الغد-ترجمة: علاء الدين أبو زينة
نورمان سولومون* - (كاونتربنش) 2023/9/8
في اليوم التالي لبدء الحكومة الأميركية في قصف الأماكن البعيدة بشكل روتيني، أعربت الافتتاحية الرئيسية في صحيفة "نيويورك تايمز"عن بعض الرضا. وأشارت الصحيفة إلى أن ما يقرب من أربعة أسابيع مرت منذ هجمات 9/11، وصعدت أميركا أخيرًا "هجومها المضاد على الإرهاب" من خلال شن غارات جوية على معسكرات تدريب "القاعدة" وأهداف عسكرية لطالبان في أفغانستان. وقالت الافتتاحية: "كانت هذه لحظة توقعناها منذ 11 أيلول (سبتمبر). لقد تحلى الشعب الأميركي، على الرغم من حزنه وغضبه، بالصبر وهو ينتظر العمل. والآن بعد أن بدأ، سوف يدعمون أي جهود يتطلبها تنفيذ هذه المهمة كما ينبغي".
ومع استمرار الولايات المتحدة في إسقاط القنابل في أفغانستان، رفعت الإحاطات الإعلامية اليومية التي يقدمها دونالد رامسفيلد وزير الدفاع إلى طبقة ستراتوسفيرية من التملق الوطني. وكما قال المراسل الإعلامي لصحيفة "الواشنطن بوست"، فإن "الجميع يركعون أمام شعلة النشاط في البنتاغون... نجم الروك الجديد في أميركا". وفي ذلك الشتاء، قال تيم روسيرت، مقدم برنامج "واجِه الصحافة" على شبكة (إن بي سي)، مخاطبًا رامسفيلد: "بعمر تسعة وستين عامًا وأنت معشوق أميركا".
تضمنت الإحاطات المتلفزة التي جلبت مثل هذا العشق ادعاءات باللياقة عميقة الجذور في ما كان قد أصبح يُعرف مسبقًا باسم "الحرب العالمية على الإرهاب". وأكد رامسفيلد أن "قدرات الاستهداف، والعناية التي تُبذل في عملية الاستهداف للتأكد من أن الأهداف الدقيقة هي التي تُضرب، وأن الأهداف الأخرى لا تضرب، هي شؤون مثيرة للإعجاب ليس كمثل أي شيء يمكن لأحد رؤيته". وأضاف: "الأسلحة التي تستخدم اليوم تتمتع بدرجة من الدقة لم يحلم بها أحد على الإطلاق".
ولكن، مهما كانت درجة دقتها، كانت الأسلحة الأميركية في واقع الأمر تقتل الكثير من المدنيين الأفغان. وقد خلص "مشروع البدائل الدفاعية" إلى أن الغارات الجوية الأميركية قتلت أكثر من 1.000 مدني خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام 2001. وبحلول منتصف ربيع العام 2002، قالت صحيفة "الغارديان": "ربما فُقد ما يصل إلى 20.000 أفغاني حياتهم كنتيجة غير مباشرة للتدخل الأميركي".
ولكن، بعد ثمانية أسابيع من بدء القصف المكثف، نفى رامسفيلد وجود أي قلق بشأن الضحايا: "إننا لم نبدأ هذه الحرب. ولذلك عليكم أن تفهموا أن المسؤولية عن كل واحد من ضحايا هذه الحرب، سواء كانوا من الأفغان الأبرياء أو الأميركيين الأبرياء، تقع على عاتق القاعدة وطالبان". بعد 9/11، كانت العملية كلها تغذي نوعًا من آلة العاطفة الدائمة التي بلا مفتاح يوقف التشغيل.
تحت عنوان "الحرب على الإرهاب"، كانت الأعمال القتالية مفتوحة النهاية تجري على قدم وساق -"كما لو كان الإرهاب دولة وليس أسلوبًا"، كما كتبت جوان ديديون في العام 2003 (قبل شهرين من الغزو الأميركي للعراق). وأضافت: "لقد رأينا، أهم من كل شيء، الاستخدام المستمر لأحداث 11 أيلول (سبتمبر) لتبرير إعادة تصوُّر دور أميركا الصحيح في العالم على أنه بدء وخوض حرب دائمة تقريبًا".
