عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    11-Jun-2020

منكو: الشريف ناصر بن جميل آخر جندي انسحب بعد معركة القدس (1 - 1)

 الراي - هي المرة الأولى التي أسمع فيها ان القائد العام الأسبق للقوات المسلحة الشريف ناصر بن جميل كان من تنظيم الضباط الاحرار الذي عملوا في خمسينيات القرن الماضي ضد قائد الجيش في حينه جون كلوب.

سمعتُ القصة من زوجته هند منكو وكانت بذلك اضافات وثيقة لكل ما سبق ونشر في هذا الموضوع. ومثلها معلومة انه آخر جندي أردني في معركة القدس انسحب منها واستغرقته الطريق إلى عمان أربعة أيام.
ثرية ،طريفة وكشّافة ،هي ذاكرة هند منكو اذ تستعيد حيثيات زمن مختلف عن الراهن.
درستْ العلوم السياسية لكنها درّست كل شيء إلا السياسة التي عرفتها بالنظرية وبالمعايشة مع شريك حياتها الشريف ناصر بن جميل. ولذلك تبدو رؤيتها أقرب للتشخيص الحضاري المقارن منها إلى الانحياز الضيق.
نبدأمع هند منكو من شارع منكو في جبل عمان حيث ولدت. تقول:
دخلتُ صف الروضة في مدرسة جريدينا وعمري عامين. موقعها قريب من بيتنا في شارع منكو الذي أصبح اسمه شارع عمر بن الخطاب. وتعود الروضة لمدرستين شقيقتين من القدس، هما: مارجو وأليس، افتتحتا أربعة صفوف ابتدائية وأمام الصفوف حديقة كنا نلعب فيها.
كان معنا العديد من أبناء الحي. وفي الذاكرة من المدرسات إميلي بشارات التي علّمتنا لفترة، وطال عهدها في التدريس.
اتذكر عمي وهو ينتظرني في الصباح على الباب لاصطحابي إلى الروضة وكان يلعب معي ويسليني لحين انتهاء الدوام في المدرسة، وبعدها يعيدني إلى البيت. بعد ذلك انتقلت إلى مدرسة الـ « سي أم أس» الأهلية، ودخلت الصف الأول.
إبراهيم مانكو من بناة الاقتصاد الأردني
والدي إبراهيم مانكو، غرس في عقولنا ونفوسنا حب الوطن والانتماء. وهو من الذين ساعدوا في بناء البلد وأسسوا الاقتصاد في الأردن، بالإضافة إلى كونه مواطنا مؤمنا بشدة بالدين وبالعروبة وبالتعليم والاقتصاد. فهذه الأمور نشأنا عليها ونحن أطفالاً.
كانت له مساهمات في بناء الكلية الإسلامية وفي حرب 1948 ساهم مع الأشقاء الفلسطينيين، بتأسيس كتيبة في عمان من المجاهدين تجاوز عددهم المئة وزودهم بالتدريب والسلاح وأمن عوائلهم.
بقيت في المدرسة الأهلية حتى الصف الرابع، بعد ذلك تم افتتاح مدرسة راهبات الناصرة، فرغب أهلي ولا سيما والدتي أن أذهب للدراسة فيها. كانت المدرسة تعلم اضافة للغة العربية اللغتين الإنجليزية والفرنسية، ولديهم نشاطات مختلفة يهتمون بها وتخرجت منها سنة المتريك.
أذكر من الذين درسوني في مدرسة راهبات الناصرة عبدالملك الناشف علمني في صفوف متقدمة، ومدرّسة اللغة العربية من عائلة ياسين، كان زوجها أستاذا في كلية الحسين، والاستاذ برغوث. كانت الراهبات يعلمنن بعض المواد. ولا انسى سميرة غندور التي علمتنا فترة طويلة وتأثرنا باسلوبها كثيرا.
الجامعة في كلية بيروت للبنات
بعد تخرجي من المدرسة ذهبت لمتابعة دراستي الجامعية في كلية بيروت للبنات، من زميلاتي فيها الأميرة وجدان ، غادة الحاج حسن وخولة أبو قورة ومنى الرفاعي.
التاريخ مهم جداً للإنسان بأن يعرف علاقة التاريخ مع الواقع الراهن. والسياسة دون تاريخ مجرد معلومات نظرية، ولذلك اؤمن بوجوب أن يعرف الشخص تاريخ المنطقة ليستوعب ما يجري حوله ويقرأ في القادم.
تخصصت في التاريخ والعلوم السياسية حيث اهتمامي الحقيقي وبالذات في السياسة.
بعدها عملت في مجالات ثقافية متعددة، لأن والدي لم يسمح لي العمل في مجال السياسة. فقمت بالتعليم، وأنا فخورة بالسنوات التي علّمت فيها، وحتى الآن أصادف الكثيرات من طالباتي، ومنهن في مثل عمري، وكلهن تأثرن بما علمتهن إياه.
