الغد-تقرير – (أحوال تركية) 4/2/2021
أنقرة- تتعامل الرئاسة التركية مع فكرة تعديل الدستور باستهانة واستخفاف، ويحاول الرئيس، رجب طيب أردوغان، أن يفرض على المشرعين الأتراك وعلى الشعب التركي رؤيته السياسية، وكأن الدستور التركي تابع لقراره السياسي ورغباته الشخصية، ولا يجب أن يكون نابعاً من حاجة وطنية وتاريخية، بحسب ما يؤكد معارضون أتراك.
يلفت محللون إلى أن الرئيس التركي ينظر إلى احتمال فرض دستور جديد وكأنه مقبل على تغيير وزارة بمرسوم رئاسي، وما على الآخرين إلا الالتزام بما يفرضه أو يقترحه، كأنهم دمى بيده لا حول لهم أو قوة، أو كأن الدستور التركي أداة للعبث والتحايل على المواطنين، وليس لتنظيم شؤون البلاد والعباد.
يأخذ معارضون أتراك على أردوغان تجاهله لفصل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، ومساعيه الدائمة لاحتكارها وجمعها في يده، وإلغاء أي سلطة تتعارض مع سلطته الفردية المطلقة، والتي تمضي بتركيا من أزمة إلى أخرى.
ولا يغفل أردوغان عن سوق عدد من الذرائع أثناء حديثه عن ضرورة تغيير الدستور، ويستعجل الفكرة لينسبها إلى نفسه، ويغطي على المعارضة التي كانت تعمل بهدوء على طرح فكرة إعداد دستور شامل للبلاد يعود بها إلى النظام البرلماني، ويخلصها من حكم الرجل الواحد.
وكي يقطع الرئيس التركي الطريق على قوى المعارضة للتحالف والوقوف كجبهة موحدة ضده في الانتخابات المقبلة في 2023، فإنه يحاول التسلح بورقة الدستور، ويعمل على إدخال تعديلات يراها مناسبة له، تخدم أهدافه الشخصية وطموحاته في تكريس سلطته التي يصفها معارضوه بالاستبدادية.
ويأتي تحرك أردوغان لسحب الورقة الدستورية التي توصف بأنها رابحة من المعارضة التي كانت تستعد لتشكيل لجنة دستورية مشتركة للانتقال إلى نظام برلماني بعد الانتقال إلى دستور جديد.
يلقي أردوغان باللوم على المعارضة التي اتهمها بعرقلة وضع دستور جديد، وقال: “كنا قدمنا سابقاً مبادرة لصياغة دستور جديد، ولكن لم نصل إلى نتيجة بسبب رفض حزب الشعب الجمهوري، والآن حان الوقت مجدداً لمناقشة وضع دستور جديد لتركيا”.
ويبدو أن استراتيجية “الأصدقاء” التي اعتمدها زعيم حزب الشعب الجمهوري في الانتخابات المحلية العام 2019، والتي حقق بها النجاح بالتحالف مع الحزب الصالح، وحزب السعادة، وبشكل غير مباشر حزب الشعوب الديمقراطي، في الانتخابات المحلية 2019 في عدد من المدن الكبرى، وبخاصة إسطنبول وأنقرة، تزيد منسوب الخوف لدى الرئيس التركي الذي يخشى أن يوسع كليجدار أوغلو تحالفه أثناء ذهابه إلى انتخابات العام 2023، ويضم إليه حزب المستقبل وحزب الديمقراطية والتقدم.
وبحسب الكاتب عبدالقادر سيلفي في مقال له في صحيفة “حرييت”، فإنه مع الاستفتاء على الدستور الذي يقترحه أردوغان، هناك خطوط حمراء، منها النظام الرئاسي، والهيكل الحكومي الموحد، وقال إنها “لا توجد فكرة أنه يجب التخلي عن نظام الحكم الرئاسي الذي تقبله الأمة. لأنه قيل إنه مع الاستفتاء الدستوري أنهت أمتنا مناقشة النظام واتخذت خيارها لصالح النظام الرئاسي. وتم الحفاظ على النظام الرئاسي للحكومة والهيكل الوحدوي للدولة والمواد الأربع الأولى من الدستور”.
