عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    03-Dec-2024

مهرجان كرامة 2024.. السينما كأداة للنضال من أجل العدالة الإنسانية

 الغد- إسراء الردايدة

 "السينما ليست مجرد فن؛ إنها ذاكرة البشرية، وأداة لتعرية الحقيقة، وجسر يصلنا بأعمق زوايا الوجدان الإنساني". بهذا المفهوم، يتجاوز مهرجان كرامة لأفلام حقوق الإنسان، في دورته الخامسة عشرة، حدود الشاشة ليغدو منصة للنضال، نافذة تطل منها أصوات الشعوب المستضعفة، وحكاياتهم التي لم تُرو بعد.
 
 
 
تحت شعار "العدالة لشعوب جنوب العالم"، تتخذ هذه الدورة مسارا جديدا يعيد صياغة العلاقة بين الفن والنضال؛ حيث تصبح الأفلام خيوطا تنسج قصص القهر والمقاومة، وصرخات تدعو إلى تغيير واقع مليء بالظلم والاستغلال. في هذا العالم الذي غالبا ما يخفي الحقائق خلف عناوين عريضة، تعيد السينما الاعتبار للتفاصيل الصغيرة، للوجوه المنسية، وللأماكن التي تقاوم بصمت.
 
 
 
وتعد السينما من أقوى وسائل التعبير عن القضايا الإنسانية؛ حيث تتجاوز اللغة والجغرافيا والثقافات لتسلط الضوء على حقوق الإنسان، المساواة، والعدالة الاجتماعية. السينما ليست مجرد فن سردي، بل هي شهادة حية على النضال ضد الظلم وتوثيق للمعاناة والتحديات التي تواجهها الشعوب. مهرجان كرامة يجسد هذا المزيج بين الفن والرسالة الإنسانية، حيث يقدم منصة للأصوات المهمشة والقضايا المسكوت عنها.
 
 
العدالة كخيط ناظم للأفلام
الأفلام المشاركة تحت شعار "العدالة لشعوب جنوب العالم" تحمل في طياتها مجموعة من القضايا التي تتكرر عبر تنوع الأنماط السينمائية، مثل النضال ضد الظلم والاستعمار؛ حيث تظهر مقاومة الشعوب كصوت جماعي في مواجهة القهر وموضوع الهجرة واللجوء، وتسلط الأفلام الضوء على قصص النازحين والمهاجرين الذين يجدون أنفسهم في صراع مع الهوية والانتماء والعدالة البيئية التي تبرز الصراعات بين السكان المحليين والشركات الكبرى، فضلا عن الهوية والانتماء، حيث تعكس الأفلام البحث عن الذات والتحديات التي تواجه المختلفين في المجتمعات.
 
 
هذا التنوع يعكس غنى التجارب الإنسانية التي يسعى المهرجان إلى إيصالها، ويبرز أهمية السينما كأداة شاملة لرواية القصص وتحفيز التغيير.
 
 
السينما كأداة لإحياء القضايا المطموسة
وأكدت سوسن دروزة، مديرة مهرجان كرامة لأفلام حقوق الإنسان، في تصريح لـ"الغد"، أن المهرجان يهدف إلى تسليط الضوء على القضايا الإنسانية التي غالبا ما يتم تجاهلها أو تغييبها. وأشارت إلى أن السينما تمثل صوتا قويا قادرا على كسر الحواجز وكشف الحقائق المغيبة بفعل السياسة والمصالح الدولية.
 
 
"ما يحدث اليوم في فلسطين ولبنان من إبادة جماعية وظلم دولي يعكس معاناة أوسع لشعوب جنوب العالم. مهمتنا أن نروي هذه الحكايات، وأن نعيد إحياء النقاش حول العدالة المفقودة"، بحسب دروزة.
 
 
اختيار الأفلام: رسالة تدعو للنقاش
من جهته، أوضح إيهاب الخطيب، المدير الفني للمهرجان، أن اختيار الأفلام المشاركة تم بعناية لتجسيد ثيمة المهرجان لهذا العام. وأضاف: "الأفلام التسجيلية هي الأكثر قربا من الواقع، لذا ركزنا عليها بشكل كبير. الأعمال التي تعرض قضايا فلسطين ولبنان، إلى جانب أفلام من إفريقيا وآسيا وأميركا الجنوبية، تعكس تجارب إنسانية متشابهة. السينما هنا تفتح باب النقاش وتضع المعاناة في سياق عالمي يدعو للتفكير والتغيير".
 
 
ماراثون سينمائي يكشف قصصا محلية وعالمية
ويشير القائمون على المهرجان إلى أن هذه الدورة تقدم تجربة سينمائية مكثفة من خلال 99 فيلما، موزعة بين عروض أساسية وماراثون سينمائي خاص يقام في الثالث عشر من الشهر الحالي. وهذا البرنامج يتيح فرصة فريدة للجمهور لاستكشاف قضايا إنسانية متنوعة من خلال قصص تجمع بين البعدين المحلي والعالمي.
 
