الغد
ينقسم زملاء في تحليل المشهد المحلي والإقليمي إلى تيارين: تيار يدعو إلى استدارات أكثر حدة وسرعة نحو الداخل الأردني، وهذا يتطلب فيما يتطلب تغييرات في أدوات المطبخ السياسي تحديدا (المطبخ الاقتصادي يسير بخطى واثقة أكثر من السياسي). وتيار يدعو إلى التريث ومن وجهة نظره (وهي متسقة بالضرورة مع جماعة الوضع الراهن) فالتغيير – حسب هؤلاء- يربك فكرة استقرار الدولة.
حسنا، لنفكك المشهد من حولنا ونتلمس الطريق القادم.
المنطقة نفسها شهدت تغييرات عاصفة قبل حضور ترامب العاصف وبعد حضوره الإعصاري، قواعد الاشتباك كلها تغيرت بعد السابع من أكتوبر الذي امتدت تداعياته كأمواج تغييرية في كل الإقليم. واختفت قوى وانحسرت كما ظهرت في فراغها الذي تركته قوى جديدة لم تستقر بعد لكنها تحاول ملء الفراغ، وكان آخرها تفكيك مليشيات إيران وعلى رأسها أقوى تلك المليشيات المجهزة عسكريا حزب الله، ثم سقوط مدوٍ للنظام السوري الذي انتهى وتلاشى وكان بديله نظام جديد ما يزال يحمل علامات استفهام وتعجب حوله.
والآن، في آخر الفصول المتسارعة في المشهد العالمي، يحضر ترامب في البيت الأبيض ومنذ يومه الأول في التنصيب يفتح الرئيس القادم من رحم الغضب والمزاجية وعالم الصفقات جبهاته المتعددة ويطلق الرصاص التحذيري عشوائيا في كل اتجاهات العالم من حوله، ومن ضمن الإصابات المقلقة كانت منطقتنا وعروض ترامب غير المنطقية، وهي غير منطقية لأنها خارجة عن المألوف كله، وتشاء الأقدار أن تضع رأس الدولة الأردنية الملك عبدالله الثاني في أول مواجهة قمة لرأس دولة عربي مع دونالد ترامب، وكلنا تابعنا المشهد الذي كاد أن يكون كارثيا باستعراضات الرئيس ترامب لولا أن الملك نفسه وبأقصى درجات ضبط النفس وسرعة البديهة السياسية استطاع أن يُخرج لا الأردنَ وحسب بل الإقليم العربي والقضية الفلسطينية من حصار سياسي محرج جدا.
عودة الملك بعد قمة واشنطن إلى عاصمته، واستقباله "الاستثنائي" من بوابة مطار ماركا إلى بيته من الأردنيين، ليست حالة احتفالية نقف عندها وحسب، بل هي قراءة لمعنى هذا الاستقبال الذي أداره وأخرجه الأردنيون وقد توحّدوا بالقلق قبل القمة وأثناءها. وهو ما يعني ضرورة البناء على المشهد واستخلاص دلالاته لكل ما هو قادم.
وهذا يعني تباعا، أن منسوب القلق مرتفع عند الجميع، والملك الذي خفف منسوب القلق وتحكم به، يحتاج فريقا متكاملا خلفه لبناء الثقة وتعزيز تلك الطمأنينة التي تجلت في مشهد الاستقبال دون الوقوف عندها كصورة احتفالية نؤرشفها للرزنامات والمناسبات الوطنية.
مما يؤشر إلى أن التغييرات في كل مستويات الدولة يجب أن تكون قيد الدراسة وبما يضمن أن تتماهى مع كل التغييرات الإقليمية والمحلية.
نعم، هناك مطالبات يطرحها كتاب وسياسيون "أو كتاب مدفوعون من سياسيين" خاضعة للمزاج الانتقامي أو الهوى الشخصي أو كالعادة لإعادة تقديم أوراق اعتماد بعض الشخصيات "كمنقذين"، لكن العقل السياسي للدولة لا يفكر بتلك الطريقة، ولا يجب أن تكون أي تغييرات إلا لصالح الدولة الأردنية، وهي تقف على مفترق طرق جديد وعاصف.
لذا أجدني أقف مع الاستدارة للداخل، ومراجعة الصف الأول والثاني في الدولة بدءا من تعديل حكومي حقيقي وموضوعي إن لزم الأمر، وليس انتهاء بمناقلات وتغييرات في مراكز صنع القرار المختلفة، لتصب وحدها خلف الدولة الأردنية ورأس الدولة، من لحظة قمة مواجهة واشنطن وذلك الاستقبال للملك من ماركا حتى الحسينية.