عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    15-Jun-2021

الناتو في خطر بسبب خلافات أنقرة وواشنطن

 الغد-تقرير خاص – (أحوال تركية) 9/6/2021

 
واشنطن- ترتبط الولايات المتحدة مع تركيا كحليفين تحت مظلة حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وتشتركان في تاريخ طويل من التعاون، وتبقى مصالحهما الاستراتيجية متوائمة بشأن النقاط الرئيسية، وخاصة في مواجهة روسيا التي تولي عناية حاسمة للحلف. ومع ذلك، فإن تماسك قوة الحلف سيكون مستحيلاً من دون تعاون حقيقي بين واشنطن وأنقرة اللتين تختلفان على ملفات أخرى، أبرزها حقوق الإنسان وأمن المتوسط والقضية الكردية.
وليس هناك شيء بسيط بين هذه المشاكل التي تثير الاضطراب في العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وتركيا. ويتطلب حل كل مشكلة منها حسن النية والتنازلات. ولكن، ما لم تبدأ الولايات المتحدة استراتيجية مصالحة واسعة النطاق، فإن هذه المشاكل ستتفاقم وتنفجر في نهاية المطاف.
وليست تركيا ثاني أكبر جيش في الحلف فحسب -في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة- بل إن حلف الناتو نفسه يواجه شكوكاً من أعضاء أوروبيين رئيسيين. فقد أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن حلف شمال الأطلسي “ميت سريرياً”، كما أن تردد ألمانيا في المساهمة بشكل متناسب في الدفاع الجماعي معروف جيداً.
مرّت العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا في الآونة الأخيرة بمنعطفات وشد وجذب لأسباب عدة، لكن البلدين تجمعهما مع ذلك أرضية مشتركة يمكن البناء عليها لحل مشكلات الماضي والانطلاق ببداية جديدة.
ويقول الباحثان راسل بيرمان، أستاذ العلوم الإنسانية بجامعة ستانفورد، والدكتورة دانية قليلات الخطيب، المتخصّصة في العلاقات العربية-الأميركية ورئيسة مركز التعاون وبناء السلام للدراسات بلبنان، في تقرير نشرته مجلة “ناشيونال إنترست” الأميركية، إنه من المقرر أن يجتمع الرئيس جو بايدن والرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 14 حزيران (يونيو) الحالي. وعلى الرغم من أن العلاقات الثنائية بين البلدين تضررت بشكل كبير بسبب القرارات التى اتخذها الجانبان خلال السنوات القليلة الماضية، فإن الاجتماع المقبل يمثل فرصة لإصلاح بعض الأضرار، وينبغي على الرئيسين ألا يبددا الفرصة.
ولكل جانب أسباب قوية لإعادة بناء هذا التحالف المهم، لكنَّ كلاً من الرئيسين يواجه أيضاً معارضة سياسية داخلية تدفعه نحو مواجهة مطولة ما بين المشاعر المعادية لتركيا بين الديمقراطيين التقدميين في الكونغرس، ومعاداة “الأمركة” المنتشرة على نطاق واسع بين الناخبين الأتراك. وسوف يتطلب كسر هذا الجمود الدبلوماسية والقيادة، والأهم من ذلك، اتخاذ خطوات حقيقية من جانب بايدن وأردوغان على حد سواء. لكنّ الأمر يعود في المقام الأول إلى بايدن للتواصل مع أردوغان لاتخاذ الخطوة الأولى والمضي بالعلاقات إلى الأمام بشكل مثمر.
يقول الباحثان إنه نظراً للرؤية الغامضة للدول الأوروبية الكبرى تجاه الأمن، ينبغي على بايدن أن يبذل كل ما في وسعه للحفاظ على استقرار تركيا داخل حلف شمال الأطلسي. وإذا اختار أردوغان تلبية احتياجات الرأي العام التركي المناهض للولايات المتحدة ومغادرة الحلف -أو طرد الولايات المتحدة من قاعدة إنجرليك الجوية- فمن الممكن أن يتفكك حلف شمال الأطلسي وينتهي.
