عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    28-Jan-2025

نظريتا س و ص في السلوك الإنساني*حسني عايش

 الغد

النقاش حول طبيعة الإنسان وكيفية التعامل مع العاملين في الإدارات والمؤسسات والشركات لا يتوقف. وذلك مثل التساؤل هل الإنسان خيّر بطبعه أم شرير؟ هل هو كسول أم شغيّل؟ هل هو حيوان مفترس أم مضح بالنفس؟ هل لديه استعداد للتعاطف مع غيره طوعاً أم كرهاً؟ هل يكون بأقوى الدافعية بالخوف أم بالمحبة؟ هل هو قادر على الاختيار أم سجين الظروف وعاجز عنه؟ هل هو عقلاني أم وجداني / عاطفي؟ 
 
 
لقد وصفه ميكافيلي في كتابه الأمير (1515) بأقذع الصفات فقال: «إنه متمرد، وعدواني، وأناني، وجشع، وغير تعاوني. ومن ثم يجب حكمه والسيطرة عليه بأي وسيلة متاحة عند من يكسب القوة أو يملكها، أو عند المسؤولين عن المحافظة على النظام العام في الحكومة / الدولة». أما المفكر الإداري العظيم ابراهام ماسلو فيفسر السلوك الإنساني هرمياً في إطار الحاجات وأولها الحاجات الفسيولوجية كالجوع والعطش، تليها حاجات السلامة والأمن، فالحاجات الاجتماعية كالرضا والمحبة، والحاجة إلى التقدير، وإلى العلم، والجمال، وأعلاه وأصعبها تحقيق الذات، أو الكمال. وعندما تشبع حاجة ينتقل الإنسان إلى الحاجة الثانية، وهكذا. وفي الاسلام: « لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ، ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ» {4-6/95}  
 
