عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    19-Feb-2025

عندما يتنمر الرؤساء ويبدع الملك*سائد كراجة

 الغد

.. بعيداً عن الدمار الذي ألحقته إسرائيل بغرة، فقد أصابتها الحرب في مقتل، حيث فشلت في تحقيق نصر حاسم، وبدلاً من أن تكون درع أميركا في المنطقة، صارت عبئا سياسيا واستراتيجيا عليها، حيث وجدت أميركا نفسها متورطة بشكل مباشر في الحرب مما أثار تساؤلات حول نجاعة الدعم العسكري لهذا الحليف.
 
 
بعقلية عصابات المافيا التي أُهين ممثلها، أطلقت أميركا لإسرائيل العنان للبطش بالمدنيين العزل، وأمام فشل إسرائيل في حسم المعركة بالسرعة المتوقعة - وكان الحديث عن أسابيع أو أشهر - وقع العقل السياسي الأميركي في حالة إرباك شديد. دفعها ليس فقط لدعم إسرائيل عسكرياً وسياسياً واستخباراتياً - وهذا متوقع - بل ورطها في التفريط بموقعها وسمعتها كحامية للقانون الدولي وحقوق الإنسان.
 
الإرباك لم يتوقف عند هذا الحد، بل بدت أميركا تحاول تعجيل «تشطيب» مشروع إسرائيل اليهودية، وعلى حساب حلفائها العرب وتحديدا مصر والأردن، متوقعة منها تحمل تبعات فشل إسرائيل وقبول التهجير الذي تحدث فيه بلينكن علنا في أول الحرب، وتبناه ترامب طوال مدد حكمه.
هذا الانحياز الفج، وكلفة الحرب الباهظة، وإجرام إسرائيل «المتلفز» خلق انقسامات في أميركا حيال الدعم الأعمى لإسرائيل، وبدأ يتشكل رأي يدين إسرائيل كمشروع وكدولة، وخاصة بين الشباب الأميركي الذي وثقت التحول في موقفه استطلاعات رأي أميركية.
كما رصد العديد من قادة الرأي والعسكريين الأميركيين تحولات في المنطقة تؤثر على مستقبل وجود أميركا فيها؛ وأهمها مشروع «مبادرة الحزام والطريق» الصيني للتعاون الاقتصادي، الذي يأتي بديلاً للهيمنة الاقتصادية الأميركية، مجموعة بريكس وبنكها للتنمية، بديل البنك الدولي، وهي تتوسع، وقد انضمت لها دول عربية، منها مصر والسعودية والإمارات، وأعتقد أن على الأردن أن يبدأ في التحرك نحوها.
في ظل هذا الإرباك والفوضى الأميركية، وبعودة ترامب للحكم، الذي يجاهر بدبلوماسية التنمر على العالم كله، جاء لقاء جلالة الملك عبد الله الثاني مع الرئيس في لحظة حساسة. لم يكن اللقاء مجرد اجتماع بروتوكولي، بل مواجهة مع رئيس في مرحلة تنفيذ وعوده الانتخابية لجمهور ناخبيه، وأهمهم اللوبي الصهيوني واللاهوتية الصهيونية.
أدار الملك الموقف بحنكة، رافضًا الانجرار إلى مواجهة غير محسوبة، لكنه في الوقت نفسه لم يقدم أي تنازلات عن موقف الأردن التاريخي. والحقيقة أنني أستغرب حتى قبول مناقشة المشككين بمواقف الأردن وموقف الملك، فقد ذهب جلالته إلى البيت الأبيض، وفي ملفه موقف أردني هاشمي علني دولي برفض التهجير والوطن البديل، رفض ثابت الملامح، ثلاثي اللاءات عنوانه: «ندعم القضية الفلسطينية بكل ما أوتينا من قوة، ونرفض حلها على حساب الأردن».
على مشارف القمة العربية المرتقبة - أشعر أنها تأخرت قليلا -، فإن الموقف والتحول الإستراتيجي في سياسة أميركا المعادي علنا للمصالح العربية وليس فقط الفلسطينية، إضافة إلى تخلخل فكرة دولة إسرائيل كدرع أميركي في المنطقة، والكلفة الباهظة لإدامة إسرائيل، أرى أن هذا كله يشكل فرصة تاريخية للعالم العربي لتغيير قواعد اللعبة وتقديم مقترح لأميركا يخرجها من ارتباكها وتخبطها. يبدأ هذا المقترح من حقيقة أن الشعوب العربية كافة رافضة للمشروع الصهيوني، وأن وجود إسرائيل في قلب المنطقة صار مرفوضا شعبيا.
وسط هذا المشهد، يبرز الخيار العربي للسلام - المبادرة العربية 2003، التي أعتقد شخصياً أن الزمن والواقع قد تجاوزها – يبرز كتكتيك وبديل في معرض المفاوضات والواقع أنه قد يكون مخرج عملي للأزمة التي تواجهها واشنطن، ذلك أن هذه المبادرة لم تعد مجرد طرح عربي، بل أصبحت الحل الوحيد الذي يمكن أن ينقذ أمريكا من استمرار دعم مشروع - إسرائيل - الذي فقد كثيرا من قيمته الإستراتيجية. لم يعد بإمكان الولايات المتحدة التعويل على القوة العسكرية الإسرائيلية، وعليها أن تتحرك سريعا لفرض تسوية سياسية قبل أن تخسر المزيد من نفوذها، ويفوت الوقت على قبولها وقبول إسرائيل في المنطقة حتى من حكام الأمة العربية، وهذا العرض – المبادرة العربية - ليس موجودًا على الطاولة للأبد!
أما على صعيد الجبهة الأردنية الداخلية، فإني أبشركم وبكل موضوعية، هي متماسكة خلف الموقف الرسمي، وما تسمعونه على وسائل التواصل الاجتماعي من مواقف وتصريحات «ولادية» لا يمثل الواقع، هي زوبعة في فنجان، وأقول للمرعوبين من جانب والمشككين من جانب آخر: «عيرونا سكوتكم»، ويكفي اختلاق أعداء وإنتاج معارك مش وقتها جنابكم!