عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    03-Sep-2024

سعيد يقطين يصدر كتابا عن الكتابة والصداقة "شخصيات وذكريات"

 الغد-عزيزة علي

يقول الناقد المغربي سعيد يقطين: "إنه يوجد بين الصداقة والكتابة علاقة قوية ولاسيما، إذا كان الكاتبان الصديقان الصدوقان يحترم كل واحد منهما الآخر، وإن تعددت التوجهات، وتفرقت الآراء، واختلفت التصورات". وقد نعقد علاقة صداقة مع كتاب لا يعيشون بيننا، إما بسبب الفارق الزمني، كأن يكونوا من أزمنة موغلة في القدم، أو من أمكنة بعيدة عنا، أو يتكلمون بغير لغتنا ويدينون بخلاف معتقدنا أو ثقافتنا.
 
 
ويضيف يقطين في مقدمة كتابه "عن الكتابة والصداقة (شخصيات وذكريات)"، الصادر عن "الآن ناشرون وموزعون"، أن "الصديق أخ لم تلده لك أمك"، وقد يجمعك مع الصديق هَمّ مشترك، أو هدف نبيل، أو علاقة إنسانية مبنية على المودة المشتركة من دون أن تكون وراءها منفعة معينة، أو قصد معين يريد أحد الطرفين نيله من الآخر.
 