هل التاريخ يعيد نفسه؟
الشعوب تنهض وتتراجع، والتاريخ كالموج يرتفع وينخفض والحضارات كذلك. لقد مرت على العالم حضارات كثيرة خلال آلاف السنين أثرت على التفكير وعلى مجرى الحياة عند معظم الشعوب، والكثير منها انتقل عن طريق العرب والحضارة الإسلامية إلى أوروبا.
لا أستطيع القول أن التاريخ يعيد نفسه، فالحياة لا يوجد بها إعادة. لا يستطيع الشخص أن يعود ويعيش التاريخ الماضي المنتهي، لكنه يستطيع ان يتعظ من الماضي ويستفيد.
كيف جمعت بين التخصص في السياسة وبين التعليم؟
في مجال التعليم علّمت في مدرسة راهبات الناصرة مادتي التاريخ واللغة الإنجليزية للمرحلة الثانوية «التوجيهي»... كانت طالباتي تقريباً من جيلي، الفرق بيني وبينهن سنتان أو ثلاث، كانت المواضيع الثقافية تغلب على أسلوبي، منها عمل جريدة حائط، ومسرح ورحلات ثقافية استطلاعية مع الطالبات، وهذا لم يعجب مديرة المدرسة التي ظلت تعتبرني طالبة لديها، على اعتبار أنني خريجة المدرسة ذاتها، فتركت المدرسة، وعدت إليها ثانية عن طريق رئيس دير المطران سمير عساف، وهو رجل واع ومثقف، حيث توسط لدى والدي للرجوع إلى المدرسة وكان ذلك في نهاية السنة الدراسية، ومن ثم غادرت المدرسة نهائيا لأن المديرة أوقفت جميع النشاطات الثقافية التي قمت بها.
وبعد ذلك درّست مادة الفلسفة وتاريخ أوروبا الحديث، والآثار، في مدارس الحكومة لمدة أربع سنوات، منها مدرسة الأميرة عالية ومدرسة جبل عمان وآخر سنة كانت في مدرسة زين الشرف، ومن طالباتي أذكر منى شقير وياسمين أستاذة في الجامعة الأردني.
برأيكِ كيف يمكننا الحفاظ على هويتنا العربية؟
للأسف ان لغتنا العربية ضعفت حتى من قبل بعض الإعلاميين. عندما نسمع لفظهم على شاشة التلفزيون الأردني على سبيل المثال، أوعندما أكون في محاضرة ويقدم المحاضر محاضرته، أتضايق بشأن اللفظ الذي أسمعه، فاللحن في اللفظ غير صحيح.
اللغة، بالتأكيد محافظ عليها عن طريق القرآن، لكن تعليم اللغة أصبح لا يليق بلغتنا، ولفظ اللغة به معوقات كثيرة تخرج عن إطارها الصحيح.
هل من مقارنة بين حرية المرأة في زمنك وفي وقتنا الحالي؟
استطيع أن اميز في تعليم المرأة الأردنية نهجين: نوع لديه عطاء كثير لبلده ولمن حوله، وأخريات حملن الشهادة، وللأسف جلسن في منزلهن لتربية الأبناء وهو جهد لا ننكره، لكنهن لم يقدمن شيئا للوطن بغض النظر أين درسن وما هي خلفيتهن.
عندنا نساء غير جامعيات تعلمن الحرفة ليساعدن انفسهن واسرهن ... نحترمهن جدا لأنهن شققن طريقهن بأفضل الأساليب ولهن انتاج في المجتمع.
لو قارنا الماضي بالحاضر نجد الفرق كبيرا في أمور كثيرة...مثلا حرية المرأة.
في السابق كان لدينا ساعات معينة لنعود فيها للمنزل. الآن الوقت مفتوح . اذكر ان والدي سمح لي بالعمل، ولم يكن العمل سهلاً للمرأة ولا سيما في المجال العام. سمح لي بأن أقوم بالتدريس وقمت بذلك وأخذت الموضوع بشكل جدي. تعلمنا في الجامعات ولم يكن سهلا على جميع الخريجات مواصلة دراستهن الجامعية. في زماننا كانت القيود أكثر والتحرر محدداً قياسا لهذا الزمن.
يقولون ان التعليم كان أيام زمان بخير:
ان كان القصد من سؤالك هو المقارنة بين التعليم ايام زمان والان ، فانني اؤيد انه . في زمننا في الخمسينيات في وقتنا كان التعليم بخير، ومتلقي التعليم بخير ايضا والستينيات تخرجت افواج ممن قادوا التعليم وقادوا الحركات النسوية. ولم يكن سابقا ما يحصل اليوم من عصيان واضرابات واساتذة لتعليم طلبة ما بعد الدوام... في الخمسينيات كان الطالب يخرج من صفه حافظا درسه لا يحتاج لمدرس خصوصي بعد انتهاء دوام المدرسة. و احترام الطالب لاستاذه كاحترامه لوالده.
اما المناهج فاعتقد انها كانت سابقا أقوى. الآن نرى ان مستوى التدريس انخفض والمنهاج أضعف بما يحتويه من معلومات لو قيست بما تعلمناه نجد الفرق الواسع بين القديم والحديث.
