أحمد سلامة يكتب: من دونك .. عمان ناقصة
عمون -
أحمد سلامة
يا روح القاع في عمان.. ايها الطيب الذي جعلت بسمتك وكرمك قاع عمان قمتها …
ايها الصديق الحميم ابو علي الذي جعلت من كشك المعرفة عندك قصرا للثقافة، ودورك تمادى بالحب فاضحيت انت وزير الثقافة الحقيقي حين قررت الدولة ان تكون وزارة الثقافة فيها( جائزة ترضية ).
ابا علي …. بهذا اليسر رحلت عنا ؟! بهذا النبل اخترت الصمت الابدي.
لمن تركت قاع عمان يا صديقي ولمن تركت الغلابة الذين يأوون لقلبك؟ اين سيذهب جمال زهران وصحبه ؟
ايها الحب.. ايها الصديق الذي جعلت من غار الثقافة، بضحكتك البهية بمثابرتك الصادقة التي لم يتخللها اي تزوير او نفاق لحب عمان، بابا للحرية وبوابة للوعي.
يا من أنت حبيبي.. سأروي قصتك اليوم.
ذات ليل في مطلع ثمانينات القرن الماضي، كانت الصحافة المطبوعة في عمان قارؤها الاول سيدنا الحسين، وداعمها الاول سيدنا الحسين، ومصوب اخطاءها سيدنا الحسين..
وكان ربانها احكي عن الرأي وليعذرني الزملاء عملاق الصحافة الوطنية جمعة حماد.. اوف اقسم ان يدي ترتجف وانا اكتب عنه لسحر تاثيره ما زال فينا …
…
ومحمود الكايد حارس بوابتها كان الرجال أولئك نفر ممن اسعف الله الوطن بهم، قبل ان تذل الغربة التي يغمس بها الصحاب من الجيل الجديد لقمة عيشهم ( بخسة الشتائم من بعيد ) ويسمون انفسهم ( اعلام جديد ) !!؟؟؟
تعرفت على حسن ابو علي اول الدهشة العفوية في بيع الصحف، واحد اركان اللعبة الخفية لجمعة حماد ( التوزيع يا سلامة هو المانشيت بمرتبة واحدة ). من يسوق الصحافة على مقدار من يصنعها هكذا علمنا المهنة صعودا درجة درجة
ودمعة دمعة. وكان ابو العزم يقول ( اعطوا ابو علي ما يبتغي ) .
ذات ليلة في ليالي الراي المقمرة جاء ابو علي لمكتب الاستاذ (كان الاستاذ لقبا لجمعة حماد و لرجا العيسى يرحمهما الله ولقب المعلم لمحمود الكايد) اي مكتب جمعة حماد ( صومعة الموزعين واول المؤازرة لهم والعلاقة السرية الذي يجمعهم يوم الجمعة على مناسف جبري دون ان يحضر احد غيرهم، ويتفقد احوالهم ويعرف اسماء ابناءهم، ويمدهم من ماله الحلال سرا وعلانية ليلبي كل احتياجاتهم.
كان ابو علي في قلب القلب عند الاستاذ وعرفني عليه. من يومها اضحت علاقتي بالكشك شريكا
لا طالبا في الجامعة اذهب له كل مطلع شهر فاشتري كتبا منه هو يدسها لاحبته بطريقته الخاصة
صرت زميلا له في مهنة الصحافة وقال لي استاذي جمعة دير بالك يا احمد ع ابو علي هذا ولدي، وصدعت لامره طوال عمري ايها الصديق.
ومرت الايام، وتنحى الاستاذ بعيدا عن الراي راغبا بالهناء بعيدا عن مهنة المتاعب. وغادر ابو العزم عرينه الدائم الى البيت على حواف فك الارتباط.
وفجاة اندلعت معركة ازالة الكشك من دخلة حبيبة
وكان دولة عبد الروءوف الروابدة لا يساوم ولا يتراجع في قراراته وهو الامين على عمان.
حضر ابو علي ل الراي مستجيرا بحاضنته. وقال لي وانا اجالسه مع مجيد عصفور وعمر عبندة بحياة ربكم ما تهدموا الكشك لانني ان انتقلت من مكاني أموت.
