عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    03-Sep-2025

توني بلير في البيت الأبيض

 الغد

شون أوغرايدي* - (الإندبندنت) 2025/9/1
 
 
 
كل من لم يغفروا يوماً لتوني بلير حربه على العراق راعهم أن يقصد الرئيس الأميركي الرجل طلباً للمشورة بشأن مستقبل غزة. ولكن دعونا من هذا الحقد الطفولي -يتمتع رئيس الوزراء السابق والمستشار الحالي بمؤهلات مثالية لتولي هذه المهمة. ويمكن النظر إليه كفرصة لإحياء حل الدولتين، حيث يمتلك خبرة وعلاقات قد تجعله شريكاً غير متوقع في مسعى إلى تحقيق السلام، وربما لمنافسة ترامب على جائزة نوبل.
 
 
عندما يسمع المرء أن دونالد ترامب يعقد اجتماعاً في البيت الأبيض حول مستقبل غزة في غياب أي ممثل عن الشعب الفلسطيني -أو حتى عن إسرائيل أو أي من الدول العربية المجاورة- فإنه لا بد أن تعتريه خشية من حدوث أسوأ الاحتمالات.
لكنك عندما تدرك في الوقت نفسه أن توني بلير نجح بطريقة ما في إقحام نفسه في هذه المحادثات، فإن عليك أن تتنفس الصعداء وتشعر بالارتياح.
في السياق الحالي، ونظراً إلى المستقبل القاتم إجمالاً بالنسبة للشعب الفلسطيني، فإن وجود رئيس الوزراء البريطاني السابق في تلك الجلسة في المكتب البيضاوي التي ربما يجوز اعتبارها "غير تقليدية" -لمناقشة جوانب قضية غزة كافة مع ترامب، بما فيها زيادة المساعدات الغذائية، وأزمة الرهائن وخطط "اليوم التالي" لما بعد انتهاء الحرب نهائياً- فإن أقل ما يقال عن ذلك هو أنه عناية إلهية.
إذا وضعنا جانباً ستيف ويتكوف، "مبعوث السلام" عديم الفائدة الذي عينه ترامب، والذي أساء فهم نوايا بوتين قبل قمة ألاسكا إلى درجة كارثية، فإن الشخص الوحيد الآخر الذي يمتلك خبرة في شؤون المنطقة هو جاريد كوشنر؛ صهر ترامب وموفده خلال ولايته الأولى.
إن بلير هو شخص مؤمن فعلاً بحل الدولتين، وهو على الأرجح الوحيد الذي يحمل هذا الاعتقاد في الاجتماع، ولو أن السنوات التي قضاها في منصب المبعوث الدولي للسلام لم تحقق أي انفراجات، ولا شك في أنها جعلته يشك في رأيه الخاص. في زمن ساده قدر أكبر بقليل من التفاؤل، في الفترة الممتدة بين مغادرته منصب رئاسة الوزراء في العام 2007 و2015، مثّل بلير اللجنة الرباعية الدولية الخاصة بالسلام في الشرق الأوسط، التي تكونت من الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي وأميركا وروسيا. وكانت إحدى مهامه المساهمة في التطوير الاقتصادي وتشييد البنية التحتية في الأراضي المحتلة. لكنّ معظم ما تم تسخيره من المساعدات الدولية لبنائه تحول إلى غبار بفضل مزيج من الذخيرة الإسرائيلية، وسوء الحكم من "حماس".
ولكن، ما سبب وجود بلير هناك؟ أول ما يتبادر إلى الذهن هو عبارة: "الأمر له علاقة ببيتر ماندلسون"، باعتبار أن (السفير البريطاني لدى واشنطن) اللورد ماندلسون هو رجلنا الماكر في واشنطن، الذي ما يزال مقرباً من رئيس الوزراء البريطاني السابق والحالي على حد سواء.
