عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    19-Sep-2019

الشقيقتــان ماردينــي .. مـن رحـم المعانــاة إلـى العالميـة

 

 الدستور- حوار- نيفين عبد الهادي - كثيرة هي الأشياء التي من حولنا تستحق الحياة، ورغم كثرة الإحباطات، وتعدد المشاكل ببعض خطواتنا، إلاّ أنه يبقى دوما «ما يستحق الحياة» ولو كان الوصول إليه شاقّا، او صعبا، وطريقه وعرة، لكن في نهاية النفق هناك نور يمحي عتمة التعب، وينسينا مشقّة الطريق.
وكم هو جميل، أن نستمد العزيمة والإصرار والثقة بأن القادم أفضل، من أشخاص انتزعوا نجاحهم، وحضورهم من عالمهم المليء بالمعاناة والصعوبات، والعقبات، لينشروا رائحة الياسمين لمن حولهم بنجاحاتهم المميّزة والعالمية، وبقصصهم التي شكّلت نموذجا يحتذى للباحثين عن الحياة، وما يستحق الحياة.
في مؤتمر «ما يستحق الحياة» الذي عقد أمس الأول تحت رعاية ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله الثاني، انطلقت ألف فكرة وفكرة «لما يستحق الحياة»، وأعلن عن عشرات القصص لشباب مثابرين، يملكون قوّة تشبه إصرارهم وعزيمتهم، ليشكّلوا مثالاً يحتذى به، لينقلوا العالم من حولهم لمدن وردية تغيب فيها المشاكل وتزدان بالكثير من فرح والإنجاز، والتميّز.
جريدة «الدستور» التي تواجدت خلال أعمال المؤتمر، قرأت عددا من قصص النجاح التي تقدّم بها شباب وشابات شاركوا بالمؤتمر، لتظهر حالة فريدة من هؤلاء الشباب تركّز على العمل، ورؤية الجزء الممتلئ من الكوب، مهما كان صغيرا، وتضع شكلا مختلفا للإنجاز يتسم فقط بالإصرار لتحقيق التميّز، في ظل أي ظروف للاجئ أو مريض، أو من ذوي الإعاقة، أو من أي تحدّ يمكن أن يواجه أي شخص، ليتجاوزه ويصل لحالة من الإبداع التي لا يمكن وصفها إلاّ بالخارقة!!!
هم شباب رفضوا البقاء في جلباب المعاناة من أي مشكلة، واختاروا الخروج لعالمهم الخاص، المليء بقصص النجاح والتفوّق، مقدمين تجاربهم التي اتسمت في أغلبها بالعالمية، للاستفادة منها والخروج بشكل حقيقي بالكثير «مما يستحق الحياة»، يجولون العالم للتخفيف قدر الممكن من معاناة أي شخص، وشحذ همم الشباب وحتى مجتمعات بأكملها.
«ما يستحق الحياة»، عبارة عن مؤتمرات حرة، غير سياسية وغير دينية مفتوحة أمام الجميع تقام في العديد من المدن الرئيسة حول العالم، وتهدف إلى تعزيز القيم الإنسانية العالمية بين الشباب من خلال قصص وتجارب المتحدثين فيها، ويدير المؤسسة ويشرف على أعمالها فريق نسوي بالكامل مكون من تسع نساء مقرهن الرئيس في إسبانيا، تم إقامة أكثر من 150 مؤتمراً منذ العام 2007، في العديد من مدن أوروبا وأميركا اللاتينية، حضرها أكثر من 200 ألف شاب وشابة، في حين حضره ما يقارب 1600 من المدارس الخاصة والحكومية في عمان، تم اختيارهم ليكونوا ضيوفاً في مؤتمر العرب الأول، كون المؤتمر يعقد للمرة الأولى في دولة عربية.
اختيار قصص نشارككم بها، مسألة ليست سهلة فالأمر يتطلب جهدا، ذلك أن كل القصص تشكّل حالة مثالية من العمل والإنجاز المختلف، كونه محاطا بعقبات ومعاناة، وصعوبات، ورأينا في «الدستور» أن نتحدث مع سارة مارديني من سوريا التي ترفض أن يلصق بها أي وصف، كونها ترى بنفسها أنها قامت وتقوم بأعمال انسانية بحتة، لا علاقة لها بأي أبعاد سياسية أو غير ذلك.
