الدستور
لا يهم كيف تبدأ الأمور، بل كيف تنتهي – تشيرشل.
ها هو الرئيس جو بايدن يودّع البيت الأبيض في خريف عمره، ويداه ملطختان بدماء الملايين.
غادر تاركًا وراءه عالمًا مشوهًا، يملؤه الموت والدمار في العالم، والحرائق في بلاده. وأي إنجاز إيجابي يُنسب لمسيرته السياسية الطويلة بات بلا قيمة، مجرد نقطة تائهة في بحر الدماء الذي خلفه.
أمضى حياته خادمًا مخلصًا للصهيونية ومروجًا للحروب. فهو القائل: «ليس ضروريًا أن تكون يهوديًا لتكون صهيونيًا، ولو لم تكن «إسرائيل» موجودة لاخترعناها.» وهو نفسه الذي تنصّل من منح الفلسطينيين أدنى حقوقهم، حين صرّح في أول زيارة له إلى الدولة المارقة بعد توليه الرئاسة: «حل الدولتين قد انتهى.»
صوّت لصالح جميع حروب الولايات المتحدة ضد العرب والمسلمين، وكان من أبرز المحرّضين على دعم بيغن في حرب لبنان عام 1982، حيث قُتل الأطفال والنساء بلا رحمة. وفي خريف حياته، خاض حروبًا مدمّرة وارتكب إبادة جماعية أودت بحياة مئات الآلاف في أوكرانيا وفلسطين ولبنان.
في تاريخ الولايات المتحدة، لطالما كانت الكلمة الأخيرة للرئيس الأمريكي، ولم يكن بمقدور رؤساء الكيان الصهيوني سوى الانصياع. فبمكالمة هاتفية واحدة، أمر ريغان بيغن بالانسحاب من لبنان عام 1982، وانصاع الكيان لأوامر بوش الأب بعدم الرد على صواريخ صدام التي دكّت تل أبيب. ورغم الضغوط الصهيونية على باراك أوباما، مضى قدمًا في تنظيم الاتفاقية النووية مع إيران. أما أيزنهاور، ففي عام 1956 خلال العدوان الثلاثي على مصر، أجبر الكيان الصهيوني على الانسحاب من سيناء.
لكن بايدن كان مختلفًا؛ ضعيفًا ومهزوزًا، تحكم به الصهاينة الذين أحاطوا به. لم يستطع وقف الإبادة في غزة، حتى جاء خليفته ترامب وأمر نتن ياهو بوقف المجزرة. وبشكل مهين، حاول بايدن سرقة الإنجاز مدعيًا أنه هو من أوقف المجزرة، في محاولة يائسة ليغادر البيت الأبيض بإنجاز ما !
كان بايدن شريكًا مباشرًا لنتن ياهو في الإبادة الجماعية. ولولا دعمه، لربما انتهى الكيان في السابع من أكتوبر. فقد أمدّه بالسلاح والمال، وحماه في المحافل الدولية، وقمع المظاهرات العارمة في الولايات المتحدة التي خرجت ضد الكيان. ومع ذلك، تلاعب نتن ياهو به وأهانه مرارًا، وكان آخرها تجاهله تهديد بايدن - المرسل عبر وزير خارجيته ودفاعه - بإدخال المساعدات إلى غزة أو وقف تسليح الكيان. وردّ بايدن على هذه الإهانة بالشعور بالقلق بدلًا من اتخاذ موقف حازم.
قد يذهب البعض إلى القول إن ما حدث كان أدوارًا متفقًا عليها، ولكن كتاب «الحروب» كشف الحقائق، حيث تحدث عن غضب بايدن من نتن ياهو وشتمه خلف الكواليس، معبرًا عن إحباطه الشديد منه.
بقية مقال إسماعيل الشريف
إرث بايدن
وفي أوكرانيا، كان بايدن مسؤولًا بشكل مباشر عن إحراق جيلٍ كامل من الشباب هناك. فقد ساهمت سياساته في اندلاع الحرب عبر استفزاز روسيا، من خلال توسيع حلف الناتو شرقًا ليصل إلى حدودها، والترحيب بأوكرانيا في الاتحاد الأوروبي. ورغم أنه كان بإمكانه بسهولة إيقاف الحرب في مراحلها الأولى، إلا أن إدارته اختارت إفشال المفاوضات بدلًا من السعي للسلام. وفي مرحلة ما، وجد العالم نفسه مهددًا بحرب نووية بنسبة 50% نتيجة سياسات التصعيد التي اتبعها بايدن.
كما فشل في التصدي لأفقر دولة في العالم، اليمن، فلم تُجدِ بارجاته وصواريخه وتحالفاته نفعًا في إيقاف صواريخ اليمن ومُسيّراتها المتجهة نحو فلسطين المحتلة. وكان أيضًا مسؤولًا عن حرب الصهاينة في لبنان، وما صاحبها من قتلٍ للمدنيين وتدميرٍ للمنازل، ورحّب بحادثة البيجرات واغتيال شخصيات المقاومة السياسية.
ثم تحمّل مسؤولية الخسارة المدوية لحزبه في الانتخابات الرئاسية، نتيجة حروبه وظلال شبحه التي ألقت بثقلها على نائبته، التي لم تتمكن من الانفكاك عنه. وقد أثبتت الإحصائيات صحة هذا الادعاء، فكانت هديته التي تركها للولايات المتحدة والعالم هي ترامب!