بجملة واحدة التقطت ديديون جوهر مجموعة من الافتراضات التي تكلست بسرعة والتي كان عدد قليل من صحفيي التيار السائد على استعداد لاستنطاقها. كانت هذه الافتراضات بمثابة النعناع البري ذي الرائحة الجاذبة لأسود مجمع الاستخبارات العسكرية الصناعية. في نهاية المطاف، بدأت ميزانيات وكالات "الأمن القومي" (القائمة منذ فترة طويلة والمنشأة حديثًا على حد سواء) في الارتفاع مع ذهاب إنفاق ضخم مماثل إلى المقاولين العسكريين. والأسوأ من ذلك أنها لم تكن هناك نهاية في الأفق لما يحدث، حيث تسارع زحف المهمة ليتحول إلى اندفاع من أجل كسب المال.
بالنسبة للبيت الأبيض والبنتاغون والكونغرس، قدمت الحرب على الإرهاب ترخيصًا سياسيًا لقتل وتشريد الناس على نطاق واسع في ثماني دول على الأقل. وكثيرًا ما شملت المذبحة مدنيين. ولم تكن للقتلى والمشوهين أسماء أو وجوه تصل إلى أولئك الذين وقعوا على الأوامر واستولوا على الأموال. وبمرور السنين، بدا أن الهدف ليس الفوز في تلك الحرب متعددة القارات وإنما الاستمرار في شنها فحسب، كوسيلة ليست لها غاية معقولة. وأصبح وقفها، في الواقع، غير وارد من الأساس. ولا عجب أن الأميركيين لم يُسمعوا وهم يتساءلون بصوت عال عن متى ستنتهي "الحرب على الإرهاب". لم يكن من المفترض أن تفعل.
"حزين على وفاة عمي ..."
أنبأت الأيام الأولى التي أعقبت 9/11 بما سيأتي تاليًا. استمرت وسائل الإعلام في تضخيم المبررات للقيام برد عسكري عدواني، بينما تم افتراض أن الأحداث المؤلمة في 11 أيلول (سبتمبر) هي سبب عادل. وعندما تُصادق أصوات الصدمة والألم الصادرة عن الذين فقدوا أحباءهم على الذهاب إلى الحرب، فإن الرسالة يمكن أن تكون مؤثرة ومحفزة.
في تلك الفترة، قاد الرئيس جورج دبليو بوش -مع تصويت سلبي واحد فقط في الكونغرس- قطار الحرب بحماس، مستخدمًا الرمزية الدينية لتشحيم عجلاته. في 14 أيلول (سبتمبر)، أعلن بوش: "إننا نأتي أمام الله للصلاة من أجل المفقودين والموتى، ومن أجل أولئك الذين يحبونهم"، وألقى خطابًا في كاتدرائية واشنطن الوطنية، مدعيًا أن "مسؤوليتنا تجاه التاريخ واضحة مسبقًا: الرد على هذه الهجمات وتخليص العالم من الشر. لقد شُنت الحرب ضدنا بالتخفي والخداع والقتل. هذه الأمة مسالمة، لكنها شرسة عندما تستثار وتغضب. لقد بدأ هذا الصراع بتوقيت وشروط الآخرين. وسوف ينتهي بطريقة، وساعة، من اختيارنا نحن".
واستشهد الرئيس بوش بقصة تجسد "شخصيتنا الوطنية": "داخل مركز التجارة العالمي، ظل رجل كان بإمكانه النجاة بنفسه حتى النهاية إلى جانب صديقه المصاب بالشلل الرباعي".
كان ذلك الرجل هو آبي زيلمانوفيتز. وفي وقت لاحق من ذلك الشهر، رد ابن أخيه، ماثيو لاسار، على تكريم الرئيس بطريقة نبوئية:
"أنا حزين على وفاة عمي، وأريد تقديم قاتليه إلى العدالة. لكنني لا أدلي بهذا البيان للمطالبة بانتقام دموي... لدى أفغانستان أكثر من مليون لاجئ بلا مأوى. ويمكن أن يؤدي تدخل عسكري أميركي إلى تجويع عشرات الآلاف من الناس. إن ما أراه قادمًا هو إجراءات وسياسات ستكلف المزيد من الأرواح البريئة، وتولّد المزيد من الإرهاب وليس أقل. لا أشعر بأن تضحية عمي البطولية الرحيمة ستجد التكريم بما يبدو أن الولايات المتحدة مقدمة على فعله".