يعتبر استاذ الإدارة الأميركي في ماساشوستس للتكنولوجيا دوجلاس ماجرجر أحد أعظم المفكرين والمبدعين في موضوع الإدارة. وقد لخص تجربته البحثية والتعليمية فيها في نظريتين تفسران سلوك الناس. لا يعني هذا ان النظريتين مطلقتا الصحة، فبعض اساتذة الإدارة لا يقبلونهما، لكن كثيراً منهم يعتبرونهما مفيدتين (بتصرف محدود).
1. نظرية (س) التقليدية: الناس بطبعهم كسالى ويفضلون ألا يعملوا شيئاً. أما نظرية (ص) الابداعية: الناس بطبعهم نشطون. يحددون أهدافهم ويستمتعون بالاجتهاد. 
2. نظرية (س) التقليدية: يعمل الناس – غالباً– من أجل الفلوس والمكافآت. أي أن دوافعهم للعمل خارجية، لا داخلية.  أما نظرية (ص) الابداعية: يبحث الناس عن الرضا في أعمالهم، ويعتزون بإنجازاتهم، ويستمتعون بعملياتها وبالإحساس بالعطاء، وبالسرور في المشاركة، وبتحريض التحديات الجديدة على تلك الاستجابة.
3. نظرية (س) التقليدية: الخوف هو القوة الرئيسة التي تجعل الناس ينتجون فيما يعملون وإلا طردوا، أو أنزلت مراتبهم. أما نظرية (ص) الابداعية: الرغبة في تحقيق الأهداف الشخصية والإجتماعية أي في الإنجاز هي القوة الرئيسية في جعل الناس منتجين فيما يعملون. 
4. نظرية (س) التقليدية: الناس مجرد أطفال يكبرون. إنهم يعتمدون – طبيعياً – على القادة. أما نظرية (ص) الابداعية: الناس – عادياً- ينضجون ويطمحون إلى الاستقلال والاشباع النفسي وإلى المسؤولية. 
5. نظرية (س) التقليدية: يتوق الناس إلى التوجيه من فوق. إنهم لا يرغبون في التفكير لأنفسهم. أما نظرية (ص) الابداعية: يرى الناس القريبون من الموقع أو المشكلة او التحدي... ما هو لازم ويشعرون به. كما انهم قادرون على توجيه أنفسهم بأنفسهم. 
6. نظرية (س) التقليدية: الناس بحاجة إلى أن يقال لهم أو إلى أن يُأمروا به، وإلى توجيههم وتدريبهم بالأساليب الخاصة بالعمل. أما نظرية (ص) الابداعية: الناس يفهمون ما يعملون، ويهتمون به، كما أنهم يستطيعون التدبير وتحسين أساليبهم في العمل.
7. نظرية (س) التقليدية: يحتاج الناس إلى مراقبين يراقبونهم عن كثب. يكفي الثناء على العمل الجيد، ولفت النظر إلى الأخطاء. أما نظرية (ص) الابداعية: يحتاج الناس إلى الإحساس بالاحترام ، وإلى القدرة على تحمل المسؤولية والتوجيه الذاتي. 
8. نظرية (س) التقليدية: قلما يهتم الناس فيما هو أبعد من اهتماماتهم المادية العاجلة.
أما نظرية (ص) الابداعية: يسعى الناس إلى إضفاء المعنى على حياتهم بالتماثل مع الشعوب والمجتمعات والمعابد والنقابات والشركات والقضايا... 
9. نظرية (س) التقليدية: يحتاج الناس إلى تعليمات محددة فيما يعملون، وإلى بيان كيفية العمل، ولا تقع القضايا السياسية الكبيرة في مجال اهتمامهم. أما نظرية (ص) الابداعية: يحتاج الناس إلى فهم مطرد ودائم وإلى المعنى في النشاطات المنغمسين فيها ، وإلى جوع معرفي متسع باتساع العالم. 
10. نظرية (س) التقليدية: يقدر الناس الذين يتعاملون معهم بأدب. أما نظرية (ص) الابداعية: يحصل الناس على الاحترام من تابعيهم. 
11. نظرية (س) التقليدية: الناس بطبيعتهم مجزأين، أي أن كل واحد يهتم بنفسه، ومتطلبات العمل عندهم تختلف كلياً عن نشاطات ومتطلبات وقت الفراغ. أما نظرية (ص) الابداعية: الناس – طبيعياً – مندمجون. وإذا انفصل العمل عن اللعب بصورة حادة جداً فإنهما يفسدان. لعل السبب الوحيد الذي يمكن لرجلٍ عاقل اعطاؤه لتفضيله وقت الفراغ على العمل هو النوعية الأفضل للعمل الذي يقوم به في وقت الفراغ. 
12. نظرية (س) التقليدية: يقاوم الناس بطبيعتهم التغيير، ويفضلون العيش في حياة رتيبة. أما نظرية (ص) الابداعية: الناس بطبيعتهم يملّون من الروتين، ويستمتعون بالخبرة الجديدة وكل واحد/ة منهم –إجمالاً – مبدع / مبتكر /خلاق.
