الدستور -**مع الفلسفة لا يعود هاجس «التبعية الحضارية أو الثقافية» حاضرا على المستوى النفسي؛ لأن الفيلسوف الحقيقي هو الذي يفكر للعالم كله، هو الذي يتأمل لأجل البشرية جمعاء، همُّه ليس التفتيش عن جديد ما عندهم ليكون جديد ما عندنا، بل لينظر فيما عند الجميع لاستحداث ما يرتقي بالجميع.
وهمُّه توليد ما ينقذهم وينقذنا، ويواجه أزماتهم مع أزماتنا.
وهو – في سياقنا العربي الإسلامي – ذلك «المؤنسَن» المهيأ، الذي طالما تعنَّى بدراسة الإنسان بما هو إنسان، قبل أن يكون شرقيا أو غربيا.
وطالما حمَّلته {أَتَج�'عَلُ فِيهَا مَن�' يُف�'سِدُ فِيهَا وَيَس�'فِكُ الدِّمَاءَ} [البقرة: 30] حمولة المسؤولية تجاه الكون كله، بجميع عوالمه.
فَأَن�' «تفكِّرَ للعالَم» يعني:
1. أن لا تستعلي عليه باسم «الأستاذية» التي أسطرها المستكبرون باسم الأديان أو باسم السرديات الكبرى والحتميات الناجزة.
2. وأن تستعين بكل ما في العالم، مما أبدعتَه أنت أو أبدعه غيرك، لأجل استكمال التفكير للعالم كله.
حينها - فقط - ستَجِدُكَ أجودَ بحماية قيمة إنسانية حديثة، مهما تخلَّت عنها إكراهات الحداثة.
كما تجود بمدافعة قيمة تراثوية متوهمة، مهما تمسك بها حراس القَدَامة.
**يسألني ما الكهنوت ؟
فأجبته: هذا بعضه:
1. ادعاء الناطقية باسم الله...والله لم يفوض أحدا بالحديث نيابة عنه.
2. التدخل في حيوات الناس وعوائدهم باسم «الحاكمية» وبتوسل «الفتوى».
3. تعطيل مصالح الإنسانية وصيرورتها التقدمية... والذريعة: «حرفية النص»!
4. ممارسة الإكراه الديني السلطوي باسم حراسة الدين!
5. تكريس الطقوسية الشكلانية: أي مضارعة اليهودية باسم الفقه.
6. التحول العنيد والدؤوب من دين القيمة والفضيلة إلى دين الأوضاع التاريخية والتقاليد المؤسسية.
7. الكهنوت يحسب دائما أن الله لم يهد سواه، ويخترع لنفسه ألقاب الهداية: كالسنة والجماعة.
8. تكريس الطبقية المجتمعية باسم الكفاءة الدينية تارة، وباسم النسب تارة أخرى.
9. تحويل الهم الإنساني المتدفق تجاه التقدمية إلى هموم القرون الوسطى الفرعية إلى حد الإسفاف، والإشراف على هذا التحويل من قبل مدارس فقهائية.
10. إقصاء كل مكنات التعقل الإنساني، وكل منجزات التراث الحضاري، لحساب بابوية مقنعة تغلق باب الاجتهاد، وتختزل «المعرفة» ضمن مقولاتها.