عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    09-Aug-2019

ممثل و“مذیع“ ترأسا الولایات المتحدة - د.أحمد جمیل عزم
ّ الغد- یعرِف كثیرون أن المقصود بالرئیس الممثل الذي وصل لرئاسة الولایات المتحدة الأمیركیة، ھو
رونالد ریغان (1981 – 1989 ،( ّ وأن المذیع ھو دونالد ترامب (بدءا من العام 2017 ،(لكن شتان بینھما. لا تتعلق الفروق بشخصھما وحسب، بل أیضا بأمور منھا صورة وسیاسة الولایات المتحدة، ونوعیة وطریقة صناعة النخب، والفرق بین الإعلام الجماھیري في عصر السینما والقوة الناعمة، وعصر تلفزیون الواقع الفضائحي.
ّ كان یقال إن المرشح للرئاسة الأمیركیة، یھتم بصورتھ وحتى بمساحة الابتسامة لدیھ، وینطبق ھذا
في حالة ریغان، الذي أصبح حكم ولایة كالفورنیا العام 1967 ،في سن 56 فھو موالید العام 1911 ،وأصبح رئیسا في سن السبعین، العام 1981 ،وقبل ھذا كان ممثلا في السینما، ونقابیا ناشطا. كان مولعا أثناء رئاستھ بسرد النكات، خصوصا ضد السوفییت، وكلھا نكات ھادفة ُمغرِّضة. أحدھا مثلا أن ّ مواطنا سوفییتیا، جمع ثمن سیارة، وبما أن الحكومة ھي من یصنع ویبیع السیارات، ذھب وسجل اسمھ، فأبلغھ الموظف الحكومي أن یعود لاستلام السیارة بعد عشرة أعوام بالضبط، في مثل ذات الیوم، فسألھ المواطن: ھل آتي صباحا أم مساء؟ استغرب الموظف، وسألھ،  ما الفرق؟ إنھا عشر سنوات، فرد المواطن، لأن المواسرجي أعطاني أیضا موعدا بعد 10 سنوات، في ذات الیوم صباحا. الرسالة أن الشیوعیة لا تعمل.
ّ بأنّھ غیر التاریخ مرتین، الأولى بتبنیھ المنھج اللیبرالي الجدید، أو ما قد یسمى یوصف ریغان  اللبرالیة المتوحشة، التي تقلل كثیرا دور الحكومة لصالح الشركات والقطاع الخاص والتجارة،  فتلغي التأمین الصحي والتعلیم المجاني وسوى ذلك، و“یتھم“ أنھ مع رئیسة وزراء بریطانیا مارجریت تاتشر (1975 – 1990 (تبنیا ھذا النھج، وھي أیضا، ابنة بقال، تحولت الى ”المرأة الحدیدیة“ الأنیقة. الأمر الثاني، أنّھ ریغان سبب أساسي لانھیار الاتحاد السوفیاتي والثنائیة القطبیة، وأنّ ّ ھ قام بذلك بطریقة مركبة، فقد ركز على ما وصفھ صورة الولایات المتحدة، والرأسمالیة، باعتبارھا ”مدینة الرب المتلألئة“، وشن حربا إعلامیة عبر الدعوة للدیمقراطیة في المعسكر الاشتراكي، وباستخدام إذاعات ووسائل إعلام، وفي ھذا السیاق تأتي نكاتھ، كذلك تبنى دعم المجاھدین الأفغان عسكریا ضد الشیوعیة. دخل سباق تسلح مع السوفییت، بینما یدعوھم لاتفاقات فت الموارد السوفییتیة نزع سلاح، وأسھم ھذا السباق لا بھزیمة عسكریة، بل اقتصادیة، اذ استُنزِ في التسلح على حساب احتیاجات المواطنین الیومیة والاستھلاكیة. ویعتبر فریق ّ من الأمیركیین أن ریغان، الذي توفي العام 2004 ،رمز ورائد المحافظین الجدد، الذین ظھروا بشكل خاص زمن جورج بوش الابن (2001 – 2009 ،( ّ ویدعون لنشر الدیمقراطیة ”الأمیركیة“، بالقوة. على أن ریغان شخصیا، كان ”متواضعا“، ولطالما قال إنّھ غیر متأكد إنّھ حقق الإنجازات المنسوبة لھ.
وصل ترامب للرئاسة أیضا في نحو سن السبعین، فھو موالید العام 1946 ،وفاز بالانتخابات العام
2016 ، ّ ومثلما صع ّ د ریغان ضد السوفییت، صعد ترامب ضد الصین، لكن مقابل نكات ریغان  ضحك الناس علیھا ویوصل رسالة عبرھا، یبدو ترامب نفسھ في كثیر من ُالتي كان یرویھا الأحیان أضحوكة یستغرب الناس معھا وصولھ الرئاسة. وبینما جاء ریغان من ”الفن السابع“ (السینما) والنقابات، أي من فن فیھ انتاج مدروس ومتكامل، كرس القوة الناعمة الأمیركیة، وصورة البطل الأمیركي، ومن عمل نقابي شعبي، ذھب ترامب من تجارة العقارات للبحث عن الشھرة مذیعا في برامج تلفزیون الواقع التي تعتمد الارتجال، والفضائح، والعشوائیة، التي تعني جمھورا ُمحددا في البلد الذي ینتج البرنامج لھ، فضلا عن الإعلانات التجاریة متواضعة المستوى. تبنى ترامب اللیبرالیة بتوحش غیر مسبوق داخلیا في الولایات المتحدة منتصرا لرجال الأعمال وأصحاب الملیارات على حساب الفقراء، أما خارجیا فیلعب على وتر تفوق العرق الأبیض، ویدخل حروبا تجاریة عالمیة، وغیر مكترث بصورة بلاده؛ معیاره الأول تحقیق مكاسب مالیة سریعة جدا، حتى على حساب خسارات بعیدة. ھو من ”النخب“ الجدیدة، الشعبویة، التي لا تخلو من بذاءة وسوقیة (مثالا؛ القصص التي تربطھ بممثلات أفلام إباحیة).
ّ لا یجب نسیان، أن لبرالیة ریغان المتوحشة، حولت كل شيء لسلعة، مھدت لظھور أمثال ترامب،
وتجارتھ وإعلامھ، على أن الفوارق بین عصري ریغان وترامب، ونوعیة النخب التي ینتمیان لھا، تبقى كبیرة جدا.