عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    29-Mar-2024

"فلسطينية كانت ولم تزل" للباحث المسيري.. مختارات في شعر الصمود والمقاومة

 الغد-عزيزة علي

 يقول المفكر والباحث العربي الدكتور عبد الوهاب المسيري، إن المراثي الفلسطينية هي القصيدة التي يتأمل فيها الشاعر الفلسطيني طبيعة المأساة الفلسطينية والجرح الفلسطيني. وإذ ما ذُكرت المأساة وذُكر الجرح،  فإن المرء يتذكر في التو مذبحتي "دير ياسين وكفر قاسم، الأولى ارتكبتها إحدى العصابات الصهيونية بقيادة مناحيم بيغين قبل إعلان الدولة، والثانية ارتكبها بعض أفراد الجيش الإسرائيلي، أي أن المذبحة الأولى من قبيل الإرهاب غير المنظم غير المؤسس، أما الثانية فهي تندرج تحت قائمة الإرهاب المنظم الذي يتم تحت رعاية الدولة".
 
 
وجاء ذلك في كتابه "فلسطينية كانت ولم تزل: الموضوعات الكامنة المتواترة في شعر المقاومة الفلسطيني-مقدمة نقدية ومختارات".
 
ويقول المسيري في مقدمة الكتاب، إن ثمة عدة قصائد تعالج هذا الموضوع من جميع نواحيه، ففي قصيدة سميح القاسم "كفر قاسم"، يرى الشاعر حزنه الفلسطيني وقد عري تماما من كل الطقوس والأشكال التي ابتدعها الإنسان ليتعامل مع ظاهرة الموت مباشرة، فكأن لا مجال للدموع والأحزان، ولا مجال إلا لقبول حقيقة الموت والاستشهاد.
الكتاب يضم مختاراتٍ من شعر المقاومة الفلسطيني حتى عام 1980، وتم تقسيمها إلى عدة موضوعات رئيسية "جماليات المقاومة ـ في المراثي ـ في حب فلسطين ـ الصمود والمقاومةـ الانتصار".
ويشتمل الكتاب على مقدمة المسيري النقدية الطويلة كلَّ هذه الموضوعات، وخاصةً جماليات المقاومة التي تدور حول إشكالية الشاعر الذي يبغي تغيير المجتمع وتحطيم الظلم، ولكنه يعبِّر عن نفسه من خلال شكل جمالي ثابت متسق مع نفسه "وقد نُشرت هذه المقدمة من قبل باللغة الإنجليزية في كتاب العُرْس الفلسطيني، الذي قام المسيري بتحريره"، كما يضم الكتاب لوحاتٍ للفنان كمال بلاطة رسمها لهذا الكتاب.
يقول المؤلف في مقدمته النقدية في مختارات من شعر المقاومة الفلسطيني 1960-1980: "عندما ينظر بعض المفكرين والمؤرخين إلى فلسطين وتاريخها فهم عادة ما يضعونها، عن وعي أو عن غير وعي، في إطار علاقتها بالصهيونية وحسب، ولذا فهم لا يرون تاريخ فلسطين إلا على أنه "رد فعل"، للغزوة الصهيونية، وليس بإمكان الدارس إلا أن يسلم بأن الاستعمار الاستيطاني الإحلالي الصهيوني على أرض فلسطين قد ترك آثاره العميقة وقد تكون الدائمة، في المجتمع الفلسطيني.
ولكن- مع التسليم بهذه الحقيقة- يجب أن نتذكر أن فلسطين بالدرجة الأولى جزء من التشكيل الحضاري والقومي العربي، كما يجب أن نتذكر أن الحركة الصهيونية والدولة الصهيونية هما بدورهما تعبير عن تشكيل اجتماعي وحضاري محدد، أعني المجتمع الأوروبي في القرن التاسع عشر، الذي قام بالهجمة الإمبريالية على آسيا وإفريقيا وعلى كل أرجاء العالم".
