عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    14-Sep-2020

لنعتمد التعليم عن بعد*موفق ملكاوي

 الغد

سنبتعد عن السوداوية حين ننظر إلى القرارات التي اتخذتها الحكومة، خصوصا تلك التي تتوافق مع المنطق والظرف الموضوعي، والتي من الممكن لها حماية الأردنيين من الجائحة.
لكن، لنعترف أن الجائحة نوّعت كثيرا من تحدياتها، وأجبرتنا على أن نقف في مواجهة الموازنة بين سلامة المجتمع من جهة، ورفاهه واقتصاده وتعليمه، من جهة أخرى.
مؤخرا، اتخذت الحكومة قرارا بعودة التعليم الوجاهي داخل الغرفة الصفية، ما مثّل استجابة لمطلب شعبي على مدار شهور طويلة من عمر الأزمة، لكن هذا المطلب كان قبل أن تبدأ إصابات كورونا محليا بالتزايد، وأيضا قبل أن يبدأ القلق الحقيقي بالتسرب إلى الأهالي خوفا من احتمالات إصابة أبنائهم بالفيروس.
الحكومة أنفذت قرارها، وعاد أكثر من مليوني طالب إلى الغرف الصفية. ونحن لا نشك أبدا أن القرار يشتمل على منطق كبير في الظروف الطبيعية، فالمكان الأمثل لتلقي التعليم هو الغرفة الصفية، وضمن خطط مدروسة، وأساليب وسيطرة على المدخلات، تضمنها الإدارات المدرسية المرتبطة بالمديريات وبالوزارة.
قلنا إن ذلك منطقي في الظروف الطبيعية. لكننا اليوم نعيش ظرفا استثنائيا يوجب علينا التفكير في حماية أبنائنا، وعدم تركهم في بيئات قد تشكل بؤرا خطرة لانتشار الفيروس وتفشيه، خصوصا أن كثيرا من الفئات العمرية للطلبة ينقصها الوعي الكافي بخطورة المرض، وبالسلوكيات الصحية السليمة الواجب اتباعها لتقليل احتمالات التقاطه.
في الأسبوع الأول من دوام المدارس، تم اكتشاف العديد من الإصابات بين الطلبة في مدارس عديدة، ما أجبر وزارة التربية والتعليم على تعليق الدراسة الوجاهية في عشرات المدارس بمختلف المحافظات، وإقرار التعليم عن بعد فيها كإجراء وقائي. ومن الممكن أن تنضم إلى قائمة التعليم عن بعد عشرات المدارس يوميا.
التعليم الوجاهي يفتح الباب واسعا على إمكانية تفشي الفيروس في البيئة المدرسية الخصبة، ونقله إلى العائلات، ثم إلى بيئات المجتمع المختلفة. فما البديل، إذن؟!
يبدو التعليم عن بعد أنسب الخيارات لوضعنا الراهن، إلا أن ثمة تحديات عديدة في هذا الجانب، منها ما يتعلق بآليات التعليم، وأخرى تتعلق بالمتأثرين بهذه العملية.
أولى تلك التحديات، تكمن في النموذج الذي تم تقديمه سابقا، سواء كان مدرسيا أو جامعيا، فقد اتفق كثيرون على أنه كان ضعيفا، وينبغي تطويره. من الجيد أن يكون لدينا تقييما مبدئيا، حتى لو لم يكن رسميا، إذ يمكن البناء عليه للوصول إلى نموذجنا الخاص، من خلال رصد ملاحظات وكتابات المختصين.
لا أظن أن الوزارة بما تمتلكه من إمكانيات هائلة وخبراء أهلتها لتكون بيت خبرة كبير، يمكن أن تعجز عن إنجاز الأمر، خصوصا أن التعليم عن بعد سيكون خيارا متاحا للجميع خلال سنوات قليلة، سواء بقيت الجائحة أو تخلصنا منها.
في الجانب الآخر، يقف الأهالي حائرين. يجزم كثير من الأهالي الذين تحدثت إليهم مؤخرا، أن التعليم عن بعد هو الخيار الأمثل اليوم بسبب تزايد عدد الإصابات، ولكن ذلك يضعهم أمام تحد آخر، هو أن غالبية الأسر يكون فيها الزوجان عاملين، ولا يمكن الركون إلى التزام الأبناء بالدراسة إلا بإشرافهم المباشر. هذا الأمر يفتح باب الدعوة إلى أن يكون دوام الأمهات مرنا في المؤسسات العامة وشركات القطاع الخاص.
بإمكان الحكومة أن تصوغ مثالا يحتذى في هذا السياق، من خلال منح المرونة في العمل عن بعد للأمهات العاملات في القطاع العام، ما يشكل حافزا للقطاع الخاص.
طرف آخر قد يتأثر في اعتماد التعليم عن بعد، وهم العاملون في مدارس القطاع الخاص، إذ من الممكن أن تستغل المدارس الخاصة الأمر لتقرر التخلي عن بعضهم، أو أن تخفض من رواتبهم للتقليل من كلف التشغيل لديها.
اليوم، نحسب أن جميع المدارس الخاصة حفظت حقوقها كاملة، فهي اشترطت على الأهالي لتسجيل أبنائهم أن يدفعوا كامل الأقساط نقدا أو عن طريق شيكات مؤجلة. لذلك فليس مسموحا لها هذا التصرف، وينبغي أن يتم التصدي لها بكل حزم إن هي حاولت ذلك.
نجاح هذا النموذج ليس مستحيلا. المهم أن نخطط بعقل ومنطق، وألا تتأثر قراراتنا بأي عوامل خارج المصلحة العامة.