عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    08-Dec-2021

كنيسة الخريطة في مادبا.. معلم زاخر بالتاريخ والفنون

 الغد-أحمد الشوابكة

تنطبع في ذاكرة الزائر الذي يقصد مدينة مادبا ذكريات من الصعب نسيانها أو تلاشيها من مخيلته، لما يشاهده من مواقع أثرية تتمتع بها هذه المدينة، وخصوصاً “خريطة الفسيفساء” التي تقبع في الأرضية الداخلية لكنيسة القديس “سان جورج”، التي تتوسط مدينة مادبا.
وحين يدخل الزائر إلى الكنيسة يستقبله موظف ويتولى عملية الشرح لمكونات الخريطة، والإجابة عن الاستفسارات كافة المتعلقة بتاريخ خريطة الفسيفساء الشهيرة الموجودة داخل الكنيسة، التي يأتيها الزائرون من مختلف أنحاء المعمورة لرؤية تفاصيلها، لكونها أقدم خريطة فسيفسائية في العالم، وأهم خريطة للأرض المقدسة.
ونالت الخريطة الفسيفسائية شهرة عالمية، منذ اكتشافها قبل أكثر من قرن، وهي تثير فضول المهتمين والباحثين، الذين ما يزال كثير منهم يجري عليها دراسات، تنشر في كتب بلغات عديدة، ليس بينها العربية، منها ما يباع على مدخل الكنيسة، لزوارها، وغالبيتهم من الأجانب. ويعود تاريخ الخريطة إلى نحو العام 550م، وترتبط بشكل وثيق بفترة من تاريخ مادبا التي يوجد فيها جبل نيبو المطل على فلسطين.
وأصبح من المؤكد أنه في الفترة التي صنعت فيها الخريطة، عاشت طائفة مسيحية مهمة في المدينة الأردنية وما حولها، والتي تشكل جزءاً من أرض مؤاب وتعد امتدادا للبيداء على جانبي نهر الأردن. ومن أشهر معالم مادبا الآن جبل نيبو، والكنائس التي تتميز بأرضياتها الفسيفسائية التي تمثل ما وصل إليه تطور فنون الفسيفساء بين القرنين الثاني والسادس الميلاديين.
وتعرف الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية لـ”سان جورج” باسم “كنيسة الخريطة”، وأنها واحدة من أجمل الكنائس في العالم، وهي من الأماكن الرئيسية للعبادة والحج في جميع أنحاء الأردن، ومزينة بالديكورات الداخلية الفخمة والأعمدة الأنيقة والفسيفساء المختلفة.
وتم اكتشاف خريطة مادبا العام 1896، وهي خريطة للشرق الأوسط يعود تاريخها إلى القرن السادس، وتم حفظها في أرضية الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية بكنيسة القديس جورج، وهذا هو السبب في تسميتها “كنيسة الخريطة”. مع وجود مليوني قطعة من الحجر الملون، تصور الخريطة التلال والوديان والقرى والبلدات في فلسطين ودلتا النيل، وهي جزء من خريطة مادبا للفسيفساء حيث تحتوي على أقدم تصوير مصور لأرض القدس.
وتتميز خريطة الفسيفساء بأنها أقدم خريطة للديار المقدسة من الفسيفساء المتناهية الدقة من حيث معطياتها الجغرافية في القرن السادس الميلادي، ويعد اكتشافها من أهم الاكتشافات الأثرية في القرن التاسع عشر.
وبحسب وثائق تاريخية، فإن الخريطة تعد ثالث أهم موقع أثري في الأردن بعد البترا وجرش، علماً أن أهمية مادبا في القرون الأولى من المسيحية كانت قبل مدينة القدس، كأهم مركز للحياة المسيحية والمسيحيين في شرق الأردن إلى أن تم تدميرها نتيجة الزلزال العنيف الذي لحق بالمنطقة العام 747 ميلادي.
وقد بنيت هذه الكنيسة في العام 1896 فوق بقايا إحدى الكنائس البيزنطية، وجاء بناء الكنيسة الحالية على شكل وأساسات الكنيسة البيزنطية المشهورة التي كانت قائمة قبل الزلزال والتي بنيت في عهد الإمبراطور جوستنيانوس (540-565م)، وهدف بناء الكنيسة الحالية إلى إنقاذ المعلم الأثري الذي يعد كنزاً ليس فقط للأردن، وإنما للإنسانية بكاملها، بناء على الوثائق التاريخية.
وفقاً لأحد الموظفين في الموقع، حكم البجالي، فإن الخريطة مرتبطة بشكل وثيق بتاريخ مادبا التي يوجد فيها جبل نيبو المطل على فلسطين، وتبين الخريطة جانبي نهر الأردن.
وتمتد الخريطة الفسيفسائية على جزء من أرضية الكنيسة، ويقدر حجمها بنحو 15.75م * 5.60م، وتشكل مدينة القدس مركزاً لها، وخريطة الفسيفساء للأرض المقدسة تمتد من المدن الفينيقية في الشمال إلى مصر في الجنوب، ومن البحر المتوسط غرباً إلى الصحراء شرقاً.
وتظهر في الخريطة مواقع في فلسطين والأردن وسورية ولبنان ومصر، ويمكن تتبع مواقع صور وصيدا وبعلبك، إلى الجليل الفلسطيني، ووادي الأردن، والشاطئ الشرقي للبحر الميت وغور الأردن، ونابلس، وبيت لحم، ومواقع على البحر الأبيض المتوسط، وأخرى في دلتا النيل مثل دمنهور، وكذلك سيناء والإسكندرية وغيرها.
وبدورهما، أكد السائح البريطاني أرك وصديقته كارولين، تميز المدينة بأرضيتها، والكنائس التي تمتاز بأرضياتها الفسيفسائية، والتي تمثل ما وصل إليه تطور فنون الفسيفساء بين القرنين الثاني والسادس الميلاديين، مضيفين أنه يجب إطلاع العالم على قيمة هذا الفن الفسيفسائي المتميز، وإلقاء الضوء عليه.
فيما يجد أبناء مدينة مادبا في وجود كنيسة الخريطة، نقطة جذب لتوافد السياح لهذه المدينة المليئة بكنوزها الأثرية المنتشرة في أرجائها، لتؤكد أن مادبا عبارة عن متحف متنقل يجسد تاريخ وعظمة المدينة عبر العصور.
ويقول الناشط بالشأن السياحي عدي العواد “إن السياسات المعتمدة في القطاع السياحي، عملت على خدمة القطاع السياحي وتعزيزه بشكل يمكن من استقطاب الاستثمار، الذي يعد من المكملات الأساسية في رفع عجلة الاقتصاد الوطني، وبخاصة أن مدخولات السياحة تشكل 14 % من عوائد الاقتصاد الأردني”.
ويرى المواطن ساجر الشوابكة، أن هناك تطوراً ملحوظاً في الحركة السياحية، بسبب الأمن والأمان اللذين ينعم بهما الأردن، لكن يقول “إن هذا لا يكفي في منهجية وديمومة استقطاب السياح؛ إذ يجب وضع استراتيجية مغزاها (ديمومة الفعل السياحي)، وهذا لن يأتي إلا بوضع سياسات استراتيجية ترويجية فعالة لتسويق المعالم السياحية كافة في المملكة”.