ويرى المسيري أن الصهيونية لم تكتسب محتواها السياسي والفكري من هذا التشكيل فحسب، وإنما نجحت من خلاله في فرض مؤسساتها الاستيطانية المختلفة فرضا على الفلسطينيين والعرب، أي أننا في مجابهة تشكيلين حضاريين وسياسيين مختلفين متصارعين، اصطدما في فلسطين وعدة أماكن أخرى من العالم العربي "ولعله ليس من قبيل الصدفة أن عام 1882، شهد احتلال إنجلترا لمصر وبداية الهجرة الصهيونية الاستيطانية إلى فلسطين".
ويشير المؤلف إلى أن الفلسطينيين لم يقاوموا الاستعمار الصهيوني فحسب، وإنما ثاروا أيضا على الاستعمار الإنجليزي. ولم تكن ثورتهم على  الاستعمار والصهيونية سوى جزء من حلقة طويلة ممتدة من ثورة العالم العربي، ضد أشكال مختلفة من الاستعمار الغربي. وبما أن فلسطين، وبالتالي الشعر الفلسطيني جزء من كل حضاري مركب، ينبغي علينا إذاً أن ننظر لهما في سياقهما العربي الرحب، وأن نبتعد عن النظرة الضيقة لهما بوصفهما مجرد رد فعل لهذه الهجمة الاستعمارية أو تلك.
وحول عروبة شعر المقاومة الفلسطيني، يقول المسيري: إن الفلسطينيين العرب داخل فلسطين المحتلة قد قُطعت وشائج الصلة بينهم وبين بقية الأمة العربية، وأن الفلسطينيين العرب خارج فلسطين قد اجتثوا من جذورهم، وأصبحوا لا وطن لهم، إلا أن صلاتهم بالحركيات التاريخية في المنطقة لم تنقطع.  ففي أي وقت، أي أن الفلسطينيين العرب، حتى أثناء خضوعهم لعمليات المضايقات والإنهاك والإرهاب في فلسطين المحتلة، وحتى أثناء شعورهم بآلام الغربة خارجها، كانوا يشعرون بأنهم يشاركون في عملية بناء تاريخي.
ويوضح المؤلف أن هذا الشعور ساهم في تخفيف إحساسهم بالغربة والشتات، وولد عندهم إحساسا عميقا بالانتماء. بالإضافة إلى هذا نجح العرب داخل فلسطين في الحفاظ على تقاليد المقاومة الأدبية، من خلال الكتب التي وجدت طريقتها خلسة إلى أيديهم، ومن خلال القرارات الشعرية في الأفراح والمناسبات الأخرى، ومن خلال الاستماع إلى الإذاعات العربية.
ويقول المسيري إنه عندما سمع العالم صوت "محمود درويش، سميح القاسم، وتوفيق زياد"، لأول مرة كان ثمة فرح عميق هادئ، وكان لهذا الصوت علامة على أن فلسطين لم تزل عربية، وأن القلب العربي هناك لم يكف قط عن الخفقان. وتجب الملاحظة أن هؤلاء الشعراء الذين استمدوا الوحي في المرحلة الأولى من الشعراء العرب في بقية الوطن، هم الآن مصدر الوحي لعديد من الشعراء في مختلف أنحاء الوطن العربي، أي أن فلسطين أكدت عروبتها مرة أخرى من خلال شعرائها الذين يأخذون من العالم العربي ثم يجزلون له العطاء.
ويشير المؤلف إلى أن الدارس يستطيع أن يميز بين أعمال الشعراء الذين يعيشون في الأرض التي احتلت عام 1948، وأولئك الذين يعيشون في الأرض التي احتلت عام 1967، وأولئك الذين يعيشون في الغربة منذ عام 1948، ولكن على الرغم من تنوع الموضوعات والأساليب، يظل شعر المقاومة الفلطسيني شعرا عروبيا يحمل لواء العرب والعروبة.