كانت أهداف الرئيس العظيمة المعلنة مدعومة من أغلبية ساحقة من وسائل الإعلام والمسؤولين المنتخبين والجزء الأكبر من الجمهور. وكان قد أصبح نمطيًا ذلك التعهد الذي قطعه بوش في جلسة مشتركة للكونغرس بعد ستة أيام من خطبته في الكاتدرائية الوطنية: "إن حربنا على الإرهاب تبدأ بتنظيم القاعدة، لكنها لا تنتهي هناك. لن تنتهي حتى يتم العثور على كل مجموعة إرهابية ذات وصول عالمي وإيقافها، وهزيمتها".
مع ذلك، بحلول أواخر أيلول (سبتمبر)، عندما أصبحت خطط البنتاغون الهجومية معروفة للجمهور، بدأ عدد قليل من الأميركيين الثكالى في التحدث علنًا من موقف المعارضة. وقدم فيليس وأورلاندو رودريغيز، اللذان توفي ابنهما غريغ في مركز التجارة العالمي، هذا النداء العام:
"لقد قرأنا ما يكفي من الأخبار لنشعر بأن حكومتنا تذهب في اتجاه الانتقام العنيف، الذي سيؤدي إلى موت الأبناء والبنات والآباء والأصدقاء في الأراضي البعيدة، والتسبب في المعاناة وخلق المزيد من المظالم ضدنا. إن هذا ليس السبيل الذي ينبغي اتباعه. إنه لن ينتقم لموت ابننا. ليس باسم ابننا. لقد مات ابننا ضحية لأيديولوجية غير إنسانية. ولا يجب أن تخدم أفعالنا الغرض نفسه".
وقالت جودي كين، التي فقدت زوجها ريتشارد في مركز التجارة العالمي، في مقابلة: "إن قصف أفغانستان سيصنع المزيد من الأرامل، والمزيد من الأطفال المشردين والذين بلا آباء".
ثم جاء العراق تاليا
في حين أن مشاعر الألم والغضب والخوف الذي لا يوصف جعلت المرجل الأميركي يغلي، وعد القادة الوطنيون بأن خيمياءهم ستجلب أمنًا خالصًا من خلال مجهود حربي عالمي. لكن هذا الجهد سيصبح ماضيًا بلا توقف، ويتم فيه التقليل تمامًا من قيمة موت وفجيعة الأبرياء على قدم المساواة، بفضل الأعمال العسكرية الأميركية.
جنبًا إلى جنب مع كبار القادة السياسيين في واشنطن، كانت السلطة الرابعة جزءًا لا يتجزأ من الحفاظ على تدفق الأدرينالين الذي يغذيه الحزن، والذي جعل شن حرب عالمية على الإرهاب يبدو وكأنه الخيار اللائق الوحيد، حيث كانت أفغانستان في البداية في مصلب التصويب وامتلأت المنافذ الإخبارية بدعوات الانتقام. ومع ذلك، لم يشجع مسؤولو إدارة بوش أي تركيز على الإطلاق على الدولة الحليفة الولايات المتحدة، البلد الذي جاء منه 15 من الخاطفين الـ19 في أيلول (سبتمبر). (لم يكن أي منهم أفغانيًا).
بحلول الوقت الذي بدأت فيه الولايات المتحدة غزوها لأفغانستان، بعد 26 يوما من 9/11، كان يمكن أن يبدو الهجوم بسهولة كاستجابة مناسبة للطلب الشعبي. فبعد ساعات من بدء انفجار صواريخ البنتاغون في ذلك البلد، وجد استطلاع للرأي أجرته "مؤسسة غالوب" أن "90 في المائة من الأميركيين يوافقون على قيام الولايات المتحدة بهذا العمل العسكري، في حين أن 5 في المائة فقط يعارضون، و5 في المائة آخرين غير متأكدين".
كانت هذه الموافقة غير المتوازنة شهادة على مدى الشمولية التي حققتها الرسائل الداعية إلى شن "الحرب على الإرهاب". كان يعد من قبيل الهرطقة تقريبًا أن يتنبأ أحد بأن مثل هذا العقاب سيتسبب في موت عدد أكبر بكثير من الأبرياء مقارنة بالقتل الجماعي الذي حدث في 9/11. وخلال السنوات التالية، سوف يتم التقليل من شأن الوفيات المتوقعة للمدنيين الأفغان، أو التقليل من أعدادها، أو تجاهلها ببساطة باعتبارها "أضرارًا جانبية" عرَضية (وهو المصطلح الذي عرّفته مجلة "تايم" بأنه "يعني المدنيين القتلى أو الجرحى الذين كان يجب عليهم أن يختاروا مكانًا أكثر أمانًا" ليتواجدوا فيه).