وحلفني بروح سعيد الطباع الا تخذلني يا احمد
كنت الكاتب والصحفي الدائم لخوض معارك الامين ابو عصام بدون تردد على صفحات الراي
وكدت ان ازل فاتوهم انني تدخلت لدى معالي الامين بهندسة واعادة احياء وترتيب بعض العلاقات مع الصحفيين، ووقعت واقعة حينها بين الشاعر الامين على الوطن ، والامين على عاصمة العرب في عشاء رتبناه في بيت فخري قعوار وكادت تلك الجلسة ان يترتب عليها قصة ضارية. لكن مجيد عصفور وانا اخذنا الموقف الحق والموقف الصدق
تلك حكاية سارويها في كتاب باشرت اعداده عن الصحافة ايام زمان.
قال لنا ابو علي ، معالي ابو عصام بدو ييتمني يا جماعة ، انا هذا المكان اعيش فيه وانا ابن ١١ عاما
وقد كنت انام في دكانة الرجل الطيب سعيد الطباع المجاورة وانا ابيع الجرايد صبيا.
وسعيد الطباع الذي حلفني بروحه هو جد زوجتي لأمها، وهو يعرف العائلة كلها قبل ان نتصاهر وابو علي له بهذا المعنى المكانة المسنودة في القلب مرتين في المنزل لعلاقته بابناء الحاج سعيد وبناته،
ولكتب الاستاذ جمعة الذي امرني ان اكون سندا له
يومها شكلنا جاهة من معظم الزملاء في الراي، وهاتفت الذي يجالس على حد تعبيره ( فوق الشعب وقبالة الراي)، كان معالي ابو عصام لم يزل على حافة الصحيفتين في مسكنه، رحب في الحال، واظن اننا ( هاشم خريسات وانا من تولى طلب الجاهة ) ان يبقى الكشك في مكانه.
يومها قال ابو عصام امد الله في عمره وهو من بناة الوطن ( Nations Builders) قال ما ظل حد بعمان ما توسط ل هالكشك، هو تعرفوني عالزلمة، بدي اشوف شو عنده.
استدعينا ابو علي الذي كان ينتظر عودتنا في الراي قطع الشارع، وعبر الى بر امان، وعفا ابو عصام عنه
قال: اشربوا قهوتكم وخلي هالكشك محله، تكرم الراي.
ذات يوم ، بعد عشرات السنين كنت في البحرين واذا ابو علي ع شاشة التلفزيون الوطني ، في برنامج يسعد صباحك على ما اظن واذا به يمدح رءيس ديوان ملكي سابق ودوره في حماية الكشك، كنت دوما على اتصال مع ابو علي، لانه من تولى بيع كل كتبي، ومنحته احتكار بيعها كلها. وكان قد مضى وقتا طويلا لم اهاتفه. انتظرت حتى انتهى البرنامج
واتصلت به، قلت له: يا بو علي مش عيب عليك تنسب فضلا لغير اهله ؟ من الذي حمى لك الكشك اوليس هو ابو عصام ونحن الراي!
ضحك ضحكته الحنونة، قال لي ابو علي عمي ابو رفعت احنا منصلي عالحاضر انت رحت وتركتنا ، بدنا نعيش. وضحكت من اعماق القلب.
كان ابو علي اهم الاطباء النفسانيين في معرفة سايكولوجيا عمان. كان ابو علي يعرف المحتاج فيسنده، ويدرك ان صاحب المال القادم اليه ليس جوادا فيحاسبه، ويتلطف دوما حين يتذكر مؤنس الرزاز، وفخري قعوار ، وكمال كيلاني ، وابو عزمي ، وابو رسول ، اعني محمود كريشان رفيق عمره اطال الله في عمره.
كل عمان في ذاكرته ظلت طرية طازجة شهية. ابو علي كان بسيطا كعشاء فقراء عمان، وجهه من ملامح قاع عمان، ورائحته نعنعها.
هاتفته قبل قرابة الاسبوعين من الكشك حين زرته مع الحبيب سمير الحياري وتناولنا الكنافة جودا وكرما من ولده وأعطانا كتبا. كان ظل ابو علي الحاضر اهم من حضورنا جميعا وقلت له لا تساويها وتمشي بكير عمان لم تزل بحاجة قلبك الطيب.
..
أجابني بحسرة: اتعبني مشوار الحياة يا ابو رفعت
خلصنا، وضحكنا معا ..
لم اعرف ان ضحكته تلك كانت كفنه. يرحمك الله ايها الذي صنعت من عمان قصة واورثتها لاولادك
واني لعلى يقين ان الكشك سيظل مزهرا بروحك وعطاء عقبك.
نم قرير العين ايها الطيب الشهم، سأحزن عليك كثيرا، فمثلك من يستحق الاحترام الحزين.
يرحمك الله.