عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    21-Feb-2019

أوضاع العالم 2019" :عودة الشعبویات".. مفھوم واسع یشھد على فشل الأیدیولوجیا

 

عمان -الغد – للعام الحادي عشر على التوالي، تصدر مؤسسة الفكر العربي الترجمة العربیة لكتاب“أوضاع العالم 2019 ،″عن سلسلة ”حضارة واحدة“، الذي حمل ھذا العام عنوان ”عودة الشعبویات“. وقد أشرف على الكتاب الباحثان الفرنسیان الأستاذان في معھد الدراسات السیاسیة
في باریس، برتران بادي ودومینیك فیدال، ونقلھ إلى العربیة نصیر مروة.
تبدو الشعبویة لمن یتتبع دلالتھا في الدراسات العائدة للأخصائیین من حقول ومیادین علمیة مختلفة، والذین جمعھم كتاب ”أوضاع العالم 2019 ،″كطائر الفینیق الأسطوري الشھیر الذي كان یعاود الانبعاث مرة بعد مرة. فیستھل برتران بادي بالحدیث عن ”عودھا الأبدي“ مرة، ٌ و“عودھا اللجوج“ مرة أخرى. لكن الأبد الذي یشیر إلیھ بادي ھو أبد لھ بدایة. وھو یبدأ عند أستاذ علم السیاسة غي ھیرمیھ في أواخر القرن التاسع عشر، الحقبة التي شھدت ولادة الشعبویات الأولى: النارودنیكي الروس، والبولانجیین الفرنسیین، وحزب الشعب الأمیركي والإیروغینیة الأرجنتینیة.
وإذا كانت موجة الشعبویات الأولى ستنتھي لأسباب مختلفة (الثورة البلشفیة في روسیا،
الجمھوریة الرابعة في فرنسا، الانقلاب العسكري في الأرجنتین)، إلا أن موجة ثانیة ستولد في
ما بین الحربین العالمیتین؛ ففي دراستھ ”الفاشیة، أسطوریة الحقد وسیاستھ“، یجعل زئیف
شتیرنیل من الفاشیة الإیطالیة محور ھذه الشعبویة وأساسھا، في حین ستخلف البوجادیة البولانجیة في فرنسا. ولا یتردد دومینیك باري في دراستھ ”ماو وخلفاؤه وخط الجماھیر“، في إدراج ماو تسي تونغ ”وشعبویتھ الریفیة“ بین أقطابھا. ویجعل الباحث في علم الاجتماع والفیلسوف الفرنسي رافاییل لیوجیھ في دراستھ ”الشعبویة المائعة في الدیمقراطیات الغربیة“ من
فیدیل كاسترو، زعیما شعبویا لداعي افتراض تجسید الزعیم للشعب بكلیتھ.
ھذه الموجة الثانیة، كانت تقترن وفقا لفیلیب مارلییر، ”بالنظم القیصریة الأمیركیة اللاتینیة، التي
یحكم فیھا دیكتاتور یستند إلى الشعب“. ورینیھ مونزا یضیف إلى ھؤلاء شعبویات الاستقلالات التي قامت بعد الحرب العالمیة الثانیة، وخصوصا الناصریة والدعوة إلى الوحدة العربیة في مصر، وما یسمیھ شعبویات حركات التحرر الوطني والاستقلالات. فقد كان العالم الثالث الذي نشأ حینھا قد باشر نھوضھ ولكن على أسس شعبویة. ویشیر مارك فیرو إلى بروز شكل جدید من الشعبویة، ھي تلك التي وجدھا في العالم الثالث، والتي تستند إلى الطائفة أو العرق أو القبیلة، كما في أفریقیا وبعض آسیا، وكذلك فعل فرانسوا بورغا الذي ربط بینھا وبین ”الإسلامویة“.
ثم ھناك الشعبویات التي اندلعت بعد انھیار المنظومة الاشتراكیة في أوروبا الوسطى والشرقیة
بخاصة، وكان لھا منظروھا من الرئیس التشیكي فاكلاف ھافیل إلى الروسي سولجینیستین إلى
البولوني میشنیك. وقد شھدت أوروبا كوكبة واسعة من الأحزاب والحركات الشعبویة، إذ وصل بعضھا إلى سدة الحكم كما في ھنغاریا وبولونیا وإیطالیا، أو دخل في حكومات، أو حقق تقدما لم یعد یمكن تجاھلھ كما ھو الحال في النمسا وإسبانیا وبلدان إسكندنافیا.
ھناك أخیرا الشعبویات التي یربطھا رافاییل لیوجیھ بأزمة العام 2008 العالمیة المعولمة. وھو لا ینكر صلتھا بشعبویات سنوات ما بین الحربین، لكنھا ھذه المرة، برأیھ، شعبویة ولیست إیدیولوجیة. فھي لا تتغذى من عقیدة ماركسیة أو فاشیة كما كان الحال في ثلاثینیات القرن الماضي، بل تعاني من فقدان إیدیولوجیات القرن العشرین للمصداقیة. إنھا شعبویة موسومة بسمات الضیق والقلق من العولمة وآثارھا. والضیق یتخذ ھنا صورة ”الھجرة الزاحفة“ أو التوجس من ”رأسمالیة لا تعترف بأي حدود“ أو یتبنى صورة ”أسلمة العالم“؛ وھذا یجعلھا تتمیز عن شعبویات ما بین الحربین التي كانت تعاني من الإحساس بالتطویق: دول- أمم تطوق دولا- أمما.
