عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    14-Nov-2024

الرئيس ترامب والملك لير| د.جواد العناني

العربي الجديد

د.جواد العناني


سنخرج قليلاً عن التحليلات الاقتصادية السياسية البحتة، ونحاول أن نفهم شخصية الرئيس الأميركي المنتخب لفترة ثانية تمتد من 20 يناير/ كانون الثاني 2025 حتى 19 يناير 2029. وقد بدأت أتسلى في التعرف على الرجل وأسرته، وتذكرت وأنا أقرأ عنه مسرحية "مأساة الملك لير" التي اصطلح على تسميتها "الملك لير"، والتي ربما تكون من أعمق ما كتبه وليم شكسبير.

حسب مسرحية شكسبير، فإن الملك لير قد أنجب ثلاث بنات هن جونيريل (Goneril)، وريغان (Regan)، والأخيرة الصغرى كورديليا (Cordelia). ويقال إن شكسبير قد بنى مسرحيته التراجيدية على الملك الأسطوري، لير الإنكليزي. وقد رُسمت ملامح شخصية لير في المسرحية على أنها لا تخلو من حكمة، ولكنه يحب المديح كثيراً، ويطرب له، ولم يكن يقبل عن الإطناب في مديحه بديلاً. واعتبر أن من لا يجزل له المديح مقصر في ولائه له ويجازيه على ذلك بالإقصاء.

وإعداداً للمستقبل، خاصة عندما يقارب الشيخوخة، يتخذ الملك لير قراراً مهماً، فهو يريد تقسيم مملكته بين بناته الثلاث مقابل أن يظهرن ويكِلن المديح المفرط له. فتقوم بذلك ابنتاه الكبريان عن رضا وحماس، مما جعله يمنح كلاً منهما ثلث مملكته. أما الصغيرة كورديليا التي تحب أباها حباً جماً، فيثقل لسانها عن المديح الكاذب، وتقول له إن حبها له يجب ألا يقاس بالمديح فائق الحلاوة. ولكن الملك لير لم يعجبه ذلك، وأبقى الثلث الأخير لها كما وعد، ولكنه قرر أن يقاطعها، ولا يزورها.

ولما شاخ واحتاج إلى من يعتني به، ذهب للإقامة لدى ابنته الكبرى التي استقبلته في البداية، ولكنها سرعان ما ملَّت من وجوده، وتغير سلوكها على خلاف ما كان يتوقعه منها. ولما زار أختها الثانية وجد منها المعاملة نفسها. وعزت نفسه عليه، فآثر أن يُقصي نفسه في مكان ناءٍ عن كل بناته. ولما سمعت الصغرى كورديليا سارعت إلى أبيها ومنحته الرعاية والحب. وعاملته بالإحسان الذي لم يتوقعه منها خاصة في كبره وعجزه.

وتستمر القصة، حيث تتحول إلى صراع كبير وحرب طاحنة، حين يحاول أعداء الملك لير أن يستغلوا الوضع لصالحهم، مما أدى إلى قتل وتشريد وهزيمة ومآسٍ كثيرة. وأصابه الندم الشديد على ما فعله. ويصف شكسبير على لسان أحد أبطال القصة الوضع الذي وصلت إليه أمور الملك لير قائلاً "ما كان عليك أن تصل إلى هذا العمر قبل أن تملك الحكمة التي يؤهلها لها ذلك العمر".

وينتهي المطاف بالملك لير لينصح ابنته الصغرى بما تعلمه من دروس الحياة، وهو يعاني من زفرات الموت "امتلك أكثر مما تظهره للناس، وتكلم بأقل مما تعرف، واقرض الناس بأقل مما تملك".


ودونالد ترامب الرئيس الأميركي المنتخب قد تزوج ثلاث مرات. وأنجب من الأولى، إيفانا، ولدين وبنتاً. والولدان هما دونالد الابن وإيرك وابنته إيفانكا وهي التي لازمته طول حملته الانتخابية عام 2016 حتى فاز بها، وكانت معه طوال رئاسته. وساهمت هذه العلاقة في أن يستلم زوجها جاريد كوشنر صاحب المشروع الاقتصادي حل أزمة الشرق الأوسط. ولكن لما فشل ترامب الرئيس في حملته الانتخابية عام 2020 وخسر الرئاسة للمرشح الديمقراطي جو بايدن، فقد تجلت أمام الناس كلهم نرجسية الرئيس ترامب ورفضه أن يهنئ الفائز، وتمسك برأيه بأن أحداً قد عبث باستمارات الانتخابات التي سماها الانتخابات المصطنعة أو Fake elections، وصار يستخدم كلمة Fake ليصف بها الأنباء الصادرة عن محطات التلفزة والصحف الكبرى، والمواقع الإخبارية. وسمى كل شيء لم يوافق هواه بهذه اللفظة.