وقال أردوغان يوم الاثنين إن الوقت قد حان لنتحرك من أجل إعداد دستور جديد، وأشار إلى أن “مصدر مشكلات تركيا بالأساس هو الدساتير التي أعدها الانقلابيون منذ العام 1960”. ولفت إلى أن حكومته بدأت بالفعل على إعداد دراسة شاملة لحزمة الإصلاحات التي تتضمن فلسفة وأهداف دستور تركيا الجديد، وأنها ستُعلن تلك الحزمة قريباً بعد الحصول على موافقة شريكه في الائتلاف الحاكم؛ حزب الحركة القومية اليميني المتطرف.
وركز أردوغان على شفافية النقاش بخصوص الدستور الجديد، وضرورة “أن يُعرَض لتقدير الشعب”، وقال “إن صياغة دستور ليست عملاً يمكن القيام به في الخفاء وتحت ظل الفئات المرتبطة بالتنظيمات الإرهابية، ومع أسماء عقولُهم وقلوبهم منفصلة عن وطنهم”.
واعتبر وزير العدل التركي عبد الحميد غول تأكيد الرئيس رجب طيب أردوغان بخصوص الدستور الجديد “بشرى باعثة للحماسة للجميع”. وأكد أن “إعداد دستور جديد ومدني وديمقراطي والذي يعد أحد الأهداف الرئيسية لإصلاحنا القانوني، سيكون أثمن إرث نتركه لمستقبلنا وأطفالنا”.
وأكد زعيم حزب الحركة القومية التركي دولت بهجلي يوم الثلاثاء الماضي حاجة البلاد إلى دستور جديد، وأن حزبه يؤيد هذه الرؤية. وقال في بيان للحزب: “من الواضح أن تركيا بحاجة إلى دستور جديد، وإن هدف ومنظور وفكر حزب الحركة القومية يصب في هذا الاتجاه”.
يشار إلى أن أول دستور لتركيا كتب في العام 1921 قبل تأسيس الجمهورية التركية الحديثة، وتم العمل على كتابة دستور جديد في العام 1924، أي بعد تأسيس الجمهورية، واستمر العمل به حتى العام 1961، حيث عملت السلطات التي نتجت عن انقلاب 1960 على كتابة دستور جديد، وبعد انقلاب العام 1980 تمت كتابة دستور جديد فيى العام 1982 بدفع من السلطات الانقلابية.
وأدخل الرئيس التركي تعديلات على الدستور في 2017، وعرضها في استفتاء شعبي، ليقر الانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئيسي، في خطوة وصفت بأنها منحته صلاحيات واسعة استخدمها في التنكيل بخصومه، ودفع البلاد إلى هاوية الديكتاتورية، بحسب ما يشير معارضون أتراك.
وعلى الرغم من قيام حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه أردوغان بالإشراف على إدخال تعديلات على الدستور في الأعوام 2007 و2010 و2017، إلا أن التعديلات التي كانت تأتي تحت حجج “تحييد الجيش عن التدخل في الحياة السياسية للبلاد، ولتعزيز الديمقراطية والحريات ولتهيئة تركيا لدخول الاتحاد الأوروبي”، لم ترضِ رغبة أردوغان بالانتقال إلى حكم مطلق يكفل له الهيمنة على جميع مفاصل الدولة، لذلك تراه يحاول أن يختصر مشكلات تركيا في “الدساتير التي أعدها الانقلابيون منذ العام 1960″، بحسب تعبيره.
جدير بالذكر أن الدستور الحالي هو الدستور الذي وضعته العام 1982 السلطات التي قامت بالانقلاب العسكري العام 1980، ويتكون من 7 أقسام و155 مادة أساسية، إضافة إلى 21 مادة مؤقتة. ويمنع الدستور الحالي منعاً باتاً أي تعديل أو اقتراح على المواد الأربع الأولى من الدستور، التي تتضمن الأسس العامة للدولة التركية، والتي تشير إلى هوية الدولة والحقوق السيادية للأمة التركية وأجهزة الدولة الدستورية، ويعرف تركيا بأنها دولة قانون ديمقراطية وعلمانية واجتماعية.