاف بهذه الكميات على جانب هذا الطريق. لم يكن لدى أحد تفسير واضح، بل نظريتان فقط.
إحداهما أن السائقين، الذين استلموا أجورهم قبل الانطلاق، لم يحزموا الحمولة جيدا، فسقطت من منصات التحميل في الشاحنة أثناء سيرها على الطريق الترابي الوعر. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل لم تتحقق منظمات الإغاثة التي استلمت الشحنة داخل القطاع لتوزيعها على السكان من استلامها الكمية الكاملة المرسلة إليها من معبر كرم أبو سالم؟ هذه مواد غذائية تساوي مئات الآلاف، وربما الملايين، دفع ثمنها أحدٌ ما - ربما دول الخليج الغنية، أو صندوق الإغاثة التابع للأمم المتحدة، أو منظمات الإغاثة الدولية.
النظرية الثانية هي أن لصوصا، من عناصر حماس أو عصابات إجرامية من عشائر غزة، صعدوا إلى الشاحنات بموافقة السائقين وأفرغوا حمولتها أثناء القيادة، ليتمكن أصدقاؤهم من استلامها وبيعها في السوق الحرة في غزة، حيث ارتفعت الأسعار بشكل جنوني.
 لكن لم يستلم أحد هذا الطعام، ربما لأن الجيش الإسرائيلي كان يعمل في المنطقة ويطرد اللصوص، وخاصة عناصر حماس. بل من المحتمل أن يكون بعض هذا الطعام قد أُحضر إلى هناك من قِبل منظمة، وهي صندوق غزة للمساعدات الإنسانية، والتي كانت موجودة أيضا في المنطقة، على أي حال، من الحكمة أن يحقق أي شخص موّل ونظّم المساعدات الإنسانية لجنوب قطاع غزة فيما حدث هنا.
المرحلة الأولى: أحياء مؤقتة
 ثم تسلقنا ساترا ترابيا يحيط بنقطة عسكرية إسرائيلية، تُطل على مدينة رفح ومخيمات اللاجئين المحيطة بها. تقع النقطة العسكرية على تلة رملية عالية، تُمكّنك من الرؤية بوضوح وبعيد.
 من هنا، يسهل عليك تحديد موقعك في المنطقة وفهم خطة العمل التي وضعها المركز الأميركي في كريات جات (مركز التنسيق المدني العسكري)، لتنفيذ خطة ترامب المكونة من عشرين نقطة. تُسمى هذه الخطة الأميركية "غزة الجديدة" الطموحة. يُطلق عليها أفراد الجيش الإسرائيلي، الذين يسعون جاهدين لمساعدة الأميركيين على تطبيق هذه الخطة، اسم "غزة الخضراء". من المفترض أن تُعيد توطين ملايين المدنيين الغزيين الذين أُجْلُوا من منازلهم مؤقتا، وأن تُعيد بناء القطاع من أنقاضه، وبالتالي تُنهي عملية عزل حماس الطويلة، بطريقة تُجبر الحركة على نزع سلاحها والتوقف عن كونها قوة عسكرية وسياسية مهيمنة في القطاع.
 من المقرر تنفيذ الخطة في مرحلتها الأولى في منطقة رفح شرق الخط الأصفر، أي في الأراضي التي يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي. لن يحدث شيء في الأراضي التي تسيطر عليها حماس، ولن تدخل إليها حتى المساعدات الإنسانية إذا ما دخلت الخطة الأميركية مرحلة التنفيذ الميداني. في المرحلة الأولى، ستدخل قوة الاستقرار الدولية (ISF) الأراضي الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية شرق الخط الأصفر في منطقة رفح، للإشراف على إنشاء "الأحياء المؤقتة الجديدة" التي سيعيش فيها مدنيون من غزة غير تابعين لحماس، وتأمينها، نيابة عن "مجلس السلام" المدني، ريثما تكتمل أعمال إزالة الأنقاض وبناء المدينة الجديدة المزمع بناؤها في رفح. ستُقام "الأحياء المؤقتة" في المناطق المفتوحة على الأطراف الشرقية لرفح أو في مناطق الكثبان الرملية التي كانت خالية حتى قبل الحرب، والتي لا تحتوي الآن على أنقاض أو ذخائر غير منفجرة أو ألغام من شأنها أن تُهدد سكان "الأحياء المؤقتة".
ويقدر الأميركيون أن السكان الذين يعيشون حاليا في منطقة سيطرة حماس في غرب قطاع غزة والمنطقة الساحلية في ظروف غير إنسانية تقريبا سيكونون سعداء بالانتقال إلى الأحياء المؤقتة حيث سيحصلون على السكن وظروف معيشية معقولة، بما في ذلك العمل المربح في مشاريع إزالة الأنقاض وإعادة الإعمار التي ستبدأ في نفس الوقت.