أما زوجته الثانية فقد أنجبت له ابنته الثانية تيفاني، والبالغة من العمر حوالي 34 عاماً. وقد كانت إيفانكا وأختها تيفاني صديقتين متفاهمتين، وعملتا معاً. ولكن تيفاني تعرفت إلى مايكل بولس، ابن بليونير أميركي من أصول لبنانية. وقد قام بولس وابنه بدعم حملة ترامب الانتخابية هذا العام. وتمكّنا من ترتيب لقاءات عفوية مع الجالية العربية والإسلامية في كثير من الولايات المتأرجحة مثل ميشيغن وويسكونسن ومينسوتا وبنسلفانيا وجورجيا. ولو صوَّت هؤلاء مع كامالا هاريس لكانت هي الفائزة بالانتخابات، لأن الأصوات العربية والإسلامية التي خسرتها هاريس كانت أكبر من فرق عدد الأصوات التي جعلت ترامب يفوز.

وقد بقيت تيفاني مع أمها التي أخذتها لتعيش معها في ولاية كاليفورنيا بعد طلاقها من زوجها. ولم تكن على علاقة حميدة مع والدها، وظلت العلاقات بينهما مقطوعة حتى حصلت تيفاني على شهادة المحاماة من جامعة جورج تاون، وأرسل لها والدها رسالة يهنئها فيها على نجاحها الباهر. وأخيراً توطدت العلاقة بين الاثنين، بعدما تبين أن تيفاني ستنجب له حفيداً من أصول لبنانية، لأنها حامل بابن زوجها مايكل بولس.

ولن يقف الأمر عند هذا الحد، بل إن الأخبار التي تتداول الآن حول التعيينات ترجح أن يكون مسعد بولس والد زوج تيفاني، هو المرشح ليكون مبعوث الرئيس ترامب إلى لبنان، أو مبعوثه إلى الشرق الأوسط.

وإذا صح هذا الكلام، فإن الأختين إيفانكا وتيفاني ستواجهان أدواراً متنافسة، إن سعت إيفانكا وزوجها لاستعادة دورهما في المفاوضات التي تؤدي إلى وقف القتال في غزة وجنوب لبنان، وعلى الجبهات الأخرى، وإلى لعب دور في وضع ترتيبات سلميّة لضمان الهدوء والأمن على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، وعلى حدود قطاع غزة.

ولا يبدو أن السجلات تظهر أي علاقات بين أسرة بولس من مدينة هيوستن في تكساس وبنيامين نتنياهو وزوجته سارة، علماً أنهما لا يزالان صديقين حميمين لإيفانكا وزوجها كوشنر. هل سيقبل نتنياهو بهذا الأمر؟ لأنه قد يكون أحد العوامل التي ستضع ضغوطاً إضافية على رئيس الحكومة الإسرائيلية المتطرف، لكي يزال عن طريق المفاوضات، لأنه أكبر مخرب ومشوش لعملية السلام.


لقد بات من الواضح إلى حد كبير أن الدور الأميركي سيبقى الأساس في أي تسويات طويلة الأمد، ولأن الرئيس الأميركي العائد يؤمن بالتسويات على مقاسه، فإنه سيختار الذين يعملون معه ممن هُم على شاكلته. فالرجل لا يؤمن، خاصة في رئاسته الثانية، بأن ترف الوقت لمفاوضات معقدة طويلة متاح لديه. ولذلك سيجند كل طاقته وطاقة من يقفون معه من العرب والإسرائيليين ممن يعملون على وضع حلول معقولة من أجل أن ينهي الأمر. وحيث إن مشروع صفقة القرن قد انتهى بشكله السابق، وإن المنطق سيفرض تحسينات عليه مقبولة شعبياً، فإن دور آل كوشنر سيؤول إلى آل بولس.

وبمعنى آخر، فإن الصراع العربي الإسرائيلي الذي لن تحل عقدتهُ الدماء والدمار اللذان تحدثهما الآلة العسكرية الإسرائيلية بدعم أميركي في غزة ولبنان، ولا حتى الحلول الاقتصادية البحتة، ولكن يمكن حله ولو لفترة زمنية معقولة بإرادة أميركية صارمة مؤمنة بضرورة الحل، واستخدام طريق الإسكندر المقدوني عندما جلبوا له الحبل الذي يحتوي على "عقدة غورديان" الأسطورية. وقالوا للإسكندر إن أحداً لم يستطيع فك هذه العقدة، فأخرج سيفه وضرب العقدة به، وقال: "أنا الإسكندر أستطيع حلها بهذا السيف".

إذن، فبعد أن وثق ترامب بابنته إيفانكا من زوجته الأولى، ثم تبيّن له لو أن ودها وزوجها كانا مكرسين لصالحهما، فقد قرر العودة إلى ابنته الثانية تيفاني التي قاطعت والدها، ولكنها على ما يبدو عادت واصطلحت معه.

الملك الأميركي المعاد انتخابه سيرجع إلينا بنموذج جديد، على الأقل هذا هو الأمل. سبعون في المائة من يهود أميركا لم يصوتوا له، بينما ساهم الصوت العربي والمسلم بشكل لا غبار عليه في نجاح ترامب.

ولكنْ لترامب ممولون يهود مثل أرملة صاحب كازينوهات القمار الشهير شيلدون أدلسون، التي دفعت لحملة ترامب مائة مليون دولار مقابل أن يعترف بأن الضفة الغربية جزء لا يتجزأ مما يسمّى زوراً وعدواناً بـ"أرض إسرائيل".