ويبين المؤلف أنه في كتابه هذا يستحضر لحظتي الحزن والفرح: "التأبين أو التكريم لبعض الشخصيات الذين جمعتني بهم ذكريات، أو صداقة معرفية، مؤملا أن تتاح لي فرصة استكمال ما كتبته عن شخصيات أخرى قديمة، ومعاصرة، لتكون ليس فقط تجسيدا لعلاقة الصداقة بالكتابة، ولكن أيضا لتأكيد أن القلم، مثل الدواء، يمكن أن يجعل كل منهما أخوين وصديقين، وإن تعددت ألوان المداد أو الأقلام". 
ويقول المؤلف: "إنه منذ أن بدأت الكلمة تراوده، صاحب الكثير من الكتاب من خلال متابعة مختلف كتاباتهم، وصاروا أصدقاء له يحافظ على كتبهم، وحيثما حل أو ارتحل كان حريصا على أن يكونوا مجتمعين في بيت واحد. يتطلع إليهم بين الفينة والأخرى، ويجد في صحبتهم ما لا يجده في أغلب أصحابه".
ويرى يقطين، أن هناك الكثير من الكتب عن الكتاب، والكتابة، والكاتب. وفيما تركه الجاحظ، أصدق تعبيرا، وأشمل تصويرا "والكتاب هو الجليس الذي لا يطريك، والصديق الذي لا يقليك، والرفيق الذي لا يملك، والمستمع الذي لا يستزيدك، والجار الذي لا يستبطئك، والصاحب الذي لا يريد استخراج ما عندك بالملق، ولا يعاملك بالمكر، ولا يخدعك بالنفاق"، مؤكدا أن الكتاب هو الذي إن نظرت فيه أطال إمتاعك، وشحذ طباعك، وبسط لسانك، وجود بيانك، وفخم ألفاظك وبجح نفسك، وعمر صدرك، ومنحك تعظيم العوام وصداقة الملوك، يطيعك بالليل طاعته بالنهار، وفي السفر طاعته في الحضور.
ويتحدث المؤلف عن فوائد الكتاب والقراءة قائلا: "إن الكتاب هو المعلم إن افتقرت إليه لا يحقرك، وإن قطعت عنه المادة لا يقطع عنك الفائدة، وإن عزلت لم يدع طاعتك، وإن هبت ريح أعدائك لم ينقلب عليك، ومتى كنت متعلقا بحبله لم تضطرك معه وحشة الوحدة إلى جليس السوء".
ويعتبر المؤلف أن القيم التي تجمع بين الكتاب قوية إذا تمكنوا من تجاوز الحساسيات التي يمكن أن تباعد بينهم. ولعل ذلك ممكنا إذا ما أمعنا النظر فيما يخلفونه لنا من كتب بذلوا فيها أقصى الجهد، وتركوا من خلالها صدقهم في التعامل مع الكلمة، وعصارة مجهوداتهم في التحصيل والتأمل والتدبر. لذلك أرى أن الكتاب قد يكون أحسن من الكاتب، وقد لا يترفع بعض الكتاب عما يفرضه عليهم الواقع من إكراهات، أو ما ينحازون إليه من أهواء، فيكون ذلك سببا في تعرضهم للأذى، وتعريض غيرهم لسهام ألسنتهم، فتضيع بذلك جهودهم التي بذلوها، وعطاءاتهم النيرة، حين يحاكمون بأفعالهم وأقوالهم لا بكتاباتهم. 
ويشير المؤلف إلى العلاقة القوية بين الكتابة والصداقة، قوامها تقدير من يكتب، وما يكتب أيا كان الكاتب، ولذلك تجدنا نستشهد بأي كتاب ما دمنا نرى فيه ما يمكننا من توضيح أفكارنا اتفاقا أو اختلافا. يتعرف المرء في حياته على الكثير من الناس. لكنه يصطفي القليل منهم ليكونوا أصدقاء. وحتى هؤلاء حين تتباعد بينهم المسافات، ويطول الزمن تضعف تلك العلاقة إلى أن تنمحي، أو تكاد، نهائيا. قد تظل بعض الذكريات الجميلة قابلة للاستحضار بين الفينة والأخرى. لكنها لا تعني استمرار الصداقة التي لم يبق منها سوى رواسب في الذاكرة، كما كانت في زمن ولى. 
ويقول يقطين: "إن الصداقة الدائمة تختلف عن الصداقة العابرة التي تجمعك ببعض الناس. إنها ذات علاقة وطيدة بالكتابة لأنها هي التي تشدك إلى الكتاب، أحياء وأمواتا، قدماء ومعاصرين، عربا وأجانب، ولا سيما من قضيت معهم شطرا من حياتك من خلال معايشتهم، والاطلاع على بنات أفكارهم وإبداعاتهم، ما دمت تشترك معهم، بالأخص، في معانقة الكتابة، وهوس جعلهما يوميا دائما.
ثم يتحدث المؤلف عن صداقة هؤلاء الكتاب، حيث تجد في بعض ما يجمعك بهم من هموم عميقة، أو آراء ومواقف دقيقة، أو أسئلة مؤرقة. ولا أهمية للاختلاف معهم إذا صفت النوايا، وكان الترفع عن المنافسة غير الشريفة، أو الحسد المقيت. فتجد فيهم من ينير لك الطريق بطرح سؤال، أو يفتح لك باب الأمل بالتفاؤل، ومن يمتعك بجعلك تتعرف على ذاتك، وعلاقتك بالآخرين. تتوطد صداقتك معهم، فيكونون الشخصيات التي تتابع أخبارها، وجديد إصداراتها. وإذا كانوا ممن تعاصرهم تجدهم يفرحون بما يسرك، ويحثونك على مواصلة المسير، ويدفعونك إلى التشبث بالحياة. صداقة الكُتاب، وحب الكِتاب وقود الأمل، وشعلة النور في عالم تهيمن فيه قيم الأنانية، ويسود فيه ما يدفعك إلى رؤية الظلام، وتبني روح التشاؤم. 
وخلص يقطين إلى أنه بين الفينة والأخرى يغادرنا كتاب عايشناهم، وعشنا معهم، وشاركناهم قضايا كبرى، وآمالا عريضة. ويكون الموت لحظة تدعو ليس فقط إلى الألم، ولكن أيضا إلى التذكر، واسترجاع الزمن، واتخاذ العبرة من أن الحياة قصيرة، ولا مجال لتضييعها في سفاسف الأمور، والجدالات العقيمة. وقد يكون تكريم بعض الكتاب الأصدقاء مناسبة لتأكيد ثقافة الاعتراف، فتكون المناسبة أيضا للتذكر، واسترجاع تاريخا من العلاقة تدفعنا، أحيانا، غمار الحياة والانشغالات الدائمة إلى ترسيبها في أغوار الذاكرة.