أدلة قاطعة.. نتنياهو يعمل لإفشال المرحلة الثانية من تبادل الأسرى مع حماس
مماطلة جديدة قبل مفاوضات المرحلة الثانية
الغد-نادية سعد الدين
يتنصل رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، من اتفاق تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في قطاع غزة، برفض تنفيذ "البروتوكول الإنساني" منه، والذي ينص على إدخال الكرافانات والآليات والإمدادات الهندسية اللازمة، في محاولة منه للمماطلة قبل بدء مفاوضات المرحلة الثانية الشائكة.
وأكد "نتنياهو" رفضه الالتزام بالاتفاق من خلال جلسة تشاور أمنية مصغرة، بما يخالف الاتفاق الذي تم توقيعه بشأن إطلاق سراح الأسرى ووقف إطلاق النار وينص بوضوح على إدخال الكرافانات إلى قطاع غزة، وسيتم السماح بإدخال الإمدادات والمعدات اللازمة لإقامة أماكن إيواء، بما لا يقل عن 60 ألف وحدة سكنية مؤقتة (كرافانات).
ويجري وزير الخارجية الأميركي "ماركو روبيو"، الذي وصل فلسطين المحتلة في وقت سابق أمس، محادثات مع المسؤولين في حكومة الاحتلال حول تنفيذ الاتفاق، وسط أنباء أوردتها وسائل إعلام الاحتلال عن رغبة الرئيس الأميركي "دونالد ترامب" في تعديل بعض بنود الاتفاق، بما في ذلك إطلاق جميع أسرى الاحتلال في غزة قبل المرحلة الثانية من المفاوضات.
في حين أكدت حركة "حماس" أنها تنتظر تنفيذ الاحتلال للبروتوكول الإنساني، مؤكدة أن الإفراج عن مزيد من أسرى الاحتلال في غزة مرهون بالتزامه الكامل ببنود الاتفاق.
وبالمثل؛ قال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إن جيش الاحتلال لم يسمح بإدخال البيوت المتنقلة أو المعدات الثقيلة عبر معبر رفح، رغم تواجد هذه المعدات على الجانب المصري، مشيراً إلى أن الوسطاء يتابعون انتهاكات الاحتلال ويضغطون لتنفيذ البروتوكول الإنساني.
وأوضح رئيس المكتب، سلامة معروف، في تصريح له أمس، أن أكثر من 1.5 مليون شخص في القطاع يعانون من النزوح بسبب الدمار الواسع للبنية التحتية، معتبراً أن الوضع الإنساني في غزة لا يحتمل المزيد من التأجيل.
وما يزال الجدل قائما داخل الكيان الصهيوني في ظل ضغوط الوزراء المتطرفين في حكومة الاحتلال، مثل المتطرف "بتسلئيل سموتريتش"، لاستئناف حرب الإبادة الجماعية ضد قطاع غزة، تحت مزاعم "استعادة الأمن والمصالح" للكيان المُحتل.
واعتبر المتطرف "سموتريتش" أن صفقة تبادل الأسرى المطروحة "سيئة"، وتصطدم مع "مصالح" الكيان المُحتل، فيما طالب عدد من أعضاء "كنيست" الاحتلال، مثل المتطرف "يتسحاك كرويزر"، "بوقف تمرير المساعدات الإنسانية إلى غزة، واحتلال المنطقة وتنفيذ خطة التهجير"، وفق مزاعمه.
وأفادت وسائل إعلام الاحتلال أن سلطات الاحتلال "تمارس سياسة المماطلة، مستفيدة من الضغوط السياسية الداخلية والخارجية، حيث أعرب "نتنياهو" مؤخراً عن استعداده لاستئناف الحرب إذا لزم الأمر، حتى وإن أدى ذلك إلى احتجاز المزيد من الأسرى.
إلا أن ذلك أثار جدلاً داخلياً في الكيان المُحتل، وتظاهرات حاشدة من قبل عائلات أسرى الاحتلال التي تطالب بالإسراع في تنفيذ صفقة تبادل الأسرى مع حركة "حماس"، وفي نفس الوقت تواجه حكومة الاحتلال ضغوطًا من الأحزاب اليمينية المتطرفة التي تطالب بإلغاء الاتفاق واستئناف العمليات العسكرية في غزة.
ويضع ذلك كله مصير الاتفاق على المحك، بعد تنفيذ الدفعة السادسة من المرحلة الأولى من اتفاق غزة، بتسليم حماس والجهاد الإسلامي 3 أسرى للاحتلال، مقابل إطلاق سراح 369 أسيراً فلسطينياً.
