"الفوضى".. خير نصير للصهيونية*نادية سعدالدين
الغد
تنتعش الطموحات التوسعية الصهيونية في مناخات الفوضى والاضطراب وعدم الاستقرار، كحال سورية اليوم، فتجد فيها أرضية خصبة للتحرك، بتأجيج الخلافات والفتن الداخلية وربما تشجيع أي نزعات انفصالية أو تقسيمية كانت متوارية سابقاً، مما يجعلها ساحة مواتية للتمدد لأبعدْ من الجولان السوري المُحتل.
ولم ينتظر الساسة الصهاينة طويلاً للإفصاح عن مطامعهم القديمة في سورية التي لطالما شكلت محور اهتمام الصهيونية «الإحلالية» بمسعى تحويلها جزءاً من «الوطن اليهودي»، فسارع المتطرف «عميحاي شيكلي»، الوزير من حزب الليكود، للدعوة إلى احتلال قمة جبل الشيخ في الأراضي السورية، أسوة بمطالب مشابهة للمتطرفين «بن غفير» و»سموتريتش» لتوسيع البقعة الجغرافية المغتصبة، بوصفها «واجباً مُقدساً» لا بد من تأديته، و»حقاً تاريخياً» في السيطرة اليهودية الأبدية على «أرض إسرائيل التاريخية» وتوسيعها إلى ما وراء حدودها المطاطية الحالية، كما يزعمون.
وفي «مُخيلة» المنظور الصهيوني؛ فإن الأرضية السورية المأزومة بتفاعلاتها المتناقضة حالياً ستشكل ساحة تحرك جاهزة «للتفكيك» بعد السيطرة، عملاً بنظرية أن «اختلال التوازن القائم في إدارة الدولة من خلال المتضمنات التفكيكية على الصعيد الجغرافي، مثل الضعف المؤسسي وعدم التطابق بين السلطة والدولة والتناقضات القائمة داخل القطر الواحد والصراع بين الكيانات المتعددة للاستئثار بالسلطة، تزامناً مع إذكاء الصراع في إطار ما يسمى «الفوضى الخلاقة»، يساعد في تعميق وتسريع حالة التفكك» وتغذية نزعة الانفصال عن الخريطة «الأم»، وهي تشكل أس نظرية الأمن الإسرائيلية التي وضع أبرز خطوطها العريضة الصهيوني «ديفيد بن غوريون»، وتناقلها من بعده رؤساء حكومات الاحتلال المتعاقبة، وصولاً «لنتنياهو»، مع تغيير بعض مفاصلها وفق متطلبات المصالح الحيوية.
ولا يعني ذلك أن لحظة الفرح التي تنتاب الكيان الصهيوني حيال المشهد السوري الراهن ستدوم طويلاً، فالطريق نحو تنفيذ مخططه التوسعي ليس مُعبداً كما يعتقد، حتى لو تمكن من نسج خيوط الاتصال مع بعض الأطراف المحلية أو الأجنبية في الساحة السورية، أو استطاع التغلغل بين ثنايا الخلافات أو التباينات التي قد تطرأ في العلاقة بين فصائل المعارضة السورية المسلحة، والتي لا تعد على سوية واحدة من حيث المرجعية السياسية والدينية وثقل الأداء والعتاد والوزن الميداني والدعم الخارجي، لاسيما «هيئة تحرير الشام» أو «جبهة النصرة سابقاً»، المُنسلخة من تنظيم «القاعدة» ولا تزال تحمل نفس أفكاره، و»الجيش الوطني الحر» المدعوم من تركيا وقوات سورية الديمقراطية «قسد» المدعومة من الولايات المتحدة الأميركية، بوصفها حليفًا رئيساً في الحرب ضد تنظيم «داعش» بسورية، والتي تعدها أنقرة «منظمة إرهابية» وجناحاً سوريًا لحزب العمال الكردستاني التركي، المحظور والمصنف (تركيًا، وأميركيًا، وأوروبيًا) «منظمة إرهابية» ويخوض حرباً انفصالية ضد تركيا منذ العام 1984.
ولا شك أن الخريطة الفسيفسائية المتنوعة للجماعات المسلحة في الساحة السورية تثير الخشية الصهيونية من احتمال اقتراب بعضها من المستوطنات الجاثمة في هضبة الجولان المُحتلة، أو عند اصطدام مصالحها بالمحددات الخارجية المناوئة أو الأهداف الإستراتيجية التركية في الساحة السورية.
لطالما سعت الصهيونية للبحث عن شقوق وتصدعات داخل الجسد العربي ومصالح آنية وضيقة مع بعض نخبه، وأخرى مشتركة مع أقليات عرقية أو طائفية ضمن ساحته، والاستفادة من حالات الاضطراب أو الخلافات الداخلية، لأجل تكريس كيانها المُحتل وتغذيته بمقومات البقاء. ولن يختلف مسعاها في سورية كثيراً؛ ما لم تتم المصالحة الوطنية السورية على قاعدة المصلحة القومية العليا، لإغلاق باب التدخل الخارجي.