 سارة تحدثت لـ»الدستور» عن تجربتها وشقيتها يسرى في الحرب واللجوء والسجن والهجرة الآن، لتحققا الكثير من الإنجازات، تبثان رسائل سلام، وأمل، وتفاؤل، والأهم إصرار على أن القادم أفضل، ومهما تكالبت على الإنسان المشاكل هو قادر على تجاوزها وتحقيق الكثير إذا ما توافرت العزيمة، والإصرار، وهو ما فعلتاه لتكونا اليوم شخصيتين عالميتين.
سارة، وبابتسامة لا تفارق وجهها الذي يحمل ملامح طفلة، رغم كل ما مرّت به، تقول تخيلي أنني بعيدة عن سوريا مدة زمنية لا تتجاوز الساعتين، وأكاد أشتم رائحة شوارعها، إلاّ أنني لا أستطيع أن أصلها، أو أزورها، ليتني أستطيع أن اقبل يد جدتي الآن، لكنه المستحيل الذي فُرض علينا .
هذه الطفلة الكبيرة بقصتها، قالت في حديثها الخاص لـ»الدستور» في عام 2015 صعدت قاربا صغيرا مكتظا باللاجئين، لنهرب على متنه من الحرب في سوريا، وذلك في رحلة عبر بيروت ثم أزمير التركية وصولا إلى اليونان، وتعرض هذا القارب الذي كان يقلنا لعُطل، وعندها قررت أنا وشقيقتي يسرى ومعنا سيدة أخرى أن نهبط من القارب، وقمنا بسحبه في البحر ثلاث ساعات كاملة حتى وصلنا به بسلام إلى الشاطئ، وعليّ هنا أن اشير الى ان ما قمنا به هو عمل انساني بحت، فنحن كنا نرغب بالحياة كما من هم في القارب، بالتالي سعينا للحياة من خلال ما قمنا به، وليس لأي أهداف أخرى بالمطلق.
ما أريد قوله هنا – تضيف مارديني- أن ما فعلته آنذاك ليست بطولة لتروى وتؤرخها كتب التاريخ تحت مسميات عديدة، إنما عمل انساني صنعته الفطرة الإنسانية البريئة، بحكم انني وشقيقتي نمارس رياضة السباحة منذ سنين، وما قمنا به مهارة نمتلكها، وتم تسخيرها لإنقاذ أرواح اضطروا للهجرة وتعرضوا لهذا المأزق، فكان لا بد أن نقوم بإنقاذ (20) شخصا من الغرق، سيما وأننا نملك قدرة على الإنقاذ بحكم درايتنا بالسباحة، وما حدث ليس افتعالا لبطولة إنما بحث عن حياة!!!
وأضافت مارديني ما زلت أذكر أن الرحلة استغرقت 25 يوماً من السفر وثلاث ساعات من السباحة لإنقاذ الزورق الذي كنا على متنه برفقة آخرين، وعشنا حال اللاجئين السوريين، خلال تنقلنا من اليونان إلى هنغاريا، وبعد الوصول إلى ألمانيا، لاحظت الاختلاف الشاسع بين حياتي السابقة وحياتي كلاجئة، ولكن رياضة السباحة بقيت تلازمني بالرغم من ذلك كله، وشاركت في أولمبياد ريو دي جانيرو ضمن فريق خاص باللاجئين.
يشار إلى أن قصة سارة وشقيقتها كانت محور كتاب بعنوان «فراشة» تم إطلاقه في برلين، فيما تم تعيين سارة سفيرة الأمم المتحدة الخاصة للاجئين.
تقول سارة بهذا الشأن أن تجربتها في الفرار دفعتها للتصميم على التحدث بالنيابة عن الأشخاص الذين أُجبروا على الفرار، وبأنها سعيدة بتمثيل المفوضية، مؤكدة أن أحدًا لا يختار ترك وطنه، ولكن سقطت قذيفة على النادي الذي كنا نتدرب فيه على السباحة وقرر والداي فعل ما يفعله كل الآباء عندما يرون أطفالهم في خطر، فقررنا مغادرة سوريا.
