الغد
بمفهوم التقدم المادي أو الخارجي في هذا العصر قلما نرى التخلف في أي بلد عربي في ميدان، فأنت إذا زرت عاصمة أو مدينة عربية ليلاً تندهش من توهجها الكهربائي وكأنك في نيويورك أو لندن أو باريس. كما أن ملامح هذا التقدم المادي أو الخارجي لا تتوقف عن الوصول، فقد وصلت السيارات الكهربائية إليها وستصل قريبا السيارات ذاتية القيادة. كما يحمل كل واحد/ة فيها هاتفا ذكيا بين يديه أو في جيبه، فماذا يريد الناس تقدما أكثر من ذلك.؟!!! إذن فنحن من الخارج أو لعين الزائر نبدو متقدمين مثل أكثر الدول أو البلدان تقدما في العالم، فما المشكلة؟ ولماذا الشكوى؟ فكلوا واشربوا واشكروا.
وأضاف محدثي الخبير التربوي السابق في ألكسو: لكن هذا التقدم الخارجي يخفي تخلفا ضخما ما يزال مستعصيا علينا، ولا نبذل الجهد الكافي للتغلب عليه مرة وإلى الأبد وهو في الحقيقة الدليل الخفي القوي على انحطاطنا العربي العام به، وهو غياب النظافة العامة في المرافق العامة، وفي الحمامات (المراحيض) خصوصاً والشوارع والأزقة: شعوب ترفع حديث النظافة من الإيمان ولكنها لا تؤمن فعلا بالنظافة العامة لأنك لا تراها في مرفق عام. إنها منعدمة تماماً، وبخاصة في المدارس والمعابر الحدودية البرية والبحرية والجامعات والدوائر والوزارات والأفران والمطاعم.. ما عدا - الخاصة بالمدير أو الرئيس أو الوزير..- فلا يعرف أي منهم الحقيقة المرة في إدارته وهو غيابها، ولا يعاني منها لأنه لا يطلع عليها، فيمضي وكأن الأمور عنده عال العال.
المصيبة أن كل واحد/ة منا يعرف ذلك ويسكت عليه، وكأنه مشارك فيه ومن ذلك أن المعنيين وبخاصة في المدارس.. أعني المديرين والمديرات والمعلمين والمعلمات لا يصرون على النظافة العامة لحماماتهم، ويتركون الأطفال يتعذبون بأوساخها ما دام المرحاض الخاص بالمدير/ة أو المعلمين أو المعلمات سالكا، كما لا يعلمون النظافة العامة للأطفال. ولا يجبرون الأذنة (عمال النظافة) في مدارسهم على القيام بواجبهم في نظافتها، لأنهم أبناء ناس ذوات عينوا بالواسطة في المدرسة وصاروا يديرونها لهم، فيتركون الوسخ يمتد من الحمام إلى خارجه. وبالألفة يصبح الأمر عادياً فلا ينتبه إليه أحد. كما لا يحتجج الأهالي على هذا الوضع الكارثي الذي يعاني منه أطفالهم في المدرسة. أما الإعلام فلا دخل له بهذا الأمر، فلا يجعل من النظافة العامة قضية عامة.
وأضاف: وعليه أتحدى كل حكومة عربية تتحدث عن التحديث والمشروعات أن ترسل فريقاً صحياً نزيهاً مختصاً للتفتيش على هذه الحمامات في جميع المرافق العامة وبخاصة في المدارس، والمعابر، والجامعات، والأفران والمطاعم.. وأن تقدم تقريرا وينشر بما رأت عيناه. فلعل ذلك يوقظ النائمين ويمهد الطريق لانطلاق النظافة العامة في البلاد. كما يجب انشاء إدارة خاصة بالنظافة العامة في البلاد للتفتيش والملاحقة ذات صلاحيات قانونية فاعلة، فالانضباط المروري – مثلا – ليس أهم من النظافة العامة، ولا أكثر ضرورة.
وأختم: لعل الفرق الحضاري (الثقافي/الخفي) لا المدني المادي الخارجي أو الظاهر بينا وبين النظيفين يكمن في عادية النظافة العامة عندهم وفي خصوصيتها عندنا، وكأن النظافة العامة عدو للعربي، أو لا تعني كل واحد/ة منهما، ولذلك يشارك كل منهما في إهانتها وتدميرها، وهنا يكمن تخلف العرب الحضاري/ الثقافي أي عندما تهيمن الوساخة العامة على العام أو المشترك الأعظم بيننا، وتنتقل من المراحيض إلى العقول والعلاقات. وربما تكون في نهاية التحصيل السبب الرئيس لهزائم الأمة أمام العدو العام أو المشترك.