عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    26-Nov-2024

مخاطر ضم الضفة وتداعياته على المواثيق والاتفاقيات الدولية*د. حسن عبدالله الدعجة

 الغد

تعدّ مسألة ضم الضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية من أخطر القضايا المثيرة للجدل في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، لما تمثله من تداعيات سياسية وأمنية واقتصادية تمس مستقبل حل الدولتين والاستقرار الإقليمي. فقد أعلنت بعض الأطراف السياسية الإسرائيلية مراراً عن نيتها ضم أجزاء من الضفة الغربية، خاصة المناطق الاستيطانية وغور الأردن، إلى إسرائيل، وهو ما يثير قلقاً إقليمياً ودولياً حول مستقبل السلام العادل في المنطقة ومدى توافق هذا التوجه مع المواثيق الدولية واتفاقيات السلام المعقودة سابقاً.
 
 
يعد ضم الضفة الغربية مناقضًا للمواثيق الدولية وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة التي تؤكد عدم جواز احتلال أراضي الغير بالقوة. فقد شدد قرار مجلس الأمن رقم 242 الصادر عام 1967 على ضرورة انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها خلال حرب يونيو 1967، بما في ذلك الضفة الغربية. كما أكدت العديد من قرارات الأمم المتحدة الأخرى على حق الفلسطينيين في تقرير المصير وإقامة دولتهم المستقلة على أراضيهم المحتلة، مما يجعل مسألة ضم الضفة مخالفةً صريحةً لهذه القرارات.
 
تندرج ممارسات الضم ضمن انتهاكات واضحة لاتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، التي تمنع الدولة المحتلة من نقل سكانها إلى الأراضي المحتلة أو إجراء أي تغييرات ديمغرافية فيها، وهو ما تقوم به إسرائيل منذ عقود عبر تشجيع الاستيطان ونقل أعداد كبيرة من المستوطنين إلى الضفة الغربية. علاوة على ذلك، يعد الضم انتهاكًا لمبدأ حق الشعوب في تقرير المصير، وهو أحد المبادئ الأساسية في القانون الدولي، ويعد حجر الزاوية في الجهود الدولية لتحقيق السلام والأمن في الشرق الأوسط.
من الناحية العملية، يشكل ضم الضفة الغربية تهديدًا مباشرًا لاتفاقيات السلام القائمة، خاصة اتفاقية أوسلو التي وُقعت بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل عام 1993، والتي تعتبر إطارًا أساسيًا لحل الدولتين، حيث تنص على إقامة حكم ذاتي فلسطيني في الضفة الغربية وغزة تمهيدًا للوصول إلى تسوية نهائية. وعليه، فإن أي خطوة لضم أراضٍ من الضفة تعني عملياً تقويض هذه الاتفاقية وإنهاء فرص الوصول إلى حل الدولتين.
كما أن ضم الضفة الغربية قد يؤثر سلبًا على معاهدة السلام بين الأردن وإسرائيل الموقعة عام 1994، والمعروفة باسم «اتفاقية وادي عربة». يعتبر الأردن أن استقرار الضفة الغربية وحقوق الشعب الفلسطيني جزء لا يتجزأ من أمنه القومي، وقد أبدت الحكومة الأردنية رفضها التام لخطط الضم الإسرائيلية. يخشى الأردن من أن يؤدي هذا التوجه إلى تصعيد التوترات وزيادة الضغوط السكانية، مما قد يؤثر على استقرار الأردن الداخلي ويعزز مشاعر العداء الشعبي تجاه إسرائيل.
يعد ضم الضفة الغربية تهديدًا لأمن المنطقة واستقرارها، حيث يزيد من حالة التوتر ويفتح الباب أمام اندلاع موجات جديدة من العنف. فالضم قد يدفع الفصائل الفلسطينية المسلحة إلى تصعيد عملياتها ضد إسرائيل في محاولة لمقاومة هذه الخطوة، وقد يتطور الأمر إلى اندلاع مواجهات واسعة تؤثر على المدنيين وتؤدي إلى موجات نزوح جديدة.
إضافة إلى ذلك، فإن ضم الضفة قد يدفع دولاً إقليمية إلى اتخاذ مواقف متشددة ضد إسرائيل، مما قد يزيد من تعقيد الوضع الأمني ويضعف فرص التعاون بين إسرائيل وجيرانها. كما أن استياء المجتمع الدولي من خطوة الضم قد يؤدي إلى زيادة العزلة الدبلوماسية لإسرائيل ويؤدي إلى فرض عقوبات دولية، مما يؤثر على استقرار المنطقة بأكملها.
يترتب على الضم تكاليف اقتصادية واجتماعية باهظة. من جهة، سيؤدي الضم إلى تعطيل الاقتصاد الفلسطيني الذي يعتمد بشكل كبير على التجارة والعمل داخل إسرائيل، مما سيفاقم من معدلات البطالة والفقر بين الفلسطينيين. كما ستزيد القيود المفروضة على حركة الأفراد والبضائع، مما يحد من قدرة الفلسطينيين على ممارسة حياتهم الاقتصادية ويزيد من معاناتهم المعيشية.
من جهة أخرى، ستواجه إسرائيل تحديات اقتصادية كبيرة جراء تحملها تكاليف إدارة الأراضي المحتلة وتوفير الأمن للمستوطنات وتوسيع البنية التحتية فيها. بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي الضم إلى تقليص حجم الدعم المالي الدولي الذي تتلقاه إسرائيل من بعض الدول والمنظمات، حيث سترى العديد من هذه الدول أن ضم الضفة يمثل خرقًا للمواثيق الدولية، مما يدفعها إلى إعادة النظر في دعمها الاقتصادي والسياسي لإسرائيل.
يشكل ضم الضفة الغربية انتهاكًا خطيرًا لحقوق الإنسان، حيث سيؤدي إلى زيادة معاناة الفلسطينيين بسبب تشديد القيود على حركتهم ومصادرة المزيد من أراضيهم لصالح المستوطنات. يعاني الفلسطينيون من قيود مشددة على حرية التنقل والعمل والحصول على الخدمات الأساسية مثل التعليم والرعاية الصحية، وسيؤدي الضم إلى مضاعفة هذه المعاناة، حيث سيتم دمج الأراضي المستهدفة بالضم تحت سيطرة إسرائيل، مما يزيد من تهميش الفلسطينيين ويعزز من حالة الفقر والحرمان في صفوفهم.
كما أن الضم قد يؤدي إلى تهجير آلاف الفلسطينيين من أراضيهم أو منازلهم في المناطق المهددة بالضم، حيث سيتم توسيع المستوطنات على حساب التجمعات السكانية الفلسطينية. وسيشكل هذا التهجير انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان وسيؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني في الضفة، وسيزيد من وتيرة النزاع ويغذي الشعور بالظلم والعداء، مما يجعل حل الصراع أكثر تعقيدًا. 
أخيرا: يعد ضم الضفة الغربية تهديدًا حقيقيًا ليس فقط على فرص حل الدولتين، بل أيضًا على الأمن والاستقرار في المنطقة ككل. إن هذه الخطوة تتعارض مع كافة المواثيق الدولية واتفاقيات السلام المعقودة بين إسرائيل والفلسطينيين، وتضع عقبات أمام أي جهود مستقبلية للتوصل إلى حل سلمي وعادل. يتطلب تحقيق سلام دائم ومستدام احترام حقوق الشعب الفلسطيني وتجنب الإجراءات الأحادية التي تزيد من حدة الصراع.