وعن حياتها اليوم، قالت سارة أنا الآن أقيم منذ 2015 في برلين، أتابع دراستي المعتادة، وألتقي بعدد من الشخصيات السياسية حول العالم، على رأسهم الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وبابا الفاتيكان.
وعن مشاركتها في مؤتمر «ما يستحق الحياة» تقول يسرى، لقد خرجنا من عمّان بما يستحق الحياة بشكل حقيقي، فرغم أن قصتي حزينة، فقد خسرت فريقي، ولدينا قضية، لكن من حجم الطاقة الإيجابية التي منحت لنا بأجواء عمّان والأردن بشكل عام، تحوّلت قصتي وقصص غيري إلى حالة من الإصرار والعمل والوصول للنجاح والإنجاز بل والتفوّق، فهو ما منحه لنا الأردن هذا البلد المليء بالحب الذي من شأنه أن يخلق المعجزات. وقالت مارديني كل ما أردنا قوله خلال المؤتمر هو اطلاق رسالة سلام، نحن لا نتحدث سياسة، ولا نملك أي أجندات سياسية بالمطلق، ولكن للأسف أن أجواء الحرب تقود لاختلاق روايات وقصص، وأحيانا أكاذيب، وهذا ما حدث معنا للأسف، فنحن قمنا بعمل انساني أظهرنا من خلاله أننا متمسكون بالحياة، ونملك أداة الإنقاذ، وأنا تخصصي سباحة في المياه المفتوحة.
وطالبت مارديني بضرروة منح الشباب تسهيلات في منح التأشيرات للطلاب والشباب لغايات التعليم، حتى نمنع أي شكل من أشكال الهجرة غير الآمنة، فهناك ضرروة بتوفير هذه التسهيلات، تراعي خصوصية الشباب والطلاب، وفتح المجال لهم لبناء مستقبلهم بشكل آمن وسليم.
وقالت سارة نحن في برلين نجتمع وعدد من الفتيات العربيات، كل منا تقدّم رسالة وطنية مختلفة، فضلا على تقديم مشاريع مختلفة تأخذ الطابع الدولي، والعالمي، وهناك انجازات خارقة، مع الحفاظ على الطابع العربي، وتقاليدنا، مؤكدة أن الإنجاز لا يخلقه الأسى أو المعاناة، بل على العكس الإنجاز والإبداع يحتاج فقط عزما وإصرارا وسيُنتج الكثير.. وسننطلق من عمّان هذه البلدة الدافئة التي تعطيك الكثير من الإيجابية لتنتج إبداعا مختلفا.
ويسرى مارديني، هي من مواليد عام (1998)، رياضية سورية، سبّاحة شاركت في الألعاب الأولميبية الصيفية عام 2016، فرّت من بلادها سوريا عام 2015 عبر بيروت ثم أزمير، وتركيا، وصولا إلى لسبوس في اليونان، مع شقيقتها الكبرى سارة، طلبت اللجوء الإنساني في ألمانيا، وعرفت قصتها عندما تعطّل القارب الذي كان سيوصلهما إلى جزيرة لسبوس، فاضطرت يسرى وأختها وامرأة ثالثة أن يسبحن لدفع وسحب القارب لمدة ثلاث ساعات وإيصاله للشاطئ.
جرى تدريب مارديني على السباحة بدعم من اللجنة الأولمبية السورية في عام 2012، مثلت سورية في بطولة الاتحاد الدولي للسباحة العالمية عام 2012، في مسابقات 200 متر فردي متنوع و 200 متر حرة و 400 متر حرة، وحال وصولها إلى ألمانيا استأنفت تمريناتها في نادي السباحة فاسافروند شباندا في برلين، على أمل أن تطور من مهاراتها للمشاركة في الأولمبياد، بعد أن تأهلت في سباق 200 متر سباحة حرة، أصبحت عام 2016 واحدة من بين الرياضيين العشرة المشاركين ضمن فريق اللاجئين في أولمبياد ريو، حيث شاركت في سباق 100 متر سباحة حرة وسباق100 متر فراشة.