عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    20-Sep-2020

لا فرصة لكياناتنا القُطرية الصغيرة..!*علاء الدين أبو زينة

 الغد

كل شيء يحدث في المنطقة العربية غريب، لا يحكمه منطق عملي ولا نظري. وقد أعلن الخبير في شؤون الشرق الأوسط، ستيفن كوك، «نهاية الأمل في الشرق الأوسط»، وكتب: «بالنظر إلى مدى انتشار إراقة الدماء، واليأس، والجوع، والمرض والقمع، فإن فصلًا جديدًا -أكثر قتامة- في المنطقة على وشك أن يبدأ».
تشبه حكاية المنطقة العربية جسما حيا عملاقا بأجهزة وعمليات حيوية، وإنما تعبر عنه وتنطق باسمه قطعة صغيرة فقط هي اللسان. لكن هذا اللسان المتصل بالقلب والدماغ والرئتين والبقية بالشرايين، يتفاعل فقط بالقدر الذي يهم وصول الدم والأكسجين والغذاء إليه. ولا يهمه كيف تدير تلك الأعضاء عملياتها، وما تحتاج إليه وما يشلها، وإنما يتصرف برد فعل غريزي غير واع ليحفظ حياته الخاصة. وفي الطريق، يتسبب عمله، باعتباره عضو النطق وإعلان الموقف، في تحويله إلى العقل الفعلي لإدارة الجسم، وتوجه إعلاناته ردات الكائنات الأخرى التي تدمر بقية الجسم وتؤلمة. واللسان هو الأقليات الحاكمة، والبقية معروفة.
تتجاهل القرارات السياسية التي تتخذها القلة المنفصلة في العالم العربي حقيقة أن عمل الأعضاء منفردة وانشغالها بمجرد حفظ بقائها الخاص المهدد، في معزل عن صحة الجيران، هي وصفة المرض والضعف والمهانة. وإذا عاشت هذه التكوينات، فبحبال سُرّية بلاستيكية مصنّعة تربطها بأجسام غريبة بجينات وحمض نووي غير متطابق. والنتيجة على كل الأفراد في المنطقة العربية، هي نهاية الأمل، والديستوبيا المرشحة لمزيد من القتامة.
كياناتنا القطرية الصغيرة (انس المساحة والمال)، المتخبطة التي تناضل بدفاعاتها الخاصة وحيدة منفصلة في جسم ينبغي أن يكون منسجما وطبيعيا، قد تعيش، وإنما في احتضار دائم، على وحدات دَم مُشتراة بنقود خبز الناس، وبأجهزة إعاشة غريبة صماء بلا عاطفة. ولذلك شعوبنا ذابلة، بلا حيوية، ولا أمل، ولا وجهة ولا صوت.
والآخرون؟ تعيش الأمم الكبيرة، الصين، والهند والبرازيل وروسيا والصاعدون الآخرون، بالانسجام والنطق بلسان قومي متصالح مع هويته، وحي بحياة الجسم الذي يغذيه. وحيث تتباين الأديان واللغات والأجناس والطبغرافيا، يصنعون أمة، بأكبر عدد ممكن من الناس وأوسع جغرافيا، وتجميع أكبر قدر ممكن من الموارد. الصينيون لغات وأديان، والهنود ألسنة وملل. وحتى الكيان الصهيوني (الصغير هو نفسه والعاجز عن الحياة بأجهزته الخاصة والذي وبلا فرصة أيضاً) صنع «أمة» من الهواء وباعها. لماذا ليس العرب؟!
أصبح الحديث عن «أمة عربية» في السياقات الراهنة يبدو كنكتة. لكنّ العالَم كله منافسة بين أمم لا تفكر في النكتة. وإذا لم تكن أمماً (طبيعية، أو مصنعة مثل «الأمة الأميركية» نفسها التي تذلنا) فتكتلات وتحالفات تبحث عن المشتركات في العدم. وفي أقليمنا بالتحديد، القومية صرخة التحشيد. الإيرانيون يستنهضون المجد الفارسي، والأتراك يستدعون الطورانية والعثمانية، واليهود جبل المعبد وداود. فلماذا مثل ذلك نكتة عندنا فقط؟ ربما لأن «كثرة الدق تفك اللحام». وقد دقّوا على نسيج العرب حتى تفكك إلى درجة بدا معها مجرد الحديث عن رتق النسيج نكتة.
النكتة، أن يتصور كل قُطر ضعيف وخائف أن نجاته في التبعية –وليس التحالف لأن التحالف يكون بين أنداد- لكيان غريب آخر يتوهم أنه سيحميه. ومن العجب أن يلجأ ضعيف جعل نفسه بلا فرصة إلى شبيه بلا فرصة، ومعادٍ حتى الموت بلا كتمان، حتى يجد عنده الأمن. أي وهم! من حيث الإمكان، ينبغي الاتجاه إلى الأقرب المنطوي على إمكانية الحب. وستكون «الأمة» الممكنة جدا مؤهلة للمنافسة كما لا تفعل معظم الأمم التي تركب ظهور العرب. ولن يرغب أحد بتمييز نفسه بشارات أو أديان أو طوائف في أمة فائزة. ولن يفقر أحد أو يُهان في تكوين بإمكانيات وموارد وجغرافيا مثالية.
كل شيء يُقرر في وطن العرب هو مسألة إطالة حياة بمواصفات الاحتضار وبلا أي شيء استراتيجي، لنجاة القلة والتضحية بالمجموع. ونتيجته المزيد من قتل وتجويع وإهانة مئات الملايين من سكان هذه المنطقة، وإعدام فرصهم وبيع حصتهم من الحياة.
الحالمون «غير الواقعيين»، الذين يكررون «نكتة الأمة العربية»، لا يرون خيارا غير تكرار الفكرة التي لا يخذلها المنطق، لمن يريد تعقب المنطق، مهما بدت بعيدة، لأنها الأمل الوحيد لخلق فرصة لمستقبل أولاد المنطقة، ولو أن تركيبة وصفتها تبدو بعيدة، مثل إكسير الحياة أو حجر الفلاسفة.