عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    30-Sep-2025

اعترفوا بفلسطين، ثم مارسوا ضغطا حقيقيا على إسرائيل

 الغد

ترجمة: علاء الدين أبو زينة
ماثيو دسّ* - (فورين بوليسي) 25/9/2025
بعد الاعتراف بدولة فلسطين، يجب على الحكومات الغربية أن تتحرك لمواجهة الاستعمار المستمر لهذه الدولة وتقطيع أوصالها بطرق ملموسة، وليس رمزية فحسب. يجب على كل هذه الحكومات أن تتخذ فوراً خطوات لتطبيق القانون الدولي وممارسة ضغط حقيقي على الحكومة الإسرائيلية لوقف حملتها القائمة على التهجير القسري، والتجويع، والمجازر في غزة. وكذلك وقف ضمها للضفة الغربية بشكل غير قانوني. وسيكون الدعم الدولي الجاد لتحرير فلسطين ضرورياً لهزيمة الإرهاب.
 
 
يوم الأربعاء الماضي، كتب وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق، بيني غانتس، في صحيفة "نيويورك تايمز"، منتقداً الموجة المتصاعدة من الحكومات الغربية التي تعترف بدولة فلسطين:
"يتم تأطير الدعم المتزايد في الغرب للاعتراف [بفلسطين] في كثير من الأحيان على أنه توبيخ لكلٍّ من السيد نتنياهو وسياساته الحربية"، في إشارة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي. وأضاف: "الحقيقة هي أن الاعتراف الدولي بدولة فلسطينية في الظروف الحالية ليس رفضاً لنتنياهو، بل هو رفض للتوافق الأمني الإسرائيلي العابر للأحزاب".
في هذه النقطة على الأقل، يبدو غانتس على حق. في حين أن مقاله يقوم على عدد من الادعاءات القابلة للنقاش بشدة، فإن العالم يرفض بالفعل التوافق الأمني الإسرائيلي الحالي الذي يجمع الأحزاب كافة. وهذا أمر جيد.
من المعقول والعادل أن نرفض أي "توافق أمني" في أي بلد يقوم على الفصل العنصري ويقود إلى الإبادة الجماعية. في الحقيقة، ساعدت الدول الغربية من خلال الخضوع لالتزام إسرائيل الحزبي المشترك بسحق حقوق الفلسطينيين في خلق الأزمة التي نواجهها اليوم. وبالقدر الذي يشكل فيه الاعتراف بالدولة الفلسطينية خطوة نحو إنهاء هذا الخضوع، فإنه يشكل خطوة مستحقة طال انتظارها وفي الاتجاه الصحيح.
لكنها لن تكون كافية إطلاقاً. وكما كتب مارك لينش وشبلي تلحمي في مقال نُشر في مجلة "فورين أفيرز" في تموز (يوليو)، ثمة خطر في التعامل مع الاعتراف بفلسطين كغاية في حد ذاته. وكتب المفكران: "إذا أصبح الاعتراف الرسمي بديلاً عن الدفاع عن أولوية القانون الدولي ومعالجة الحقائق الجوهرية لمعاناة الفلسطينيين، فإنه سيكون في أحسن الأحوال مجرد إيماءة فارغة -وفي أسوأ الأحوال تبديداً هائلاً لرأسمال سياسي دولي نادر".
لذلك، يجب على الحكومات بعد الاعتراف بدولة فلسطين أن تتحرك لمواجهة الاستعمار المستمر وتقطيع أوصال تلك الدولة بطرق ملموسة، وليس رمزية فحسب. يجب على كل هذه الحكومات أن تتخذ فوراً خطوات لتطبيق القانون الدولي وممارسة ضغط حقيقي على الحكومة الإسرائيلية لوقف حملتها القائمة على التهجير القسري، والتجويع، والمجازر في غزة، وكذلك وقف ضمها للضفة الغربية بشكل غير قانوني. يجب عليها أن توقف مبيعات الأسلحة لإسرائيل، وأن تعلّق أشكال التعاون الأخرى، وأن تنفّذ أوامر المحاكم الدولية ضد المسؤولين الإسرائيليين المتورطين بشكل موثوق في انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب.
يجب على أوروبا أن تتولى قيادة هذه الجهود. وكان فشل الاتحاد الأوروبي مؤخراً في تعليق اتفاقية الشراكة مع إسرائيل، بحسب كلمات الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، أنييس كالامار، "خيانة قاسية وغير قانونية"، لكن المسؤولين الأوروبيين يراجعون على ما يبدو هذا القرار الآن. كما ينبغي للاتحاد الأوروبي أن ينظر في تعليق المشاريع البحثية المشتركة ضمن برنامج أفق أوروبا "هورايزون يوروب". ويمكن للدول الأوروبية منفردة أن تمضي قدماً أيضاً في اتخاذ إجراءات خاصة بها ضد انتهاكات القانون الدولي. إن أوروبا هي الوجهة لما يقارب ثلث الصادرات الإسرائيلية. وعلى الحكومات استخدام هذه الورقة وفرض حظر واسع على التجارة مع مستوطنات إسرائيل غير القانونية.