ظل ما حدث في 11 أيلول (سبتمبر) في المقدمة والوسط من كل شيء على الدوام. وسوف يتم إنزال ما بدأ يحدث للأفغان في 7 تشرين الأول (أكتوبر)، إلى موضع الرؤية الهامشية على الأكثر. وسط الحزن المعتقد بالصلاح الذاتي الذي ابتلع الولايات المتحدة، ثمة القليل من الكلمات التي ستكون أقل استحقاقًا للترحيب أو أكثر صلة من تلك الكلمات في قصيدة دبليو. أتش. أودن: "أولئك الذين لحق بهم الشر/ يفعلون الشر في المقابل".
حتى في ذلك الحين، كان عراق صدام حسين موجودًا مسبقًا في منظار تصويب البنتاغون. في شهادته أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ في أيلول (سبتمبر) 2002، لم يفوت وزير الدفاع، رامسفيلد، الفرصة عندما شكك السناتور مارك دايتون في الحاجة إلى مهاجمة العراق، وقال متسائلاً: "ما الذي يجبرنا الآن على اتخاذ قرار متهور وإجراءات متهورة؟".
أجاب رامسفيلد: "ما الذي اختلف؟ ما هو مختلِف هو أن 3.000 شخص قد قتلوا".
وبعبارة أخرى، فإن إنسانية أولئك الذين ماتوا في 9/11 هي التي ستطبق تمامًا على الأفق وبشكل كبير جدا بحيث يصبح مصير العراقيين غير مرئي.
في الواقع، لم تكن للعراق أي علاقة بأحداث 9/11. وبالمثل، سوف يتبين أن الادعاءات الرسمية بشأن أسلحة الدمار الشامل العراقية كانت ملفقة، كجزء من نمط ما بعد 9/11 من الأكاذيب المستخدمة لتبرير العدوان الذي جعل أولئك الناس الذين يعيشون في العراق خارج الموضوع. وبينما كنت أتنقل بين سان فرانسيسكو وبغداد ثلاث مرات في الأشهر الأربعة التي سبقت غزو آذار (مارس) 2003، شعرت بأنني أسافر بين كوكبين بعيدين، واحد يضج باطراد بالمناقشات حول حرب مقبلة، والآخر يأمل فقط في البقاء على قيد الحياة.
عندما شنت إدارة بوش والآلة العسكرية الأميركية تلك الحرب أخيرًا، فإنها ستتسبب في مقتل ما قد يصل إلى 200.000 مدني عراقي، في حين أن "عدة أضعاف هذا العدد من سيموتون كنتائج مدوية دائمة التردد" لذلك الصراع، وفقًا للتقديرات الدقيقة لـ"مشروع تكاليف الحرب" في جامعة براون. وعلى عكس الذين قتلوا في 11/9، كان القتلى العراقيون بعيدين دائمًا عن شاشة رادار وسائل الإعلام الأميركية، وكذلك كان حال الصدمات النفسية التي عانى منها العراقيون وتدمير البنية التحتية لبلدهم. بالنسبة للجنود والمدنيين الأميركيين المُدرجين على كشوف رواتب المقاولين، فإن عدد قتلى الحرب سيرتفع إلى 8.250، بينما سيتضح هناك، وراءً في الوطن، أن اهتمام وسائل الإعلام بمحن قدامى المحاربين وعائلاتهم سيكون عابرًا في أحسن الأحوال.
مع ذلك، بالنسبة للجزء الصناعي من "المجمع الصناعي العسكري للكونغرس"، سوف تثبت حرب العراق أنها كانت نجاحًا باهرًا. لقد أعطى هذا الحريق الطويل دفعات هائلة لأرباح مقاولي البنتاغون، بينما استمرت ميزانيات وزارة الدفاع الأميركية، مدفوعة بتطبيع الحرب التي لا نهاية لها، في التحليق عاليًا. وسوف ينتهي المطاف باحتياطيات النفط الهائلة في العراق، المؤممة والمحظورة على الشركات الغربية قبل الغزو، في أيدي الشركات النفطية الضخمة، مثل "شل" و"بريتيش بتروليوم" و"شيفرون" و"إكسون موبيل". وبعد سنوات عدة من الغزو، اعترف بعض الأميركيين البارزين بأن الحرب على العراق كانت إلى حد كبير من أجل النفط، بمن فيهم الرئيس السابق للقيادة المركزية الأميركية في العراق، الجنرال جون أبي زيد، ورئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي السابق، آلان غرينسبان، والسيناتور آنذاك ووزير الدفاع المستقبلي، تشاك هيغل.
