عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    11-Sep-2023

«كوب 28» وعقدة الإعلام الغربي*عمر عليمات

 الدستور

«لا جديد يذكر ولا قديم يعاد»، فمع اقتراب موعد انعقاد قمة المناخ «كوب 28» تتزايد وتيرة التقارير الإعلامية الغربية المنتقدة لدولة الإمارات، المستضيفة لهذا الحدث العالمي المهم، رغم أن هذه التقارير لا تأتي بجديد، بل تدور في ذات الطرح دون إضافة تذكر، إلى الدرجة التي يمكن القول معها أن ما يجري إفلاس إعلامي.
وكالعادة تتمحور الانتقادات حول مواضيع فضفاضة على مقاس مسطرة المبادئ الغربية دون احترام لعقائد ومبادئ الآخرين، فهي بعيدة كل البعد عن تقديم حقائق محددة يمكن مناقشتها،إذ أن غالبية التقارير الإعلامية أو البيانات التي تصدر عن بعض المنظمات غير الحكومية تدور حول قضايا حقوق الإنسان وخاصة فيما يتعلق بحقوق المثليين والعمالة، وهي ذات الانتقادات التي وجهت لدولة قطر عند استضافة كأس العالم، وهي ذاتها التي توجه لأي دولة خارج نادي الدول الكبرى، في مؤشر على أن الجغرافيا ومبادئ الدول هي مَن يحدد طبيعة التقارير ونوعيتها، وأن موضوع الحقوق ليس سوى شماعة ضغط ذات أهداف أخرى تتعلق بمحاولة فرض القيم الغربية على العالم.
من الطبيعي أن تكون الدول المستضيفة لأحداث كبرى تحت مجهر الإعلام، ومن الطبيعي ظهور تقارير سلبية ومحايدة وإيجابية، ومن المفترض أن تركز وسائل الإعلام على كافة القضايا المرتبطة بالحدث وتخضعها للتحليل ووجهات النظر، ولكن ليس من الطبيعي أن تكون هذه التقارير أشبه بحملة علاقات عامة هدفها تشويه الصورة، فما القيمة التي تضيفها صحف عالمية كبرى عندما تعيد نشر تقارير تحمل ذات المعنى والمحتوى دون جديد يذكر، فما الذي تستفيده صحيفة طاغية الشهرة من إعادة نشر تقرير لصحيفة منافسة دون أي جهد إضافي، سوى إعادة الصياغة وترتيب الفقرات؟.
ولعل أسوأ ما ابتدعته هذه الصحف موضوع التسريبات الذي نشرته أكثر من صحيفة عالمية، ومفاده أن الإمارات أعدت وثائق للرسائل الاستراتيجية والردود المقترحة بشأن مختلف القضايا الرئيسية، وكيفية التعامل مع وسائل الإعلام خلال فترة انعقاد القمة، باعتبار ذلك سبقاً صحفياً وفضيحة من الطراز الرفيع، رغم أن هذا الإجراء من بديهيات العمل، وهو بالأصل ممارسة غربية وصلت إلينا عبر شركات الإعلام والعلاقات العامة الدولية، فهل هناك دولة أو حتى شركة متناهية الصغر ليس لديها رسائل تريد ايصالها للجمهور، وهل هناك جهة منظمة لأي حدث في أي مكان بالعالم لا تضع في اعتبارها تساؤلات الإعلام ووضع ردود محددة عليها، وهل هناك حدث على وجه الكرة الأرضية يُعقد دون الترتيب له ووضع خطط إعلامية وتنفيذية وخطط للأزمات والطوارئ، أم أن المطلوب التعامل مع حدث بهذا الحجم وهذه الأهمية كأنه حفل عيد ميلاد؟.
هذه ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي تقود فيها الصحف الأجنبية حملة انتقادات ضد الدول غير الغربية المستضيفة للفعاليات الكبرى، فالأمر أقرب إلى الإمعان في ترسيخ صورة ذهنية سلبية عن كل ما هو غير غربي، فالغرب هو المتقدم والمتطور وقوانينه يجب أن تكون دستوراً للعالم، وكل مَن يختلف مع مبادئه فهو قمعي ورجعي ومنتهك لحقوق الإنسان، إذ لو كانت هذه الصحافة فعلاً تنطلق من إيمان وقناعات حقيقية فلماذا لم تقُد حملة ضد منع ارتداء العباءة في مدارس فرنسا، أليس من حق الإنسان أن يرتدي ما يشاء، ولماذا تغض ذات الصحافة النظر عن تزويد الغرب لأوكرانيا بالقنابل العنقودية وقذائف اليورانيوم المنضب، وأين هذه الصحافة عن إغداق الغرب المليارات لدعم اللاجئين الأوكرانيين وتجاهل اللاجئين في أفريقيا وآسيا وكأن قيمة الإنسان تقدر بناء على عرقه ولونه، وأين هي من نبش التاريخ المظلم لقضايا التطهير العرقي التي ارتكبتها الدول الغربية، وأين هي عن العين الغربية الحمراء ضد انقلاب النيجر والعمياء مع انقلاب الغابون.
ما تواجهه الإمارات اليوم واجهته قطر أمس، وواجهته روسيا قبلهما عند استضافة كأس العالم، ستواجهه أي دولة من خارج النادي الغربي الغارق بعقد التفوق، فالانتقادات جاهزة ومعلبة يتم تدويرها من دولة إلى أخرى مع كل حدث أو فعالية دولية تعقد خارج هذا النادي، فالأمر لا يعدو كونه عقدة الوصي على العالم، الذي يجب أن يُتبع في كل شيء وإلا فما علاقة قمة المناخ بحكايا الشذوذ الذي يراد له أن يُفرض كقيمة عالمية غير قابلة للنقاش.
المنطقة احتضنت إكسبو دبي وحققت إنجازاً لا ينكره أحد رغم تأثيرات وتداعيات جائحة كورونا التي كانت في ذلك الوقت تجثم على صدر البشرية، ونجحت الدوحة في تنظيم إحدى أفضل نسخ البطولة، دون أن يمارس أي عنف لفظي أو جسدي او تمييز عنصري في كلا الحدثين، فهل أخذت الصحافة العالمية بذلك لتغيير وجهة نظرها وقناعاتها وتتخطى أوهامها وتخوفاتها، أم أن الأمر ليس سوى أجندات تجري في سراديب الصحف الغربية.
باختصار، الغرب بات أكثر عنصرية، فهو يقسم العالم بين متمدن ومتخلف بناء على تبني القيم والمبادئ الغربية، فإما أن تكون تابعاً قيمياً وعقائدياً وإما أن تكون رجعياً وضد مدنية العصر، وهذه النظرة الاقصائية هي ذات النظرة الاستعمارية التي حكمت الكثير من دول العالم في زمن سابق، فلم يختلف شيء بين النظرتين سوى لون وطريقة التغليف.