الدستور
كلما شعر الإنسان بضآلة حجمه، ودوره في الحياة، يتمترس خلف «الأنا»، هذا أحد أشكال الشعور بالخوف على فقدان نصيب ما من المكاسب، وحين يبلغ به «الوعي» هذا الحد من البساطة، يصبح سلعة مشروعة للسياسيين، وبما أن الكتابة مطلوبة، ومتعذرة في الوقت نفسه، يمكننا التحدث عن موضوع العنصرية باعتبارها سلعة سياسية، نتحدث عن أنواعها خارج حدود الوطن والدولة.. « ما بصير نتحدث عن أشكالها داخل البلد والبلدية»، أستثني من هذا الاستثناء ما قاله لي د مصطفى العماوي، أمين عام حزب الإئتلاف الوطني، في معرض حديثه عن الأحزاب في البرلمان القادم، حيث «أسعدني» أن عرفت منه بأن النائب حين يكون «ابن حزب»، يمكن «فصله» من مجلس النواب حسب القانون، في حال لم يلتزم ببرنامج ومبادىء الحزب، وذلك بالطبع بعد أن يقرر الحزب نفسه بفصل النائب، وقد اوردت هذا المثال في إطار الحديث عن أشكال الابتزاز والعنصرية السياسية، لأنني بصراحة ما زلت «وفيا» للقناعة القديمة التي أصبحت اليوم ممنوعة، وتعبر عن الضحالة السياسية والديمقراطية، فقد كانت القناعة آنذاك بأن الحزبي هو «عنصر سيئ» في المجتمع، يعمل ضد الوطن والدولة والناس المحترمة، وإن خالفني أحد في هذه القناعة، فهذا دليلي بأن التعامل مع الأحزاب وأعضائها، قديما، كان شكلا من أشكال العنصرية نمارسه ضدهم (لكن بالطبع ليس ضد كل أحزاب زمان)!.
الشكل الثاني من أشكال العنصرية، هو الذي نشاهده قي أوروبا، مع ملاحظة تزايد الأحداث والمواقف العنصرية في تركيا «العلمانية» و»المسلمة»..
الرئيس التركي أردوغان يجابه هذه العنصرية، ويحاول أن يحفظ ما يعتبره وجها مشرقا لتركيا، ويعدد مناقب المجتمع التركي وثقافته، واحترامه للضيوف والأجانب، وللمواطنين من كل العرقيات والأصول والمنابت، وتقوم الدولة بمطاردة الأشخاص الذين يعتدون على العرب، ويعتبرونهم هم من ثار على السلطة، وأسقط حكم الاتراك، ويطالبونهم بالرحيل، ويقولون لهم «عودوا إلى صحرائكم»، ويرفضون ما يعتبرونها أشكال تديّن، كالحجاب واللحية، والصلاة، وتقول وسائل الإعلام هناك، بأن هذه الموجة العنصرية ضد العرب، ممنهجة، تقف خلفها جهات سياسية، وتستخدم السوشال ميديا، وأشكال الميديا الأخرى، لزيادة وترويج هذه الثقافة لوقوع مزيد من أحداث الاعتداءات على العرب..
ويوجد عندنا، نحن معشر العرب، والمسلمين، شكل آخر من العنصرية السياسية، لا يتطلب الذهاب إلى أي مكان خارج الوطن العربي، لنعيشه بكل تفاصيله وجرائمه، ويتطوع بل يتجند بعضنا لخدمته وترويجه وترسيخه، وهذا الشكل الإجرامي هو ما تقوم به «الدولة العنصرية اليهودية» في فلسطين وخارجها، وهو شكل نقلل من خطره وجرائمه حين نتحدث عن تفاصيله، فهو أوضح من أن نقول فيه، ومفهوم بوحشيته وتطرفه للعالم كله، لكنه كما تعلمون يحظى بكل أشكال الدعم، بسبب تحالفه مع أعداء قديمين للأمة، لا يحفلون بتمييزها بالنعوت اللغوية، فالعرب بالنسبة لهم هم المسلمون، حتى لو كانوا مسيحيين ويهودا متطرفين، فيكفي أن يكونوا عربا لممارسة العنصرية والقتل ضدهم، وسلبهم حقوقهم كلها، كما يكفي أن يكونوا مسلمين غير عرب، أي أن يكونوا مواطنين أفغانا او باكستانيين أو إيرانيين او مسلمين صينيين.. ليكون قتلهم «وجهة نظر».
حتى الإداريين، أعني الموظفين في بعض المؤسسات، وفي حال ضآلة وضحالة معرفتهم وخبراتهم، يلجأون للفكرة العنصرية لإدارة شؤون مؤسساتهم، فيقسمون الناس اقليميا، أو على «الحسب والنسب»، وينطلقون في أداء مهامّهم، وأحيانا يقولون بأنه «تقسيم» باسم الدولة والوطن والأمن.
العالم جميل والحياة «حلوة» كما تلاحظون.