أما شعبویات الیوم، فتعاني من قلق یتخذ صورة المسلم المكروه، والغجري المطرود، والمھاجر
المرفوض. وشعبویة الیوم ھي شعبویة رأي. إنھا من ھذه الزاویة تقبل التوصیف ”بالشعبویة المائعة“ أو ”السائلة“ وفقا لتوصیف رافاییل لیوجیھ: ”تظھر متأرجحة متقلبة في العمق“. وتبدو كلھا وكأنھا تغیر موضوع عدائھا، فھو المسلم وھو الغجري (Rom ،(وربما یكون الیھودي، والمھاجر. بل إنھ طرأ جدید. فدولة العنایة أو الرعایة التي طالما كانت البلدان الإسكندینافیة مثالھا وتجسیدھا، باتت مصابة بعارض الشعبویة. لكن إلى ماذا یتطلع شعبویوھا ھي؟ الأجوبة تقول إنھم لا یتطلعون، بل یتوجسون خطر العولمة والھجرة والأزمة، ولاسیما الأخیرة منھا (أزمة 2008 .( یبقى سؤال حول الشعبویة كمفھوم. فإذا كانت الشعبویة أساسا ھي علاقة بین شعب وزعیم كما یجمع أغلبیة الباحثون في كتابنا ھذا، أو بالأحرى إذا كانت ”تعبدا لزعیم“ وفقا لتعبیر جان- كلود مونو، وكان الزعماء المختارون یبدون أكثر تباینا وتنافرا من أن یقبلوا الدخول في مفھوم واحد، فكیف سیصاغ ھذا المفھوم؟
یبدو مفھوم الشعبویة واسعا شاسعا، ولعلھ مفھوم مضطرب. ومع ھذا، فإن ثمة من یجد لذلك مخرجا. إذ یرى فیلیب ریوتور أن ثمة سمات مشتركة بین الشعبویات، تتمثل في أنھا حركات تبحث عن الإجماع بأي ثمن، وأنھا على الرغم من الخلافات العمیقة بینھا، تخوض حربا إیدیولوجیة ضد المعارضین والمنتقدین. وھي عند جان كلود مونو تبدو وكأنھا تتحدى مقولات العلوم السیاسیة. وتبدو الشعبویة عند جان- إیف كامو، أسلوبا سیاسیا، أو أسلوبا في الحكم.
ویستند فرانسوا بورغا إلى المؤرخ فیلیب روجر الذي تشیر الشعبویة لدیھ ”إلى مركب معقد من الأفكار والتجارب والممارسات، لا یسع أي تصنیفیة، بالغا ما بلغ تمحیصھا وتنقیبھا، أن تستغرقھا كلھا أو تستنفذھا جمیعھا“. وھو ما یؤكده مونزا فالشعبویة بالنسبة إلیھ، ھي أبعد من أن تشیر إلى إیدیولوجیة متماسكة بل تتجسد في جداول أعمال (أو أجندات) متنافرة. فالشعبویة اسم لأزمة بأكثر مما ھي تعبیر عن إیدیولوجیة، كما یرى برتران بادي، الذي یعتبرھا شاھدا على فشل الإیدیولوجیات، أو ربما ضربا من الفراغ، أو ضربا من المزدوجین اللذین یجري تعلیق الخیارات الكبرى بینھما.
وإذا كان لشعبویة الیمین ما یمیزھا ولشعبویة الیسار ما تختص بھ، إلا أن الشعبویتین تشتركان – كما یقول لازار- في نقاط لا تنكر. فالشعبویون جمیعا، یطرحون الطبقات القیادیة ویمقتون التنظیمات كافة التي تشارك وفقا لھم في ”النظام“، حتى ولو كانوا یتخذون ھم أنفسھم مواقعھم فیھ. وھم یعارضون العولمة وینتقدون الاتحاد الأوروبي، ویھدفون إلى نصرة السیادة الشعبیة، ویضعون وجوه الدیمقراطیة اللیبیرالیة التمثیلیة موضع إعادة نظر، مفضلین علیھا الدیمقراطیة المباشرة. وھم جمیعا یملكون رؤیة كارثیة للعالم الحاضر ولوضع بلادھم، ویقابلونھا ویعارضونھا برؤیة مثالیة. وإذا كانت الشعبویة ھي ذلك التضاد بین ”الشعب“ و“النخبة“، فإنھا توشك أن تكون ظاھرة ملازمة للاجتماع البشري. وبھذا تكون معاودة ظھورھا عودا أبدیا كما تقدم.
ومؤسسة الفكر العربي ھي مؤسسة أھلیة دولیة مستقلة، لیس لھا ارتباط بالأنظمة ولا بالانتماءات السیاسیة أو الحزبیة أو الطائفیة. التزمت المؤسسة منذ إنشائھا في العام 2000 بتنمیة الاعتزاز بثوابت الأمة ومبادئھا وقیمھا، وبتعزیز التضامن العربي والھویة العربیة الجامعة، المحتضنة لغنى التنوع والتعدد، وذلك بنھج الحریة المسؤولة.