ويشير المؤلف إلى أن الفلسطينيين اهتموا بالبعد القومي في نضالهم ضد المحتل، ما يفسر ظاهرة تبدوا لأول وهلة غريبة، هي أن معظم شعر المقاومة الفلسطيني قد كتب بالفصحى، وليس بإحدى العاميات الفلسطينية المحلية. ولعل الدارس الغربي الذي ينظر لشعر المقاومة الفلسطيني "من الخارج"، يتوقع أن مثل هذا الشعر، الذي يحاول تعبئة الجماهير وتجنيدها من أجل الصراع ضد العدو، لابد أن يُكتب باللغة الدارجة التي تستخدم في الحياة اليومية والعادية.
وتناول المؤلف الشعر والغناء كفن أدبي يشغل مكانة خاصة في تراث العرب الحضاري، لافتا إلى أن المقاومة الفلسطينية اتجهت للشعر لتأكيد هويتها العربية، وأن الشعراء الفلسطينيين يتحدثون في قصائدهم بنبرة عربية واضحة، ويحتفون بالكلمات واللغة ويحتفلون بموضوع الغناء والشعر، مبينا أن قصيدة محمود درويش "عاشق من فلسطين"، التي يبحث فيها الشاعر عن العزاء والسلوى وعن إجابة لتساؤلاته ولا يجدها إلا في حكمة الأجداد، وذلك التراث العربي الثري الذي نجد فيه هويتنا. وبعد هذا يصدح مغنيا "مرثية الوطن" التي يقول فيها:"كلامك.. كان أغنية/وكنت أحاول الإنشاد/وانكسرت مرايانا/فصار الحزن ألفين/ولملمنا شظايا الصوت/لم نتقن سوى مرثية الوطن".
ثم يتحدث المؤلف عن عبداللطيف عقل الذي يحتفل في قصيدة "عن وجه وأحد فقط"، فإنه يشعر بها وبحلولها في شعره، ولكنه يتذكر أكثر ما يتذكر عروبتها: "وأنت هنا جدائل شعرك العربي في عيني/عيناك المبللتان بالأحزان/ ساكنتان في ألمي وفي صمتي"، حيث يحس شاعرنا بالفرح ويبحث عن السر ولا يجده إلا في وجهها: "فرفت السر/وجهك ذلك المسكون بالأحزان/ يوقظ في آلاف الرفاق/ ويستفز بخاطري الإنسان/مرسوما على سيف، عرفت السر/وجهك ذلك المسكون بالأحزان".
ويتناول المسيري الشاعر الفارس، مبينا أن المبالغة في الغنائية والإفراد فيها من خصائص الفارس المغني المنتصر، أو المؤمل في الانتصار الواثق منه ومن نفسه، وهي الشخصية التي يتخذها توفيق زياد في كثير من غنائياته القصيرة، كما هو الحال في قصيدة "أشد على أياديكم"، التي يقول فيها "أناديكم/أشد على أياديكم/أبوس الأرض تحت نعالكم/وأقول: أفديكم/وأهديكم ضيا عيني/ودفء القلب أعطيكم".
كما يتحدث المسيري عن جماليات شعر المقاومة الفلسطيني بقوله: نجد في كلاسيكية محمود درويش "عاشق من فلسطين"، إنه يحتفي المحب بمحبوبته، يتأمل فيها وينظر إليها ويستبطنها، ثم يشدو باسمها في الوديان، أيضا الشاعر راشد حسين، في قصيدة "إلى سحابة"، تيقن من أنه لا جدوى من محاولة الاحتفاظ بالمسافة بينه وبين فلسطين، فيصبح هو نفسه الأرض، أو ما تبقى منها، ويتحول شعره إلى أرض وكروم وحقول وقمح وشجر.
ويتحدث المؤلف عن علاقة الشكل بالمضمون، حيث اطراء المنشد بمحبوبته وهي أعادت التوازن للأشياء، والصورة المجازية العضوية، مبينا أن الشاعر الثوري العربي ينطلق من رؤية مركبة تفترض الانفصال النسبي للشكل عن المضمون، وتفرض الصورة المجازية العضوية للعمل الفني تلاحم الشكل بالمضمون، حتى أن الواحد لا هوية ولا وجود له دون الثاني.