 ولمنع تسلل عناصر حماس إلى الأحياء المؤقتة، سيُنشئ الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن العام (الشاباك) معابر على الخط الأصفر مزودة بنقاط تفتيش وحواجز أمنية، لضمان عدم تسلل عناصر حماس أو استقرارهم في الأحياء المؤقتة أو تهريبهم للأسلحة إليها، من خلال وسائل تكنولوجية حديثة (مثل تقنيات التعرف على الوجوه وأجهزة قياس المغناطيسية القائمة على الذكاء الاصطناعي).
 وقد بدأ الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن العام (الشاباك) العمل على تخطيط هذه النقاط التفتيشية الأمنية، مما سيسمح لسكان "غزة الجديدة" بالتحرر من تهديد حماس وتلقي مساعدات إنسانية مجانية مباشرة من منظمات الإغاثة الدولية (كما أوقفت منظمة GHF، التي كانت تعمل برعاية وتمويل إسرائيلي، عملياتها بناء على طلب الوسطاء).
العبرة: وجود العديد من مراكز
توزيع المساعدات الصغيرة
تُخصص الخطة والجهود التخطيطية الأميركية مساحة كبيرة لقضية المساعدات الإنسانية. الهدف هو وصول المساعدات مباشرة إلى المحتاجين، وألا تستولي عليها حماس لصالح شعبها وتبيع الفائض لتمويل أنشطتها. لذلك، سيتم قريبا إنشاء مراكز توزيع في الأراضي الخاضعة لسيطرتنا، على مقربة شديدة من الخط الأصفر، تديرها وتشرف عليها منظمات الإغاثة الدولية والقوة متعددة الجنسيات لتثبيت الاستقرار.
لقد تعلم الجيش الإسرائيلي من تجاربه السابقة، وخاصة من إخفاقات صندوق الإغاثة الإنسانية، ضرورة تجنب تدفق عشرات الآلاف من سكان غزة المحتاجين إلى عدد محدود من مراكز التوزيع التي يحميها الجيش الإسرائيلي. إن التدفق الخارج عن السيطرة يُعرّض للخطر سكان غزة الذين تُضايقهم حماس، وكذلك جنود الجيش الإسرائيلي الذين تقتحمهم الحشود. لذلك، تقرر الآن إنشاء العديد من مراكز التوزيع المحلية الصغيرة التي يسهل الوصول إليها حسب الحي، والتي ستحميها قوات الأمن الإسرائيلية. ستتمكن حماس بالفعل من نهب المدنيين، لكنها لن تتمكن من الوصول المباشر إلى الحاويات الكبيرة، وستضطر إلى بذل جهود كبيرة. بالتوازي مع إنشاء مراكز توزيع المساعدات وبناء الأحياء المؤقتة، سيبدأ المقاولون (على الأرجح مصريون) بإزالة الأنقاض (ليس من الواضح أين سيذهبون) ثم بناء "غزة الجديدة". وقد بدأ الجيش الإسرائيلي بالفعل بمساعدة المخططين الأميركيين في إزالة الألغام والذخائر غير المنفجرة في المناطق التي يعمل فيها بالفعل.
في حال نجاح مشروع الأحياء المؤقتة في منطقة رفح، يعتزم الأميركيون مواصلة تنفيذ مشاريع مماثلة. أولا في منطقة خان يونس، ثم في مخيمات وسط قطاع غزة، وأخيرا في الشمال، مقابل مدينة غزة والمستوطنات الواقعة شمالها. الهدف النهائي هو انتقال حوالي مليوني فلسطيني - معظم سكان قطاع غزة، المقيمين حاليا في المناطق الخاضعة لسيطرة حماس - إلى الأحياء المؤقتة أولا، ثم إلى المجمعات الدائمة التي سينشئها الأميركيون لهم بمساعدة وتمويل من دول الخليج.
 وليس من المستبعد أن يتمكن مواطنو غزة الراغبون في السفر إلى الخارج من القيام بذلك إذا كانت هناك دول مستعدة لاستيعابهم. الهدف هو أنه في نهاية هذه العملية، التي ستستمر أشهرا وربما سنوات، سيتم إخلاء المناطق التي تسيطر عليها حماس - منطقة المواصي، ومنطقة المخيمات الوسطى، ومنطقة مدينة غزة - من معظم المواطنين الفلسطينيين غير المتواجدين فيها حاليا. في هذه الحالة، ستبقى فلول حكومة حماس وقوتها العسكرية، بمن فيهم الفلسطينيون المسلحون، في "الجيب الأحمر"، محاطة بقوات الجيش الإسرائيلي الكبيرة وظهورهم إلى البحر، دون أي مساعدات إنسانية. 