في المقابل، وبالحكم من خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الأمم المتحدة، ستظل الولايات المتحدة بشكل شبه مؤكد جزءاً من المشكلة. لكن هناك أمورًا ما يزال من الممكن أن يقوم بها الساسة المؤيدون للسلام في أميركا. يمكن لأعضاء الكونغرس أن يوقعوا على مبادرات تؤيد الدولة الفلسطينية، مثل الرسالة التي يقودها النائب رو خانا في مجلس النواب. كما قدّم السيناتور جيف ميركلي مشروع قرار يدعو الولايات المتحدة إلى الاعتراف بفلسطين، والذي شارك في رعايته عدد من زملائه في مجلس الشيوخ بالفعل. لكن الأهم هو أن يدعم الكونغرس مبادرات لعرقلة مبيعات الأسلحة لإسرائيل، مثل مشروع قانون النائبة داليا راميريز المسمى "قانون وقف الأسلحة" Block the Bombs Act، إلى جانب قرارات أخرى لوقف المزيد من عمليات نقل الأسلحة. من غير المرجح أن تغيّر هذه الإجراءات سياسة الولايات المتحدة في المدى القصير، لكنها مفيدة في إظهار أن عصر "الشيك على بياض" الغربي لإسرائيل يقترب من نهايته.
بالعودة إلى غانتس: على الرغم من أنه لا ينبغي أن يُسمح لأي توافق سياسي في أي بلد بأن يُستخدم كدرع للإفلات الدائم من العقاب، فإن الحقيقة هي أن أي حل للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني سيتعيّن أن يتعامل مع حقائق السياسة الداخلية في كل من إسرائيل وفلسطين. هذا هو السبب في أنه يجب أن يكون واضحاً أن العقوبات المفروضة على إسرائيل بسبب انتهاكاتها للقانون الدولي ستُرفع بمجرد أن تتوقف إسرائيل عن ارتكاب هذه الانتهاكات. إن الهدف ليس معاقبة إسرائيل، بل ضمان التعايش السلمي لجميع الناس في إسرائيل وفلسطين.
مع كل مستوطنة جديدة تُبنى على الأراضي المحتلة، تتضاءل آفاق حل الدولتين كما هو متعارف عليه تقليدياً. وقد دفع هذا الواقع كثيرين، بشكل مفهوم، إلى استنتاج أن الدعوة إلى إقامة دولة فلسطينية هي وهم. لكنّ إسرائيل لم تشعر حتى الآن قطّ بأي عواقب ملموسة وحقيقية تترتب على سياساتها التي تهدف إلى تدمير إمكانية قيام دولة فلسطينية. وقد أصبح فرض تلك العواقب اليوم ضروريًا لإبقاء أي أمل في حل عادل حيًا وممكنًا.
في الأمم المتحدة يوم الثلاثاء، زعم الرئيس الأميركي ترامب أن الاعتراف بدولة فلسطينية هو "مكافأة" للإرهاب. لكن العكس هو الأقرب إلى الحقيقة: إن الاعتراف السياسي يكافئ الدبلوماسية. وكان فشل العالم المتكرر في تقديم الدبلوماسية في الماضي أحد العوامل التي ساعدت "حماس" على الازدهار. وأظهر هجوم "حماس" في 7 تشرين الأول (أكتوبر)، والرد الإسرائيلي الهمجي عليه، مرة أخرى، أن الوضع القائم من احتلال وحصار هو وضع غير قابل للاستمرار. وليس الاعتراف بهذه الحقيقة مكافأة للإرهاب وإنما هو إدراك للواقع: لن يوافق الناس ببساطة على أن يُسجنوا في قفص إلى الأبد. وفي غياب أدوات سلمية للتحرر، سوف يختارون الأدوات العنيفة.
يجب أن يكون إنهاء الإبادة الجماعية المستمرة في غزة اليوم أولوية العالم الأكثر إلحاحاً. وإذا تبعت ذلك إجراءات ملموسة، فإن دعم قيام الدولة الفلسطينية وحق تقرير المصير للفلسطينيين يمكن أن يكون جزءاً مهماً من ذلك. سوف يكون خلق مسار غير عنيف وموثوق لتحرير فلسطين هو أفضل وسيلة لتجنب إراقة الدماء في المستقبل. ولن يؤدي إغلاق ذلك المسار بحجة عدم مكافأة الإرهاب إلا إلى المزيد منه.
 
*ماثيو دس Matthew Duss: المدير التنفيذي المشارك في "مركز السياسة الدولية". وهو من أبرز الخبراء الأميركيين في شؤون السياسة الخارجية والشرق الأوسط. شغل سابقًا منصب المستشار الأول للسياسة الخارجية للسيناتور بيرني ساندرز، حيث لعب دورًا محوريًا في صياغة مقاربات تقدّمية للسياسة الدولية تركّز على حقوق الإنسان، وضبط استخدام القوة العسكرية، وتعزيز الدبلوماسية متعددة الأطراف. عمل أيضًا باحثًا ومحللًا في معهد التقدّم الأميركي Center for American Progress، وكتب بانتظام في الصحف والمجلات الأميركية والدولية حول قضايا الحرب والسلام، العلاقات الأميركية - الإسرائيلية، والصراع الفلسطيني - الإسرائيلي. يُعرف بكونه أحد الأصوات البارزة التي تدعو إلى إعادة توجيه السياسة الخارجية الأميركية بعيدًا عن النزعة التدخلية والعسكرية نحو نهج أكثر عدالة ومسؤولية عالميًا.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Recognize Palestine, Then Put Real Pressure on Israel