معاريف
من بين الحجج النقدية على خطة ترامب، تبرز الحجة بان الخطة تطرح على الفلسطينيين شروطا لا يمكنهم ان يقبلوا بها بأي حال. وبالفعل فان أمامنا مفارقة: خطة ترامب تطرح على الفلسطينيين بضعة شروط أساسية كي تقام دولة فلسطينية، القبول بها معناه التخلي عن الرواية الفلسطينية. ولكن من جهة أخرى عدم القبول بها معناه أنه لا يوجد أي احتمال للسلام ولانهاء النزاع في الجيل الحالي على الاقل، ان لم يكن في الأجيال القادمة، إلا إذا قررت إسرائيل الانتحار بالفعل. الشرط الأول يرتبط بمشكلة لاجئي 1948- ما يسميه الفلسطينيون “حق العودة”. تقضي الخطة بالقطع بانه لن يسمح لاي لاجئ بالدخول إلى دولة إسرائيل والاستقرار فيها. بالمقابل، يمكنهم أن يستقروا في الدولة الفلسطينية، ولكن تحت قيود متشددة: عدد العائدين سيكون محدودا بحيث لا يشكل خطرا أمنيا على إسرائيل، ويكون متناسبا مع القدرة الاقتصادية للدولة الفلسطينية. كل مخيمات اللاجئين التي في نطاق الدولة الفلسطينية تصفى وبدلا منها تقام مبان دائمة. كما تقررت قواعد أخرى بشأن خيارات استيعاب اللاجئين في الدول العربية والإسلامية، وكذا بالنسبة لمن يعتبر لاجئا.
من الواجب أن نفهم بان موضوع “حق العودة” بالنسبة للفلسطينيين ليس موضوع كلمات ورؤى، بل جزء لا يتجزأ من الحياة اليومية، من التعليم ومن الثقافة السياسية – بدءا بالاحتفاظ بمفتاح البيت، عبر تسمية الشوارع في مخيم اللاجئين باسماء القرى التي تركت في 1948. ان حق الوجود للشعب الفلسطيني، مستقبله وأمله متجذر في هذه الرواية العملية للعودة الى بيوتهم في 1948. من تسلى، ولعله لا يزال يتسلى، عندنا في أنه سيكون ممكنا المساومة مع الفلسطينيين على اعداد اللاجئين الذين سيعودون الى اسرائيل، أو على عودة رمزية، يعيش في عالم من الجهل والهذيان.
الشرط الثاني هو الاعتراف بدولة إسرائيل كالدولة القومية للشعب اليهودي. لقد طرح هذا الشرط في أول مرة اولمرت في مؤتمر انابوليس في 2007، وطرحه بعد ذلك نتنياهو بتشدد أكبر في 2009، حين أيدت إدارة أوباما ذلك. اما المعارضة الفلسطينية فكانت فورية، جارفة ومتصلبة. بالنسبة لهم لا توجد إلا “دولة إسرائيل”، وفي إسرائيل يوجد يهود، مسيحيون ومسلمون أيضا. اما أسباب المعارضة فتتعلق بمجرد الجوهر الفلسطيني: لا يوجد شعب يهودي، يوجد فقط دين يهودي لا يستحق تقرير المصير؛ اليهود الاستعماريون سيطروا على أرض إسلامية – عربية؛ بالمقابل يوجد شعب فلسطيني له كل الحقوق على كل الأرض من النهر وحتى البحر؛ الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية معناه التنازل عن الحقوق، خيانة عرب إسرائيل وكل ما يؤمنون به. هل سمعتم ذات مرة ابو مازن يقول “دولتين للشعبين” او “الشعب الفلسطيني والشعب اليهودي”؟
الشرط الثالث هو في المجال العملي: ليس فقط التخلي عن العنف بل نزع سلاح حماس وكل المنظمات في غزة (من قبل السلطة الفلسطينية أو كل جهة مقبولة من اسرائيل”، على حد تعبير الخطة. من الاسهل للخنزير ان يطير من أن تنفذ هذه المهمة، إلا اذا كانت حكومة إسرائيل مستعدة لذلك.
وماذا يعني كل هذا؟ برأيي، في الجيل الحالي على الأقل، لا يوجد أي حل؛ بقلب أليم (لدى البعض بقدر أكبر ولدى البعض بقدر أقل) ستكون حاجة للتخلي عن “مسيرة السلام” (وكل أنواع أفكار الحلول “للنفوس الطيبة”)؛ التشديد على الإدارة العملية الحذرة للنزاع، في ظل خلق واقع اقتصادي يمكن للفلسطينيين أن يتعايشوا معه.