عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    13-Jan-2021

التأثيرات الخارجية تزيد من صعوبة وضع الإسلام في فرنسا

 الغد-تقرير خاص – (أحوال تركية) 2/1/2021

 
باريس- اتهام جماعة ناشطة تم حظر نشاطها تسمى “التجمع ضد الإسلاموفوبيا في فرنسا” المدعومة من تركيا بالتطرف والإرهاب، و”الدعوة إلى التشكيك في مبادئ فرنسا الديمقراطية والحريات الأساسية”، أظهر صعوبة وضع الإسلام في فرنسا في ظل تأثيرات خارجية لا يُستهان بها بعد مقتل معلم فرنسي استخدم رسوماً للنبي محمد في حصة دراسية حول حرية التعبير. وقد شهد العام 2020 انزلاق فرنسا إلى نزاع جديد حول علاقتها بالأقلية المسلمة. والسؤال هو ما إذا كانت هذه المعركة ستنتهي بأي نوع من الحل.
كانت تلك القضية مقلقة منذ فترة طويلة وتحمل بين طياتها الندوب التي تركها تاريخ فرنسا على المسلمين، بما فيه الاستعمار والكفاح من أجل الاستقلال في دول شمال وغرب أفريقيا ذات الأغلبية المسلمة، ناهيك عن تشجيع الهجرة من تلك الدول لتوفير الأيدي العاملة في المصانع الفرنسية.
وأدى تراجع تلك الصناعات إلى أن تصبح العديد من أسر الطبقة العاملة من أصول مهاجرة عالقة في ضواحي قاتمة ذات مرافق متواضعة وآفاق سيئة. وكافح الشباب المهاجرون مع التمييز في سوق العمل وزادت ممارسات الشرطة القاسية والتمييزية من امتعاضهم في كثير من الأحيان.
وجعلت الهجمات العنيفة ذات الصلة بالحرب الأهلية الجزائرية في تسعينيات القرن الماضي، ووصول مد ديني متجدد بشكل واضح بالفعل في جميع أنحاء العالم الإسلامي إلى فرنسا، الجدل حول التمييز والهجرة والهوية الوطنية والعلمانية أكثر حساسية.
ومع ذلك، ربما يكون من المدهش أن تتم إثارة هذا الموضوع هذه المرة من قبل الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي انتقد بشدة، قبل انتخابه في العام 2017، أولئك الذين قال إنهم يسيئون استخدام المبادئ العلمانية في البلاد باستخدامها في “محاربة الإسلام”.
لكن الزمن يتغير. ففي خطاب بارز ألقاه في تشرين الأول (أكتوبر) في إحدى ضواحي باريس، أعلن ماكرون أنه يتعين على فرنسا محاربة “الانفصالية الإسلامية” مع تجنب “فخ وصم جميع المسلمين”. ويتضمن مشروع قانون جديد اتخاذ تدابير لمنع إلحاق الأطفال بالمدارس الدينية غير المعلنة ومنع الكيانات الدينية من الحصول على تمويل من مصادر خارجية مشبوهة أو وقوعها في أيدي متطرفين.
وتم إقناع مجلس معترف به رسمياً للمنظمات الإسلامية بإنشاء برنامج تدريب للأئمة والمصادقة على عملهم. وتركز خطة ماكرون على ما يراه محاولات من قبل الإسلامويين لبناء مجتمع “انفصالي” مواز يعتمد القيم الأصولية في المناطق الحضرية المضطربة التي يأتي منها العديد من السكان من أصول مهاجرة.
يقول حكيم القروي، الذي يبدو أن أبحاثه في معهد مونتين، وهو مركز أبحاث مستقل، ألهمت بعض مقترحات ماكرون، إن هناك مشكلة حقيقية مع حوالي ربع المسلمين الفرنسيين -والكثير منهم من الشباب- “الذين يجعلون الإسلام هويتهم، في ظل عنصر سلطوي قوي للغاية”.
ويضيف القروي في مقابلة عبر الهاتف مع وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ): “تضم النزعة الانفصالية العنيفة ما بين 50 ألفا و100 ألف شخص، أما فكرة “المسلمون أولاً /وفرنسا لا تحبنا ويجب أن نؤكد اختلافنا/ فإن عدد من يتبنوها يناهز المليون”.