وفي ظل تلك الظروف كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية في تقرير أمس أن حكومة نتنباهو تعمل على إفشال المرحلة الثانية من صفقة التبادل ووقف إطلاق النار، مستخدمة التكتيكات السياسية والمراوغات الإعلامية، والتلاعب بالمعلومات، وخرق الاتفاقيات، وإقصاء المهنيين من فريق التفاوض.
وخلص التقرير الذي كتبه المحلل العسكري رونين بيرغمان إلى أنه "لا يمكن دفع المفاوضات إذا كان أحد الأطراف غير معني بها" في إشارة إلى رفض الحكومة الدخول في مفاوضات جادة حول المرحلة الثانية من الصفقة.
وقال أيضا إن هذا التصريح أكد الشكوك بأن الحكومة الإسرائيلية تتعمد عرقلة أي تقدم حقيقي في المفاوضات.
ونقل عن مصدر أمني رفيع في الكيان المحتل مطلع على تفاصيل التفاوض قوله إن الحكومة لم تلتزم بالاتفاق المبرم، الذي ينص على ضرورة البدء في التفاوض مع حماس حول المرحلة الثانية في موعد لا يتجاوز اليوم الـ16 من وقف إطلاق النار، مضيفا "حتى لو كانت كل الأطراف متحمسة للتوصل إلى اتفاق، فلا توجد فرصة لإنهاء كافة التفاصيل خلال أسبوع واحد.
ونقل بيرغمان عن مسؤول أمني كبير آخر أن "المراوغة والتهرب من تنفيذ الاتفاق قد يؤديان إلى انهيار المرحلة الأولى، وبالتالي عدم استكمال تحرير جميع الأسرى" معتبرا أن ذلك مخاطرة أمنية قد تدفع إسرائيل إلى دوامة جديدة من العنف، دون أي مكاسب إستراتيجية تذكر.
ورأى المحلل العسكري أن أهمية المرحلة الثانية من الصفقة تتجاوز مصير الأسرى الإسرائيليين، لتطال مستقبل العلاقة بين إسرائيل والمنطقة بأسرها. فإتمام هذه المرحلة قد يكون بداية لاتفاق أوسع حول مستقبل قطاع غزة، بينما قد يؤدي فشلها إلى عودة التصعيد العسكري، وهو ما يبدو أنه أحد أهداف نتنياهو للبقاء في السلطة.
كما نقل عن مصادر دبلوماسية مطلعة أن نتنياهو يواجه ضغوطا داخلية كبيرة من اليمين المتطرف الذي يرفض أي صفقة لا تشمل تفكيك قدرات حماس العسكرية، مشيرا إلى أن هناك معارضة داخل الأجهزة الأمنية لهذا النهج، حيث يرى العديد من القادة العسكريين أن فشل المفاوضات سيؤدي إلى تداعيات أمنية خطيرة على إسرائيل.
وبحسب المصدر الأمني ذاته، فـ"نتنياهو ورجاله محاصرون في فخ، ولا يهمهم ما يجري خارج الحسابات السياسية الداخلية. لذلك، ينكرون وجود المفاوضات.
ووفقا لمصادر مطلعة، يورد الصحفي في الكيان المحتل 5 مؤشرات رئيسية على أن نتنياهو يعمل بشكل ممنهج على تعطيل المرحلة الثانية من الصفقة: وهي التأخير المتعمد في استئناف المفاوضات، وإقصاء المهنيين من فريق التفاوض، وتسريب معلومات كاذبة للإعلام، والاطمئنان بأن الولايات المتحدة سترتب كل شيء بالنهاية، ووضع شروط مستحيلة للمفاوضات.
وأشار المحلل العسكري إلى أن عائلات الأسرى المحتجزين تدرك أن الحكومة لا تتعامل مع قضية الأسرى بجدية، وهو ما دفعهم إلى تصعيد ضغوطهم في المحافل الدولية.
أما على المستوى الدولي، فيرى بيرغمان أن الضغوط تتزايد على إسرائيل من قبل الولايات المتحدة وقطر ومصر. لكنه يعتقد أن "الضغوط لم تنجح في كسر حالة الجمود، إذ يراهن نتنياهو على أن بإمكانه المماطلة حتى تتحقق ظروف سياسية أكثر ملاءمة له".
وأكد المحلل السياسي الإسرائيلي أن المرحلة الثانية من الصفقة قد وُضعت في الثلاجة، وفق تعبيره، ليس بسبب تعقيداتها الفنية أو الأمنية، بل بسبب قرار سياسي من حكومة نتنياهو التي تضع أولوياتها الانتخابية قبل أي اعتبار إنساني أو إستراتيجي.