لدى الجيش الإسرائيلي أيضا خططٌ لاحتلال غرب قطاع غزة لتحقيق نفس النتيجة، وهي تعتمد على اتفاقيات بين القيادة السياسية الإسرائيلية وإدارة ترامب.
 يعتقد الضباط الأميركيون في قيادة كريات غات أنه لن يكون من الضروري أن يحتل الجيش الإسرائيلي أيضا المنطقة الخاضعة حاليا لسيطرة حماس، بل إن حماس - بالاتفاق مع الوسطاء قطر وتركيا ومصر - ستوافق على إلقاء سلاحها وإخلاء قطاع غزة، عندما تدرك أنها معزولة ولا تستطيع حتى القتال بكفاءة.
الطريق إلى التغلب 
على المتحصنين في رفح
لكن داخل الأراضي التي يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي، ما تزال هناك جيوب مقاومة. وهما جيبان تحت الأرض، أحدهما في منطقة خان يونس والآخر في رفح، حيث يشن الجيش الإسرائيلي حربا من نوع خاص فوق وتحت الأرض، بهدف إجبار المقاومين المتحصنين في الأنفاق على الصعود إلى السطح.
 وقد أوصى الجيش الإسرائيلي المستوى السياسي بعدم قبول مقترحات الوساطة والأميركيين، والتي تقضي بأن يصعدوا فوق الأرض وينتقلوا إلى الجزء الذي تسيطر عليه حماس. لذلك، إما أن يُقتلوا أو يستسلموا.
إن الحاجة إلى تدمير جيوب المقاومة تحت الأرض هذه لا تنبع فقط من اعتبارات عسكرية، بل أيضا من قرار واعٍ من حماس وأنصارها الكثر من الشعب الفلسطيني. حاولت المنظمة بناء أسطورة على مواقع التواصل الاجتماعي حول "المقاتلين الأبطال تحت الأرض الذين لا يستسلمون للجيش الإسرائيلي"، وتزعم حماس أنهم من سيجلبون النصر للمقاومة. لذلك، فإن الجيش الإسرائيلي عازم على القضاء ليس فقط على جيوب المقاومة، بل على الأسطورة أيضا.
يدور القتال الرئيسي الآن حول مجمع الأنفاق المعقد أسفل رفح. اكتُشف هذا المجمع بالصدفة قبل بضعة أسابيع، عندما خرج منه مقاومون مختبئون ونصبوا كمينا قُتل فيه أربعة من مقاتلي الجيش الإسرائيلي. قبل اكتشاف هذا المجمع تحت الأرض، كان هناك ما يقارب مائة مقاوم، ظلوا محاصرين بعد سيطرة الجيش الإسرائيلي على المنطقة فوق الأرض. الآن، لم يبقَ على قيد الحياة سوى أقل من عشرين منهم. يُشدد الجيش الإسرائيلي الخناق فوق وتحت الأرض، لمنعهم من الفرار، تاركا لهم خيارا واحدا فقط: الاستسلام أو الموت.
 من بين المائة مقاوم الذين كانوا في المجمع، قُتل حوالي ثلثهم نتيجة قصف دقيق بذخائر خارقة من قبل سلاح الجو، ونتيجة انفجارات نفذها عناصر وحدة الماس التابعة لسلاح الهندسة داخل الأنفاق. خرج ثلث المقاومين إلى السطح، بهدف الفرار أو القتال حتى آخر رمق. قُتل معظمهم، واستسلم ثلثهم. 
هناك ما يقارب خمس ميليشيات "عائلية" من هذا النوع تعمل في قطاع غزة. إنها غير قادرة على هزيمة حماس، لكن رجالها وقادتها يتمردون علنا، مما يُقوّض حكم المنظمة ويُعرّض دعمها بين السكان للخطر. في أحاديثنا مع أشخاص على الأرض، ومع قادة الجيش الإسرائيلي وأفراد من قوات أمنية أخرى، نسمع كثيرا هذه الأيام ادعاء بأن حماس قد هُزمت عسكريا، وأن خطة ترامب المكونة من عشرين نقطة تُمثل في الواقع خلاصا لها لأنها تُتيح لشعبه مغادرة القطاع أحياء وعزلا. السؤال هو: كم من الوقت سيستغرق هذا، وهل ستتحلى دولة إسرائيل والشعب الإسرائيلي بالصبر لتحمل العبء ريثما تبدأ الآلة الأميركية الثقيلة بالعمل على الأرض؟ من جولة في القطاع في الأيام الأخيرة، يتبين أن هذا لن يحدث في أي وقت قريب.