 
وفيما تعكس الأفلام المشاركة في المهرجان تقاطع المعاناة بين شعوب منطقتنا وشعوب جنوب العالم. وأوضح الخطيب: "الأفلام ليست فقط عن الألم، بل هي أيضا عن الأمل والمقاومة. نحن نعرض قصصا إنسانية توحد بين تجارب الشعوب، في محاولة لتحفيز التفكير والعمل نحو التغيير".
 
 
واختتمت سوسن دروزة تصريحها بتأكيد أهمية دور السينما في تعزيز الحوار الثقافي والإنساني، قائلة: "قد لا نكون قادرين على إحداث تغيير جذري، لكن المحاولة واجبة. السينما هي أداة لنقل الحقيقة، وهي قادرة على أن تكون منبرا للعدالة ومنصة للأصوات التي تحتاج إلى أن تُسمع".
 
 
الأفلام الوثائقية: حين تكون الحقيقة محور الحكاية
يفتتح المهرجان عروضه بالفيلم الوثائقي "حالة عشق: غسان أبو ستة" للمخرجتين كارول منصور ومنى خالدي، الذي يسلط الضوء على قصة حب معقدة تجمع بين الإنسان والوطن؛ حيث يغوص في أعماق العلاقات الإنسانية المتشابكة في ظل الحروب والهجرات القسرية. يتحدث الفيلم عن الشغف والصراع الداخلي الذي يعيشه الأفراد في مواجهة تحديات الهوية والانتماء، ما يجعله افتتاحا مثاليا لدورة العام الحالي، التي تركز على العدالة لشعوب الجنوب.
 
 
رحنا بس ما رحنا - لولوا خوري، لبنان، 2024
يصور الفيلم الحياة الممزقة للمغتربين اللبنانيين بين حنينهم للوطن وحياتهم الجديدة في الخارج. يقدم العمل معالجة بصرية مميزة للأماكن، متنقلة بين بيروت ونيويورك، ويثير تساؤلات وجودية حول الانتماء والهوية. قوة الفيلم تكمن في بناء المشاعر المركبة من دون الوقوع في المباشرة.
 
 
ذاكرة مهمشة - حياة لبن، فلسطين، 2024
من خلال عدسة المصور محفوظ أبو ترك، يأخذنا الفيلم إلى قلب الانتفاضة الفلسطينية الأولى، مستعرضا تحديات الصحافة تحت الاحتلال، التفاصيل الدقيقة للحياة اليومية تجعل العمل وثيقة إنسانية وسياسية معبرة. يعاني الفيلم من وتيرة بطيئة أحيانا، لكنه يعوض ذلك بقوته البصرية والمشاهد المؤثرة.
 
 
سفانا والجبل - باولو كارنييرو، البرتغال، 2024
يعكس الفيلم صراع السكان المحليين في قرية برتغالية مع شركة تعدين تهدد أراضيهم وبيئتهم. الفيلم يتناول العدالة البيئية كقضية محورية مع تصوير حيوي لعلاقة السكان ببيئتهم، لكنه يتطلب تركيزا أكبر على النواحي الإنسانية للشخصيات الرئيسية.
 
 
في ظل بيروت - ستيفن جيرارد كيلي وجاري كين، لبنان وإيرلندا، 2023
يتتبع الفيلم حياة أربع عائلات في أحياء صبرا وشاتيلا؛ حيث يصور تفاصيل البقاء وسط الانهيار الاقتصادي والصراعات الاجتماعية. الفيلم يمزج بين الحميمية والمعاناة، لكنه يترك المشاهد في مواجهة واقع قاس من دون إجابات أو حلول.
 
 
الملتقطون - إلكه ساس، ألمانيا، 2024
يرصد الفيلم معاناة العمال المهاجرين الذين يعملون في الحقول الأوروبية تحت ظروف قاسية ومن دون حماية قانونية العمل؛ إذ يتناول قضية الظلم الاجتماعي بشكل عميق، لكنه يحتاج إلى نظرة أكثر شمولية على النظام الاقتصادي ككل.
 
 
الأفلام الروائية: حكايات تلتقط نبض الإنسان
المتعاون - ترافيس هودجكينز، الولايات المتحدة والهند، 2024
فيلم يحكي قصة شاب كشميري يُجبر على جمع بطاقات هوية القتلى في حرب حدودية. يعكس الفيلم قسوة الحروب على الشباب الذين يجدون أنفسهم في مواجهة الموت والواجب. تفاصيل الرواية تزيد من قوة الفيلم، لكنه قد يكون ثقيلا على المشاهد بسبب واقعيته الصارخة.
 