ويقول إنه ليس الإسلام وحده الذي يشهد هذا التحول نحو تأكيد الهويات الدينية بقوة، وإنما يمكن رؤية الشيء نفسه بين الجالية اليهودية. كما تنتشر الجماعات المسيحية الإنجيلية بسرعة في المناطق الحضرية المضطربة.
لكن تاريخ العنف المنسوب إلى الإسلام في البلاد، الذي أودى بحياة أكثر من 230 شخصاً في سلسلة من الهجمات في 2016-2015، يعني أن ظهور ذلك التحول بين المسلمين أكثر حساسية بكثير.
ويشير الباحث مروان محمد من المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي أيضاً إلى “أنماط للفصل” بين الأديان الأخرى -ولدى الشرائح الأكثر ثراء من السكان “الذين لا يريدون الاختلاط كثيراً ببقية المجتمع”. لكنه أكثر تشككاً في فكرة أن هذه الظاهرة تصل في معظم الحالات إلى أي نوع من “العداء لبقية المجتمع” بين المسلمين الفرنسيين، ويقول إن المتعاطفين مع المتشددين هم “أقلية صغيرة للغاية” ومعزولون عموماً عن الجالية المسلمة بشكلها الأوسع.
وقال لـوكالة (د.ب.أ) عبر الهاتف: “نعلم أن المقدسات بالنسبة لأي مؤمن ملتزم مهمة للغاية بالطبع… ولا يعني (رفض إهانتها) أنك ترفض قوانين الجمهورية أو ترفض المكونات الأخرى للمجتمع”.
وهناك سؤال يطرح نفسه هو سبب إثارة هذه القضايا في فرنسا، مقارنة بالدول الأوروبية الأخرى، بينما يرفض البلد بشدة ما يتردد في وسائل الإعلام الأميركية بأنه يتبنى نهجاً قمعياً تجاه الإسلام كدين.
ويجادل الكثيرون في فرنسا بأن نهج البلاد تجاه العلمانية يساء فهمه في الخارج، لكن القروي ومحمد لا يشيران كثيراً إلى شكل فرنسا العلماني بقدر ما يشيران إلى نموذجها في الاندماج.
ويقول القروي إن هذا النموذج يتسم بـ”الانفتاح الكبير” مع مستوى مرتفع من الزيجات المختلطة.
ويضيف أنه أيضا “نموذج أكثر حضوراً” في فرنسا منه في البلدان الناطقة بالإنجليزية أو ألمانيا، مشيرا إلى أن المجتمع الفرنسي يخبر المهاجرين بأنه “إذا كنت تريد أن تصبح فرنسيا مثل أي شخص آخر فعليك أن تتشبه بالفرنسيين”. ويضيف القروي أن اقتراح ماكرون للتعامل مع الإسلام السياسي محسوب ولا ينبغي أن يسبب الاستياء في حد ذاته. ويتابع: “الخطر الأكبر هو الخطاب الذي يتماشى معهم”، مشيراً إلى العلمانيين المتطرفين وليس إلى ماكرون.
ويذهب شوطاً أبعد، فيقول إن المسلمين الفرنسيين، إضافة إلى معاناتهم من التمييز الحقيقي، لا يشعرون بالراحة بسبب انتشار “خطابات الرفض” -لدرجة أن البعض منهم يشعرون بأنهم سيكونون أفضل حالاً في أماكن أخرى، سواء في بريطانيا أو أميركا الشمالية أو الدول العربية.
ويضيف أن أجزاء من المجتمع الفرنسي لديها “مشكلة تاريخية مع الإسلام”، وأن لدى البلد ثقافة “احتواء” تقوم على أنك حتى تصبح مواطناً كاملاً، فإن “عليك التخلص من هويتك وممارساتك الدينية أو من أي انتماء واضح للغاية، وأي ارتباط واضح بدين أو ثقافة”.
ويرى القروي أنه بينما من المهم للإسلام الفرنسي “أن يكون لديه منظومة تعمل بشكل أفضل وأكثر شفافية، وتساعد على هذا الاندماج”، فإن إعادة هيكلة الهيئات الدينية لن تضع نهاية للمتشددين. ويقول إنه يجب مواجهتهم بالعمل على المستوى العملي بشأن التأثيرات الأيديولوجية والدينية.