عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    25-Dec-2020

مهزلة الإعلام اليميني

 الغد-هآرتس

 
حيمي شليف
 
من المحظور المقارنة بالطبع، لكن في البيت الابيض هناك كل يوم محادثات ولقاءات توفر مادة خام كلاسيكية لمسلسل “الميمات” الشهير في الانترنت، المأخوذ عن مشهد لهتلر وهو في معقله تحت الارض في فيلم “السقوط”. دونالد ترامب يصرخ بحقيقته الخاصة التي هي كذبة كبيرة حول تزوير رجح الانتخابات ضده، في حين أن اميركا، وحتى محيطه القريب، يدفعونه الى الاعتراف أخيرا بالواقع.
حنة ارندات شرحت في كتابها “أسس الشموليات”، لماذا زعماء مثل ترامب، الذين غرائزهم بالتأكيد شمولية، يتمسكون بأكاذيبهم حتى عندما تصبح غير معقولة. ليس فقط بسبب اعتقادهم الاعمى بأكاذيبهم، كتبت، بل عندما يتحول الكذب الى جزء لا يتجزأ من جوهر حركتهم فان التنصل منه يمكن أن يؤدي الى انهيارها.
إن هزيمة ترامب تناقض اقواله المتغطرسة حول الشعبية الضخمة لـ”الحركة”، التي اكثر من التحدث عنها، والتي هي جميعها سجود له هو نفسه. لذلك فان البديل الوحيد بالنسبة له هو تزوير ضخم. وفي ظل غياب بينات على ادعاء ترامب ومحاميه، هم ببساطة قاموا باختراعها. وبدلا من ذلك ادعوا بوجود مؤامرة اخرى لإخفائها. هذا لم يقنع القضاة الفيدراليين الذين ناقشوا التماسات ترامب، لكن كان هذا يكفي لإثارة الحماس أو اثارة النفوس في اوساط المصوتين له، وأن يعمق فيهم شعور الاضطهاد والكراهية.
هذا يشبه بصورة مدهشة براءة اختراع نتنياهو بشأن مؤامرة عالمية تسعى الى اسقاطه من خلال القانون الجنائي. رجال شرطة ومدعون عامون وقضاة ومراسلون و”ديكتاتورية موظفي اليسار” التي اخترعها قبل عدة أيام من لا شيء، تعمل معا كما يبدو، لكن بالطبع دون أن تبقي أي أثر. نظرية المؤامرة لنتنياهو لا تقل عن ذلك في انعدام اساسها، لكن ايضا ليست أقل اقناعا عن قصص الجدة الخاصة بترامب: كثيرون من اليمين يقومون بتبنيها، على الاقل بسبب الضغط، بايمان كامل كما يبدو.
التشابه بين طرق التفكير والعمل لترامب ونتنياهو ليس صدفيا. فهما زعيما يمين شعبويان، يقومان بتنمية عبادة الشخصية لهما وتنمية الكراهية لكل من يقف في طريقهما، بما في ذلك المؤسسة النخبوية التي تبدو متعجرفة. ترامب ونتنياهو يقومان بنشر الافتراءات والاكاذيب عن الاعداء الحقيقيين لهما، وعندما يكون هناك نقص، يقومان باختلاق اكاذيب وافتراءات جديدة.
باحثو العصر اعطوا فترتنا صفة “عهد ما بعد الحقيقة”، الذي يخفي حقيقة مريرة: الحديث يدور عن ظاهرة تملكت بالأساس الموجة الصاخبة للشعبوية، وبشكل عام قومية متطرفة، تسيطر على اليمين العالمي. شبكات التواصل الاجتماعي حررت جمهور اليمين من طغيان وسائل الاعلام السائدة، اليسارية والشريرة. ولكن مثلما في الحالة الكلاسيكية، ايضا التزاما بوصف الواقع وكشف الحقيقة والتحقق من الوقائع. وبدلا من ذلك ظهر الشيء المثير للسخرية والذي يسمى “اعلاما يمينيا”، الذي في معظمه مكرس لزيادة تآكل الثقة بوسائل الاعلام الممأسسة ونشر الاكاذيب كبديل عن “اكاذيب اليسار”، حتى عندما تعكس هذه الاكاذيب الواقع.
في نظر جزء متزايد من اليمين فان الحقيقة متأرجحة والحقائق مقلقة. واذا كان الواقع مزعجا فدائما يمكن استبداله بواقع آخر. من الاحتباس الحراري وحتى وباء الكورونا، تحول لدى اليمين الى موضوع وجهة نظر، التي حتى الآن تسببت بالمزيد من الضحايا.
إن ادمان اليمين على الاختلاقات والهوس يعرض للخطر حتى القدرة على عيش حياة ديمقراطية مشتركة، مثلما كان يريد ابطال الاكاذيب الكبيرة مثل ترامب ونتنياهو. إلا أن الاول في طريقه الى الخارج والثاني ما يزال هنا.