الغد-هديل غبون
دعا مختصون وحقوقيون إلى ضرورة إلى إجراء دراسة تحليلية معمقة لبيئة الأسر التي سجلت فيها حوادث قتل أسرية اجتماعيا واقتصاديا، مؤكدين أن معالجة ظاهرة العنف الأسري المتفاقمة، لا تتوقف عند معالجة المنظومة التشريعية فقط بل هي جزء منها.
وجاءت هذه الدعوات مع استمرار تسجيل حالات قتل داخل الأسرة وتفاقهما منذ بداية العام الحالي، حيث أظهر تقرير رصدي نشرته جمعية "تضامن النساء" قبل أيام، وثقت فيه تفاقم جرائم القتل داخل الأسر خلال النصف الأول من العام الجاري 2023، وبواقع ارتكاب 15 جريمة قتل داخل الأسر ذهب ضحيتها 12 أنثى مقابل 4 ذكور، وفي إحصائية مضاعفة عن الفترة ذاتها من العام 2022.
وطرحت بعض منظمات المجتمع المدني عدة مقترحات من بينها تشريع قانون خاص لحماية المرأة من العنف وتضييق العمل بمبدأ إسقاط الحق الشخصي في قانون العقوبات، إلا أن مختصين ومراقبين رأوا بأن إجراء الدراسات التحليلية لبيئة الجرائم الأسرية ذات أولوية اليوم، لقياس الأسباب الجذرية للعنف الذي لا ينتهي بالقتل إلا بعد وقوع عنف متكرر داخل الأسر، ولقياس مدى فاعلية التبليغات ورصد "التقاطعات" بين الأسر التي شهدت وسجلت فيها حالات عنف أسري لرصد مستوى الخطورة المحتملة على أفراد هذه العائلات واحتمالات تعرضها لخطر أعلى وصولا إلى القتل.
ومن هنا، قالت القاضية السابقة فداء الحمود في حديث "للغد"، إن معالجة قضايا العنف الأسري لا يرتبط بالمنظومة التشريعية وحدها، مطالبة بضرورة إعادة النظر بآليات التشبيك بين جهات إنفاذ القانون المختلفة خاصة إدارة حماية الأسرة ووزارة التنمية الاجتماعية.
وقالت الحمود التي شغلت موقع رئيسة ديوان التشريع والرأي سابقا" نحن بحاجة إلى مراجعة منظومة الحماية وتقييم آلية التشبيك بين الجهات المختلفة وجهات إنفاذ القانون. يجب الوقوف على أسباب الجرائم الأسرية اجتماعيا واقتصاديا، لابد من إجراء دراسة على للأسباب الحقيقية للعنف الأسري وكم هناك من أسر تتقاطع معها عوامل الخطورة ورصد إمكانية تعرض فرد منها للقتل."
كما شددت الحمود في حديثها، على ضرورة إجراء مسح وطني "للعنف" على غرار مسوحات السكان والبطالة لتكون قاعدة بيانات وطنية وحتى لا يكون هناك أي تشكيك بأرقام وإحصاءات العنف الصادرة عن منظمات المجتمع المدني أو أي من المنظمات الدولية، وفقا لها.
كما رأت الحمود، ضرورة في مراجعة برامج المتابعة للعاملين في تتبع منظومة العنف الأسري، خاصة في وزارة التنمية الاجتماعية ومنحهم مزيد من التدريبات والاختصاص في مجال عملهم.
وبشأن التشريعات، قالت الحمود إن العنف لا يتعلق بفعل القتل بحد ذاته بل هو نتيجة لسلسلة متراكمة من العنف، معتبرة أن المناداة بإلغاء العمل بمبدأ إسقاط الحق الشخصي لوحده بشكل مجرد قد لا يكون هو الحل. وأضافت" من المهم معرفة كيفية تطبيق هذا المبدأ وجدواه، وهل إسقاطه كان بإرادة حرّة أم ليس بإرادة حرّة وهل هو حقيقي أم لا. لايمكن القول أننا ضد إسقاط الحق الشخصي ولكن من المهم معرفة حقيقية والجدوى من تطبيقه في حماية حقوق النساء".
من جهته، قال الأمين العام للمجلس الوطني لشؤون الأسرة الدكتور محمد المقدادي، إن الاحصائيات التي تم رصدها حول حالات القتل الاسرية خلال هذا العام، جديرة بالتحليل والتمحيص، بل وتحتاج دراسة معمقة على كل المستويات.
وأوضح مقدادي في حديث لـ"الغد" بالقول" نحن بحاجة لدراسة بيئات هذه الأسر، والزيادة واضحة في عدد الجرائم الأسرية"، مشيرا إلى أن ربط زيادة حالات القتل بمراجعة التشريعات ليس ضرورة دائما، لاعتبارات تتعلق بوجود ذات التشريعات في الفترات التي تراجعت فيها حالات القتل الأسرية.
وتابع مقدادي بالقول:" هل نعيد ذلك إلى قوانين مثل قانون العقوبات أو القانون الإجرائي قانون الحماية من العنف الأسري ؟ القوانين لم تتغير والخدمات تقدمت وتطورت وهنالك برامج مكثفة لرفع كفاءة العاملين، أما ربط هذا الارتفاع بأن هناك خللا في القوانين أعتقد قد تكون فيه إضاعة للوقت هناك عوامل أخرى رئيسية".
وبيّن المقدادي أن هناك دولا عديدة لم تستطع أن تمنع الجريمة بغض النظر عن مستوى الخدمات وتطور التشريعات المطبقة فيها، وأضاف" لا يمكن أن نلوم الخدمات ولا القوانين بل نحن بحاجة لقراءة ما الذي حدث هل هناك زيادة في الضغوطات النفسية لدى الأسر هل هناك تأثيرات لارتفاع معدلات البطالة أو تعاطي المواد المخدرة، ربط الأرقام بهذه العوامل سيعطي نتائج أدق باعتبار أن منظمة الصحة العالمية تعتبر أن هذه العوامل هي من جذور العنف الأساسية في المجتمعات بشكل عام."
ورأى المقدادي أن إجراء دراسة على حالات العنف لهذا العام والعام الماضي أصبح ضرورة ودراسة حالات الأسر التي شهدت العنف وتقييم سجلاتها السابقة إن وجدت في حالات العنف إجمالا.
وتتفق المحامية آمال حدادين مع ما سبق، من ضرورة إجراء دراسة شاملة حول الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية لمرتكبي الجرائم الأسرية، مشيرة إلى أن التشريعات ليست مقياسا مباشرا لمدى تفاقم الظاهرة.
وقالت حدادين لـ"الغد"، بأن هناك تشريعات متقدمة جدا تتعلق في بعض الدول إلا أنها لم تنه ظاهرة "العنف" أو "الجريمة" كما هو الحال في كوبا على سبيل المثال.
وخصصت الحكومة للأعوام 2023 - 2025 نحو 10.9 مليون دينار لتنفيذ برامج جديدة لمجابهة العنف ضد النساء والأسرة في إطار 8 مبادرات و53 مشروعا، لم تعلن الحكومة بعد عن بدء تنفيذها.