عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    13-Sep-2023

الرفوف أم المجتمعات أحق بأبحاثنا؟*وفاء الخضراء

 الغد

تحفيز المجتمعات لإنتاج اقتصادياتها المعرفية والعلمية هو ما تحتاجه هذه المجتمعات من مؤسسات التعليم العالي. إذا لم تكن الجامعات قادرة على أداء أدوارها بشكل صحيح كروافع للبحث العلمي والتعلم، ومحركات للتقدم والتنمية، فلن تتمكن مؤسسات التعليم العالي من إحداث النهضة والتحديث المطلوبين في ظل ماراثون التحول العلمي والمعرفي العالمي. أصبحت اقتصاديات المعرفة مرتبطة بشكل وثيق بالإبداع والابتكار في إنتاج المعرفة من جانب وفي تقديم الحلول وضمان استدامة التنمية والتطور من جانب آخر. لا تتجلى قيمتها فقط في حل المشكلات، بل تظهر أيضًا في قدرتها على التفكير النقدي في المشكلة والتنبؤ بها واستباقها واقتراح حلول مبتكرة، مما يوجه المعرفة لتكون أكثر ارتباطًا واشتباكا بالواقع المعيش.
 
 
 
 الإطار العام للتفوق في الأبحاث في المملكة المتحدة، وبروتوكول التقييم القياسي في هولندا، وإطار التفوق في البحث في أستراليا، كلها أطُُر وُضعت لربط التميز البحثي بدوره الاستراتيجي المسؤول في التأثير على المجتمع. لم يعد البحث يُقيَّم فقط وفقًا لأهميته العلمية بل أيضًا وفقًا للقيمة التي يبدو أنه يُولِّدُها في تأثيره البناء في المجتمع وإحداث نهضته كما حدث في عدة دول مثل كوريا الجنوبية واليابان وسنغافورة وغيرها من دول العالم. في ألمانيا، يحتل التأثير على المجتمع الصدارة في أجندات صانعي السياسات وقطاعات تمويل البحوث. على سبيل المثال، تُجادِل وزارة التعليم والبحث الألمانية في ورقة سياسية بأنه يجب أن يكون هدف الوقوف على تحديات ومخاطر المجتمع وإيجاد حلول لها جزءًا من القيم العليا والسمعة العلمية للجامعات.
 
هذا التطور التدريجي للتأثير على المجتمع من خلال الأبحاث في مجالي الإنسانيات والعلوم الاجتماعية يمثل نموذجا مبدعاً سبقه تغيير في الفهم الفلسفي للعلاقة بين العلم والمجتمع. يمكن تلخيص هذا التحول بأنه تحول “من العجز إلى الحوار”، كما أظهرت بعض الدراسات. ووفقًا لهذا الرأي، لم يعد العلم يوفر المعرفة لحل النقائص المجتمعية أو التنموية أو التكنولوجية فحسب، بل يجب أن يطوّر أيضًا “معرفة اجتماعية قوية” جنبًا إلى جنب مع أصحاب المصلحة من الحكومة ومؤسسات المجتمع والقطاعات المعنية. يستدعي هذا التحول تصوُّرًا معينًا للارتباط الحيوي بين العلم والمجتمع. حيث يتطلب التأثير على المجتمع تفاعلًا وانخراطا ما بين أصحاب المصلحة من ناحية والجامعات ومؤسسات التعليم العالي من ناحية أخرى لإحداث “التفاعلات الإنتاجية والابتكارية” بين العلم والمجتمع وبناء نظام عضوي أخلاقي وخرائط قيم منبثقة منه تستطيع أن تُشكّل الثورات الصناعية والتكنولوجية المتلاحقة وتؤثّر عليها لتكون صديقة للمجتمعات وكوكب الأرض وتمنع من أن تتحول الى معول هدم يهدد البقاء البشري.
الأبحاث في العلوم الاجتماعية والإنسانيات تلعب دوراً بارزاً في إنتاج المعرفة العلمية، سواء كعنصر ذي تأثير علمي وكعنصر ذي تأثير في المجتمع.  وذلك ليس فقط من خلال نظرياتها ومساهماتها العلمية، بل أيضا من خلال القيمة التي يمكن أن تضيفها للمجتمع. إن نقل المعرفة في أبحاث الإنسانيات والعلوم الإجتماعية وتحريكها، من خلال إنشاء محركات ومسرعات داخل الجامعات لتحويل البحث العلمي إلى خطط تطبيقية ومسارات، من شأنه أن ييني ويعزز التنمية والتطور والابتكار والإبداع في المجتمعات.
أهمية البحث في العلوم الاجتماعية والإنسانيات تتجاوز حدود النظريات والمفاهيم المعرفية لتمتد وتشمل تحليل وفهم القضايا والتحديات الحقيقية التي يواجهها مجتمعنا. وتسعى لتقديم حلول فعالة إن تم الاستفادة منها بشكل بنيوي لتضع حلولا لمشاكل الفقر والبطالة والظواهر الاجتماعية المؤرقة. وبهذه الطريقة، تبرز هذه الأبحاث كدافع قوي نحو التنمية والنهضة الاجتماعية. إذ تسهم في تحسين جودة الحياة للأفراد والمجتمعات، وتعزز فرص النمو والازدهار. 
التنسيق والتعاون بين مختلف الأطراف، بما في ذلك الحكومة والجامعات والصناعات، يلعب دوراً حاسماً في تعجيل وترسيخ عملية تحويل البحث الأكاديمي إلى مشاريع تنموية فعّالة وتوجيه نتاجات وتوصيات هذه الأبحات نحو المجالات التي تلبّي احتياجات وتطلعات المجتمعات وتساهم في تحسين الظروف المعيشية وتعزيز الاقتصاد التنموي وسوسيولوجياته. إضافة إلى هدف محوري آخر يتمثل في تقليل الفجوة بين البحث النظري وتطبيقاته العملية في الميدان.
تحويل البحوث من مجرد دراسات موجودة على الرفوف إلى بحوث تترك أثراً إيجابياً في المجتمع خطوة جوهرية في مسار الأردن للتحديث.