13. نظرية (س) التقليدية: للإعمال الأولوية ويجب القيام بها ، والناس يُختارون ويُدربون ويُؤهلون للقيام بأعمال محددة سلفاً. أما نظرية (ص) الابداعية: للناس الأولوية ، وهم يسعون لتحقيق ذواتهم ، ويجب تصميم الأعمال وتعديلها لتناسبهم.
14. نظرية (س) التقليدية: يتكون الناس من الوراثة، والطفولة، والشباب، والراشدين، ولكنهم يبقون جامدين، والمسنون لا يتعلمون حيلاً جديدة. أما نظرية (ص) الابداعية: الناس ينمون باستمرار، والتعلم ليس متأخراً أبداً، أي انه ممكن في أي وقت وهم يستمتعون به، ويطورن قدراتهم. 
15. نظرية (س) التقليدية: يحتاج الناس إلى التشجيع وإلى الالهام والدفع إلى الأمام وإلى القيادة المحرِّكة. أما نظرية (ص) الابداعية: يحتاج الناس إلى اطلاق طاقاتهم وإلى التشجيع والمساعدة.
الحاجة ليست ملّحة جداً للاختيار بين النظرتين، أي منهما الصحيح أو لا. المطلوب منا جعل فرضياتنا عن السلوك الإنساني أكثر وضوحاً، وعكس سلوكنا لفرضياتنا.
وكما يرى القارئ فإن نظرية ص أكثر دينامكنية من نظرية س، وأكثر تفاؤلاً فيما يتعلق بالنمو الإنساني وتطوره، وهي أكثر اهتماماً بالتوجيه الذاتي والمسؤولية الذاتية، وأكثر اتساقاً مع معطيات علم الاجتماع. 
اعلم أنه يمكن أن يؤثر اختيار هذه النظرية او تلك على تنظيم انفسنا لاتخاذ القرار، وأنك إذا تبينت نظرية س فإن هذا الاختيار يؤدي إلى: 
الاتصال في اتجاه واحد. 
التخطيط الاستراتيجي بيد القادة الكبار فقط. 
التعليمات الجاهزة تسلم للإدارة الوسطى لتنفيذها. 
وتعليمات أخرى ليلتزم بها العاملون، ولا شيء يصعد من تحت إلى أعلى سوى التقارير.
أما إذا تبنيت نظرية ص فإن ذلك يمكن أن يؤدي ما يلي: 
الاتصال في الاتجاهين. 
انغماس الجميع في وضع الأهداف، والمشاركة في عملية اتخاذ القرار في كل مستوى من مستويات الإدارة.
الحل الزائف:
البشر نوعان: نخبة ذكية تمتع بالطموح والإبداع والابتكار مثلنا نحن ص، وجمهور س الكسول وغير المسؤول الذي لا يهمه سوى الفلوس وهو بحاجة دائمة إلى التوجيه من أعلى.
تتردد في المجتمع مقولة « كل الناس خير وبركة»، ولعلها أكثر مقولة كاذبة، إذا لو كان (كل) الناس خير وبركة لكان المجتمع ملائكياً. 
النبوءة الذاتية: يصبح الناس في بعض الظروف التنظيمية/ الإدارية «س» عقلياً، إذا عوملوا دونياً، وكسولين وماديين، وتابعين، وغير مسؤولين، ولكنهم يصبحون في ظروف/ إدارية مختلفة «ص» عقلياً إذا عوملوا كمسؤولين، ومستقلين، وفاهمين، ومنجزين، ونامين، ومبدعين، ومبتكرين. 
والآن تقع عليك المسؤولية في تشكيل عقلية ونفسية وشخصية من يعملون بقيادتك، أو برئاستك، أو بإدارتك. تذكر أن النظرية الأولى (س) مغرية لأنها تجعل المسألة سهلة عليك، بينما تجعل النظرية الثانية (ص) المسألة صعبة عليك، ولكن القائد يختلف عن الرئيس أو المدير.
وأخيراً: فإنني أظن أنّ كلا من النظريتين صحيح فبعض الناس تنطبق عليهم نظرية س أكثر مما تنطبق عليهم نظرية ص، وكثير منهم بالعكس، وأن الإنسان العامل قد يتحول من هذه النظرية إلى تلك حسب سلوك القيادة أو الرئاسة أو الإدارة أو المناخ السائد في بيئة العمل.
النبوءة الذاتية: يصبح الناس في بعض الظروف التنظيمية «س» عقلياً إذا عوملوا دونياً وكسولين وماديين وتابعين وغير مسؤولين. إنهم يصبحون كذلك، ويصبحون في ظروف إدارية مختلفة «س» عقلياً إذا عوملوا كمسؤولين، ومستقلين وفاهمين ومنجزين، وناميين، ومبدعين ومبتكرين. 
والآن تقع عليك المسؤولية في تشكيل عقلية ونفسية وشخصية من يعملون بقيادتك، أو برئاستك، او بإدارتك،
النظرية الأولى (س) مغرية لأنها تجعل المسألة سهلة عليك بينما النظرية الثانية (ص) تجعل المسألة صعبة عليك ولكنه القائد يختلف الرئيس / المدير 
والحقيقة كما أراها ان كلا النظريتين صحيحتان فبعض الناس تنطبق عليهم النظرية الأولى وبعضهم تنطبق عليهم الثانية ، وبعضهم يتراوح بين هذه وتلك.