الحرب على الإرهاب
التي لا تنتهي
امتدت "الحرب على الإرهاب" إلى أقصى زوايا العالم. في أيلول (سبتمبر) 2021، عندما قال الرئيس جو بايدن للجمعية العامة للأمم المتحدة: "إنني أقف هنا اليوم، لأول مرة منذ 20 عامًا، حيث الولايات المتحدة ليست في حالة حرب"، أفاد مشروع تكاليف الحرب بأن "عمليات مكافحة الإرهاب" الأميركية ما تزال جارية في 85 دولة -بما في ذلك "بالضربات الجوية والطائرات من دون طيار" و"القتال على الأرض"، إضافة إلى "ما تُدعى ’برامج القسم 127هـ‘ التي تخطط فيها قوات العمليات الخاصة الأميركية وتتحكم في مهام القوات الشريكة، وإجراء المناورات العسكرية استعدادًا لمهام مكافحة الإرهاب أو كجزء منها، والعمليات المتعلقة بتدريب ومساعدة القوات الأجنبية".
وكانت العديد من تلك الأنشطة التوسعية تجري في أفريقيا. وفي وقت مبكر من العام 2014، أفاد الصحفي البارز، نِك تورس، لمجلة "توم ديسباتش" بأن الجيش الأميركي كان بالفعل ينفذ أكثر بكثير من مهمة واحدة في اليوم في القارة، حيث يقوم بعمليات مع كل قوة عسكرية أفريقية تقريبًا، وفي كل بلد أفريقي تقريبًا، بينما يقوم ببناء أو توسيع المعسكرات والمجمعات و"المواقع الأمنية للطوارئ".
ومنذ ذلك الحين، قامت الحكومة الأميركية بتوسيع تدخلاتها السرية في كثير من الأحيان في تلك القارة. في أواخر شهر آب (أغسطس) 2023، كتب تورس أن "ما لا يقل عن 15 ضابطًا مدعومين من الولايات المتحدة شاركوا في 12 انقلابًا في دول غرب إفريقيا ومنطقة الساحل الكبرى خلال الحرب على الإرهاب". وعلى الرغم من ادعائها بأنها تسعى إلى "تعزيز الأمن والاستقرار والازدهار الإقليمي"، غالبًا ما تضع "القيادة الأميركية في أفريقيا" تركيزها على تنفيذ مثل هذه المهام المزعزعة للاستقرار.
مع وجود عدد أقل بكثير من القوات على الأرض المنخرطة في القتال والمزيد من الاعتماد على القوة الجوية، تطورت "الحرب على الإرهاب" وتنوعت بينما نادرًا ما أصبحت تثير الخلاف في غرف صدى وسائل الإعلام الأميركية أو في الكابيتول هيل. وما يتبقى هو الطيار الآلي المانوي القياسي (الذي يقسم الأشياء إلى أبيض وأسود) للفكر الأميركي، والذي يعمل بالتزامن مع الألفة الهيكلية للحرب التي تم بناؤها في المجمع الصناعي العسكري.
ثمة نمط من الندم (بشأن اتخاذ القرار) -يختلف عن الأسف (يتعلق بالآثار المترتبة على العمل)- على اعتناق النزعة العسكرية المغامِرة التي فشلت في الانتصار في أفغانستان والعراق، لكن هناك القليل من الأدلة على أن اضطراب "التكرار والإكراه" الأساسي قد ذهب من قيادة السياسة الخارجية للبلاد أو وسائل إعلامها، ناهيك عن اقتصادها السياسي. على العكس من ذلك، بعد 22 عامًا من 9/11، ما تزال القوى التي جرت الولايات المتحدة إلى الحرب في العديد من البلدان تحتفظ بنفوذ هائل على الشؤون الخارجية والعسكرية. إن دولة الحرب ما تزال تحكم.
*نورمان سولومون Norman Solomon: المدير الوطني لمنظمة العمل الشعبي RootsAction.org والمدير التنفيذي لـ"معهد الدقة العامة". كتابه الأخير، الحرب أصبحت غير مرئية: كيف تخفي أميركا الخسائر البشرية لآلتها العسكرية" War Made Invisible: How America Hides the Human Toll of Its Military Machine، (منشورات "ذا نيو برِس"، 2023). النص أعلاه مقتبس من هذا الكتاب.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: How 9/11 Bred a “War on Terror” from Hell