بطبيعة الحال، يعتقد كيثرون أن منصب بلير السابق كمبعوث دولي للسلام في اللجنة الرباعية الدولية الخاصة بالشرق الأوسط كان دعابة سمجة، ولن يغفروا له أبداً خوضه تلك الحرب غير القانونية في العراق وما ترتب عليها. ومن المؤكد أن صورة الرجل نفسه تشعرهم بالاشمئزاز، وكذلك قدرته على الوصول إلى الرئيس الأميركي. وكما قالت، ساخرة، المعلقة اليسارية المتشددة آش سكاركار: "أعتقد أن السبب ببساطة هو أن الشيطان كان مشغولاً".
دعونا من هذا الحقد الطفولي. لو كنت فلسطينياً منكوباً بعد فقدان أفراد عائلتي وأصدقائي ومنزلي، سأشعر بالامتنان لوجود شخص واحد على الأقل يفكر في مصلحتي بينما يحاول ترامب تقرير مصيري. وبلير يمتلك خبرة في التعامل مع رؤساء أميركيين متعاقبين عدة، على اختلافاتهم، وإن لم يكن أي منهم انعزالياً مثل الرئيس الحالي، ولديه معرفة جيدة بالإسرائيليين والفلسطينيين. وفي الواقع، تزامنت ولايته كرئيس للوزراء مع إحدى ولايات نتنياهو الكثيرة على رأس الحكومة الإسرائيلية. وليسا غريبين عن بعضهما بعضاً.
ما يزال بلير شخصية دولية، وصوته مسموع في الرياض والقاهرة وأنقرة. وهو يتحلى بميزات مثالية تؤهله للمساهمة في إحياء جهود السلام. ويأمل المرء في أن يسخر معرفته وسلطته وسحره لإبعاد ترامب عن فكرة الطرد القسري لشعب من أرضه، وتوجيهه بدلاً من ذلك نحو دولة فلسطينية مستقلة فيها مقومات الاستمرار المستقبلي.
إذا تمكن بلير من إقناع ترامب بأن "غزة الجديدة" قادرة على أن تكون مكاناً ينعم بالسلام والازدهار بدعم أميركي، بعد إخراج شعبها الفلسطيني من الفقر ومنحه فرصاً جديدة لتحقيق إمكاناته، وتحريره من "حماس"، فسيكون قد نجح في تحقيق شيء أفضل بكثير مما فعله نقاده الكثر. عليهم أن يتمنوا النجاح للرجل الذي يعتقدون حالياً أنه نائب الشيطان، لأنه سينجز مهمة إلهية.
لا مفر من حل الدولتين، ويقع على عاتق بلير أن يقنع ترامب بذلك. وفي الواقع، قد يروق لنا حتى أن يكون بلير -بعمر الثانية والسبعين- على مشارف ذروة غير متوقعة في مسيرته المهنية، باعتباره مهندساً عظيماً للسلام في الشرق الأوسط. ولا شك في أنه قد ينجز مهمة فعالة أكثر بكثير من ويتكوف في التوصل إلى مساومة تاريخية.
بذلك، يواجه الرئيس ترامب منافسة ودية في سعيه إلى الفوز بجائزة نوبل للسلام للعام 2025. ربما يمكنه أن يتقاسمها وبلير، ويحققان شراكة من الأغرب في عالم السياسة. لا بد أن يجعل ذلك الشيطان (وساركار) يشعران بامتعاض عظيم.
 
*شون أوغرايدي Sean OGrady: صحفي بريطاني يشغل منصب نائب رئيس التحرير في صحيفة "الإندبندنت". وهو يكتب الافتتاحيات والمقالات المتعلقة بالسياسة والاقتصاد، بالإضافة إلى مراجعات في مجالات متنوعة مثل التلفاز والسيارات. بدأ مسيرته مع "الإندبندنت" في العام 1998. وقبل ذلك، خاض تجارب مهنية متنوعة في البرلمان البريطاني، وقطاع المال، وهيئة الإذاعة البريطانية. تظهر مقالاته في جميع أقسام الصحيفة، مما يعكس تنوع اهتماماته وخبراته.