الغد
تتواجد القوات الإسرائيلية الآن في منطقة ريف درعا، والتي تبعد بضعة كيلومترات عن الحدود الشمالية الأردنية، وقد شنت منذ أول أمس على مناطق مختلفة من سورية أكثر من 480 غارة جوية ، مستهدفة - استنادًا لتقارير أمنية - أنظمة الدفاع الجوي، الرادارات، مستودعات الأسلحة، والطائرات المقاتلة التابعة للجيش السوري. كما توغلت القوات الإسرائيلية لمسافة 25 كيلومترًا داخل بعض المناطق في الجنوب السوري، وهي الآن تحتل مساحة تعادل 14 ضعف مساحة مدينة دمشق!
تتذرع إسرائيل بمنع وقوع أسلحة الجيش السوري بيد الجماعات المسلحة، وخاصة تلك المدعومة من إيران، وقد أعلن نتنياهو أن الوجود الصهيوني في سورية «وجد ليبقى!».
إن التواجد العسكري الإسرائيلي ليس مجرد فعل عسكري مرتبط بسقوط نظام الأسد، بل هو تنفيذ لاستراتيجية إسرائيل في سورية كما تبدت بالتعامل مع هضبة الجولان، فقد احتلتها عام 1967 وضمتها عام 1981 واعترفت أميركا بهذا الضم عام 2019، وبهذا يستمر برنامج «إسرائيل الكبرى» أمام أعين الأمتين العربية والإسلامية. ويستمر اندهاشهما بعدوانية إسرائيل ومخالفتها للقانون الدولي، بينما ما تزال الدول العربية تعيش حالة إنكار وتقدم حلولًا تعبر أكثر ما تعبر، عن واقع تبعيتها وانصياعها للهيمنة الأميركية-الإسرائيلية ولدبلوماسية التنمر الجديدة في الشرق الأوسط.
الاحتلال والتواجد الإسرائيلي في سورية يفتح جبهة قلق جديدة على حدود الأردن الشمالية، إذ إن سيطرة إسرائيل على مصادر مياه مشتركة بين الأردن وسورية قد تؤثر على الوضع المائي المأزوم أصلًا في الأردن، وقد يسهم هذا الوضع في تصعيب عودة اللاجئين السوريين، أو يسهل «التهجير» عبر خط الجولان - درعا. وبينما نحن متخوفون من عمليات تهجير على حدودنا الغربية، قد تفتح علينا جبهة أخرى للتهجير عبر الحدود الشمالية.
من جانب آخر، فإن سياسة نتنياهو في دفع الجبهات لبنان وسورية وغزة إلى حافة الهاوية تنبئ بمواجهات عسكرية وسياسية قادمة. ورغم كسر الهيمنة الإيرانية في سورية ولبنان، فإن إيران لن تقبل بهزيمة كاملة، وقد تتشكل جبهة «شرق العراق» لمقاومة إسرائيل على غرار جبهة جنوب لبنان. ورغم انشغال روسيا بحرب أوكرانيا، فإنها لن تسمح لأميركا بالانفراد بسورية. والأهم من ذلك، أن اجتياح إسرائيل للأراضي السورية قد يُعَجل مواجهة مباشرة بينها وبين تركيا على حدود منطقة النفوذ التركية في سورية! أما في غزة والضفة، فإن تنفيذ برنامج إسرائيل بالتهجير هو وعد بالمواجهة مع الجيشين المصري والأردني، مواجهة قد لا يسعى لها أي منهما، لكنها قد تُفرض عليهما فرضًا.
أيها القوم، الدبلوماسية وحدها لم تعد كافية، نحن تحت الاحتلال العسكري الفعلي الأميركي-الإسرائيلي، والحلول الترقيعية لم تعد ناجحة. إنه المشروع الصهيوني في أبشع صوره، القضية لم تعد مجرد إعادة إعمار غزة، بل صارت إنقاذ الوطن العربي من مستنقع الاستسلام والتبعية. وإذا كانت غزة قد أعادت القضية الفلسطينية إلى واجهة الفضاء الدولي بتعاطف كبير، فإن غطرسة نتنياهو وصلفه قد يحفزا عملًا عربيًا مشتركًا قريبًا. المشروع الصهيوني المتكامل احتلالا وابتزازا وغطرسةً يجب أن يواجه بمشروعٍ عربيٍ شاملٍ أيضا، وإن استعادة مفهوم الوطن العربي الواحد والقدرة العسكرية الموحدة أصبح ضرورة استراتيجية. ورغم أن واقع الأمة الحالي قد يكون بعيدًا عن هذا التصور، إلا أنه لا نجاة لأي دولة عربية بمفردها في مواجهة الحلف الإستعماري الإسرائيلي الأمريكي في المنطقة الذي اسقط عنه قناع المجاملة ليكشف عن وجه المستعمر الحقيقي، الذي لا يؤمن الا بالقوة والإجبار وأضف إليها تنمر ترامب الدبلوماسي. أظن واضحة جنابكم.