وعلى الرغم من أن ثمة اتفاقاً بين جدول الأعمال التركي والأميركي إلى حد كبير فيما يتعلق بمواجهة موسكو، سواء في البحر الأسود أو سورية أو ليبيا، فإن هناك قائمة طويلة من نقاط الخلاف الأخرى. وقد انتقدت واشنطن القرار التركي بشراء منظومة الصواريخ الروسية (إس- 400)، كما أن هناك استياء من التدابير القمعية المحلية التي تعامل على أنها انتهاكات لحقوق الإنسان.
وعلى نحو مماثل، وضع تصريح بايدن الأخير حول المسؤولية العثمانية عن الإبادة الجماعية الأرمنية ضغوطاً على صورة الولايات المتحدة في تركيا. وفي الوقت نفسه، يعتقد أردوغان وقطاع كبير من الرأي العام التركي أن الولايات المتحدة توفر الحماية عمداً لفتح الله غولن، الذي يُنظر إليه على أنه القوة الكامنة وراء محاولة الانقلاب التركية في العام 2016.
وبشكل أعم، تتنازع الولايات المتحدة وتركيا حول مجموعة من القضايا الإقليمية، بما في ذلك النزاعات في شرق البحر المتوسط والصراع بين إسرائيل والفلسطينيين. وبدلاً من التعامل مع هذه المشاكل كل على حدة، يجب على بايدن أن يشرع في تطبيق استراتيجية دبلوماسية شاملة تستند إلى المناقشات والتنازلات المفيدة للطرفين من أجل استقرار التحالف. وستكون مثل هذه الاستراتيجية متسقة مع رواية إدارة بايدن بأن “أميركا تعود” وإصرارها على مركزية الدبلوماسية.
يرى الباحثان أن هناك نقاطا خلافية عدة يمكن السعي إلى إيجاد حل لها من أجل تحسين العلاقات بين الجانبين. ويدور الخلاف الذي يثير الانقسام بين تركيا والولايات المتحدة حول الصراع في شمال شرق سورية والشراكة التي أبرمتها الولايات المتحدة مع القوات الكردية في “وحدات حماية الشعب” و”حزب العمال الكردستاني”. وتنظر تركيا إلى الجماعتين على أنهما تهديد وجودي. ومن شأن خطوة جريئة من بايدن بشأن هذه النقطة أن تحسن العلاقات الثنائية بشكل كبير.
كما أن الخلاف بشأن منظومة صواريخ (إس- 400) يحتاج إلى حل سريع. ويتعين على الولايات المتحدة أن تعرض على تركيا صواريخ باتريوت كبديل وأن تعيد تركيا الى برنامج طائرة (إف- 35). ومع ذلك، ينبغي ربط هذا العرض بالتزام تركيا بعدم السعي للحصول على أسلحة أخرى يمكن أن تعرض حلف شمال الأطلسي للخطر.
على الرغم من أن الحكومة التركية لم تقدم للولايات المتحدة أدلة كافية تبرر تسليم غولن، فإنه يمكن تشجيع المواطنين الأتراك الذين لديهم شكاوى مع أتباع غولن على رفع دعاوى قضائية أمام المحاكم الأميركية. ويمكن لمثل هذه الخطوة أن تثبت فعالية سيادة القانون الأميركية لأردوغان وللرأي العام التركي.
وعلى الرغم من الحساسيات المعينة في العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وتركيا، ينبغي على الولايات المتحدة أن تشارك بنشاط كوسيط في المنطقة. ويتعين عليها أن تدفع من أجل تحقيق تقارب تركي-سعودي حيث يجد البلدان أرضية مشتركة، على سبيل المثال في سورية والعراق وليبيا، وفي كبح جماح جهود إيران لزعزعة الاستقرار. وينبغي على الولايات المتحدة أن تعمل بالمثل على الحد من التوترات بين تركيا وإسرائيل، والتوسط في التوصل لاتفاق عدم تدخل بين الإمارات وتركيا. وينبغي أيضا منح تركيا التقدير الذي تستحقه لتعاونها في موضوع أوكرانيا.
ويمكن للولايات المتحدة أن تعمل على نزع الطابع السياسي عن الخلاف حول الحدود البحرية في شرق البحر المتوسط، وتشجيع التوصل إلى حل تعاوني وتقني. وفي غياب القيادة الأميركية، فإن هذه المشكلة سوف تزداد سوءًا فقط.