 
آمنة - شماخ بوسلامة، تونس وسويسرا، 2024
يتقاطع فيه مسار عالم نباتات سويسري يعاني من الاكتئاب مع رحلة لاجئة تونسية وابنتها عبر الجبال. الفيلم يحمل ثقلا إنسانيا عميقا ويبرز العلاقة بين الطبيعة والهجرة، لكنه يحتاج إلى نهاية أكثر تأثيرا لترك انطباع دائم.
 
 
سعادة عابرة - سينا محمد، العراق، 2023
قصة زوجين مسنين يكتشفان الحنان لأول مرة بأسلوب بسيط لكنه مؤثر. الفيلم يركز على قوة الكلمات البسيطة وتأثيرها، لكنه يفتقر لبعض العمق في بناء الشخصيات الخلفية.
 
 
فانون - جان كلود بارني، فرنسا، 2024
يتناول سيرة فرانز فانون في سياق الحرب الجزائرية، مسلطا الضوء على نضاله ضد الاستعمار وأساليبه النفسية. الفيلم يعكس عمق الأفكار الثورية لفانون، لكنه يحتاج إلى تركيز أكبر على الجانب الإنساني للشخصية.
 
 
الأفلام التحريكية: خيال يكشف الحقائق
مجبور - غدير غسان أبو جاموس، الأردن، 2023
يحكي قصة طفلة تواجه التنمر بسبب تلعثمها، لكنها تجد في الغناء وسيلة لتحدي الواقع القاسي. الفيلم يقدم رؤية بصرية ملهمة ورسالة قوية عن تقبل الذات، لكنه كان يمكنه التعمق أكثر في صراعات الطفلة الداخلية.
 
 
الحالة الغريبة للقذيفة البشرية - روبيرتو فالنسيا، الإكوادور، 2023
فيلم رمزي يستعرض مجتمعا صغيرا يواجه غموضا كبيرا في قالب أقرب إلى الحلم. يثير الفيلم أسئلة كثيرة، لكنه يترك بعض القضايا من دون معالجة واضحة.
 
 
قبل الجنة - أحمد حيدريان، إيران، 2022
يعكس الفيلم جدلية بين الذاكرة والمحو من خلال رمزية رسومات الأطفال التي تواجه الطمس على الجدران. الفيلم يقدم سردا مؤثرا، لكنه يحتاج إلى بناء أعمق لشخصياته.
 
 
الأفلام القصيرة: قصص مكثفة تعكس الحياة
تسلح كريستوفر - إليز أملارد، فرنسا، 2024
يتناول صراعات الهوية الثقافية للشباب في بيئة مضطربة. يقدم العمل معالجة حساسة، لكنه قد يكون بحاجة إلى توسيع الفكرة الرئيسية لتشمل أبعادا اجتماعية أكبر.
 
 
خارج المعركة - جعفر فادي العسال، لبنان، 2023
يحكي قصة صحفيين يجدان نفسيهما في قلب الصراع الذي جاءا لتوثيقه. الفيلم يعكس صراع الصحافة بين المهنية والخطر، لكنه يترك النهاية مفتوحة على الغموض.
 
 
الفقير - دورفا ناندابوركار، الهند، 2024
يعكس واقع الطبقات الدنيا في الهند من خلال قصة طفل يواجه خيارات قاسية. العمل يعبر بصدق لكنه يفتقر إلى توازن بين العمق الإنساني والطرح الاجتماعي.
 
 
15 عاما من نضال مهرجان كرامة
في العام 2010، ولد مهرجان كرامة كمنصة صغيرة تسعى لاستخدام السينما كوسيلة للتعبير عن قضايا حقوق الإنسان، حيث بدأت الفكرة بجمع أفلام تناقش مواضيع مثل العدالة، الكرامة، النضال ضد الاحتلال، وأزمة اللاجئين. منذ ذلك الحين، أصبح المهرجان إحدى أبرز الفعاليات السينمائية في العالم العربي، مقدما مساحة لتكريم النضالات الإنسانية وعرض الأفلام التي تكسر حاجز الصمت عن المظالم الاجتماعية والسياسية.
 
 
وعلى مدى 15 عاما، أثبت مهرجان كرامة أن السينما ليست فقط أداة لفهم العالم، بل أيضا لتغييره. إنها لغة عالمية قادرة على جمع الناس حول القضايا الكبرى، وإلهامهم لاتخاذ خطوات عملية نحو العدالة. في عصر باتت فيه العدالة نفسها موضع نزاع، تأتي الأفلام التي يعرضها مهرجان كرامة كتذكير بأن الفن يمكن أن يكون منبرا للمقاومة، وجسرا نحو عالم أكثر إنصافا وكرامة.