اما بالنسبة للناحية الاجتماعية فلم اشعر بفروقات بين طالباتي. الفرق فقط في تصرفاتهن، ودون ذلك الكل سواسية في كل شيء.
قمت بتخريج طالبات تأثرن بي وما زلت فخورة بهن، منهن منى شرير، وياسمين حداد، هيام السالم، ليلى البسطامي، توجان فيصل، قمر الصفدي. أثّرت في تفكيرهن وفي مسيرتهن. درستُ قمر الصفدي في مدرسة الملكة زين، وقمنا بعمل مسرحيتين في
المدرسة واحدة مثلت فيها توجان فيصل والثانية قمر الصفدي، وبالصدفة جاء مخرج معروف وهو هاني صنوبر وحضر المسرحية، وأخذ توجان وقمر إلى الاذاعة وبعد ذلك إلى التلفزيون، فأصبحنا من المجموعات المرموقة في عالم التلفزيون والتمثيل ..الخ.
ايضا كان اهتمامي خارج غرفة الصف. كنت أول مدرّسة في المملكة زارت متحف جبل القلعة، وأول مدرسة ذهبت في رحلة رسمية إلى البتراط، وهي مدرسة الأميرة عاليا.
اصطحبت صف ثاني ثانوي، حيث كنت أدرس علم الآثار والتاريخ القديم، أخذتهن إلى متحف القلعة، والى البترا، وكانت الطرق صعبة. وفي ذاكرتي أول مديرة متحف في جبل القلعة من طالباتي في الصف الثاني الثانوي من عائلة هاكوز.
كثرت الجمعيات الخيرية والاتحادات النسائية كيف ترين وضعها الحقبقي؟
لم يسبق لي وعملت في أي من الجمعيات والاتحادات النسوية بغض النظر عن مهام كل منها، اشتغلت في جمعيات واندية ثقافية، لكن الجمعيات ساعدت الكثير من الأسر. لا أؤمن بان يكون العطاء ماديا، لأنه ينتهي. لكنني أؤمن ان يكون للانسان قدرة بأن يشق طريقه عن طريق تطويره وتعليمه.
عندما اشتغلت في موضوع الحرف، قمت أنا ووداد قعوار بعمل بحث عن حرفيين فلم نجد إلا عددا قليلا كبارا في العمر وأبناؤهم لا يريدون أخذ الحرفة. فقمنا بعمل مشروع الحرف، وكان أول مشروع من نوعه في البلد. كما قمنا بعمل مركز تنمية الحرف، وبعد ذلك قمت بعمل محل خاص لوحدي لأتابع ما عندي من افكار حرفية، وحاليا ابنتي نوف استلمت المحل.
هل أدى تطوير الحرف لإضاعة قيمتها الأصلية؟
لا أبدا.. الأصول تبقى. الحرف التي لدينا الآن، ليست كما كانت في الماضي بل تغيرت قليلاً وتطورت. إن لم يكن هناك تغيير وتطور في الحياة فستكون نهاية الحياة، هذه نقطة تهمني جداً. يجب التطوير بشكل مستمر. أكثر من يحافظ على تراثهم هم اليابانيون، لا يفقدون أصولها بتطويرها وانما يأخذون منها ويطورونها، فإذا لم يتم التطوير فلاقيمة للعمل الفني.
كيف تعرفت على زوجك الشريف ناصر بن جميل؟
تزوجنا عام 1966 وسبق ورأيته لأول مرة عندما قام بتخريج صفنا في راهبات الناصرة كنت في الصفوف الابتدائية حينها. وبعد تسع سنوات جمعتنا الصدف وحصل النصيب.
وجدت لديه إخلاصا شديدا للوطن، ولعروبته. كان من الضباط الأحرار الذين اشتغلوا في الخمسينيات ضد جون كلوب ، عمل متفانيا في خدمة الجيش بالمعاملة الحسنة بشدة وبرفق. كان شديداً جداً مع خصمه وودوداً جداً وحنونا على الإنسان المستقيم فكان قائدا مميزا، وتعامل مع زملائه كإخوة له. كان قريبا جداً من الملك الحسين، ساعده الأيمن وكان آخر جندي انسحب من القدس في دبابته، وصل إلى البيت بعد أربعة أيام. و توفي عام .1979
كيف وفقت بين مشاريعك الثقافية وعملك في وظيفة لمدة عشر سنوات وتربية أبنائك؟
الحمد الله انني عملت جاهدة بتربية ابنائي وأنا افتخر بهم و بتحصيلهم العلمي وبما أصبحوا عليه في هذه الحياة. نوفة حصلت على شهادة الماجستير في الاستدامة والحفاظ على المواقع الأثرية من جامعة لندن، وزينب حصلت على درجة الدكتوراة في الحقوق من جامعة جورج تاون. وناصر حصل على درجة الماجستير في الدراسات الشرق أوسطية والبيئة من جامعة برينستون. ولدي ستة أحفاد وهم من أجمل متع الحياة.