الفنان زهير النوباني: نحتاج إلى قيادات وازنة وواعية لأهمية الثقافة والفن والعمل الدرامي
الدستور-حاورته: خلود الواكد
يُقال من يولدون في الشتاء يولدون دافئين من الداخل، يمنحون من حولهم الدفء والوطن، ويكتبون مع من حولهم حكايات طيبة، ينجحون في احتضان ابنائهم، يشرقون بإبتسامة عذبة تسلب القلوب، يلمعون كنجم في ليلة ظلماء، يُنير لمن ضلّ طريقه.
أبٌ لثلاثة أولاد، الجميلة ميس، وليث وغيث. يُسيّجُ بروحه الرحيمة أسرته بحبٍّ وأُلفة مع زوجته الناشطة الاجتماعية مها الخليلي.
فنان مثقف هادئ كالبحر في صباحات آذار، عميق كصحراء لا يُعرف لها حدود، بدويّ أصيل، قوي الحضور، رهيف الروح. وسيم الملامح.
رغم كل هذا السلام الذي يسكنه، إلا أنه عُرف بأدواره الشريرة، يسلب انتباه المشاهد، بحضوره المتفرد، وأدائه المتقن، وبلهجته البدوية ينقلنا إلى خيمة البداوة ورمل البراري الممتدة، معه نعيش أجواء الصحاري، وسكون ليّلها، ننتشي رائحة القهوة العربية، ونتهادى على دقات المهباش التي تستيقظ لها حواسنا، وصوته الذي لا يمكن إلا أن تستحضر معه صوت الربابة. لذا هو سيد الدراما البدوية دون منازع، منفردًا بهذا النوع، متقناً ومتألقاً.
كما قدم العديد من الاعمال التاريخي والفلاحية والمدنية الضخمة، التي عُرضتْ على قنوات عربية كثيرة، وكان خليطاً مختلفاً يحمل بصمته الخاصة من كل هذا وأكثر، الشخصيات التي قدمها تركتْ في أذهان الجمهور أثراً لا يمكن أن يُمحى.
من الولادة نبدأ، من اللبن القرية الفلسطينية الوادعة، الحبيبة الأولى، ماذا كتبت القرية في شخصية زهير النوباني، ما الحكاية الاكثر رسوخاً في ذاكرتكم عن مرتع الطفولة البكر والتي لم تغيبْ يوماً؟
- أنا من مواليد السادس شباط سنة 1951، وأنا من مواليد قرية اللبن الشرقي تقع بين نابلس ورام الله، كنت أزورها خلال العطلة الصيفية وغيرها، وهي مسقط رأسي، ثم انتقلنا إلى عمان، منذ سنوات ولادتي الأولى انقطعتُ عن قريتي بعد احتلال الضفة 1967 حرب حزيران. وعدتُ لزيارتها عام 1995.
كنت محظوظا حيث عشت حياتي بين مدينتي الجميلة عمان وقريتي الجميلة اللُبَن الشرقي وهذا ساهم كثيرا في تشكل شخصيتي وساهم في إثراء تجربتي الحياتية والفنية.
النجاحات الكبيرة جاءت من قرارات كبيرة، وتضحيات كبيرة أيضاً، هل رغبة الوالد أن تدرس الطب بعد كل هذا العمر المزهر بالنجاحات والألق الرفيع، تطلّ برأسها من أعماق الذاكرة؟ ماذا تقول لمن يقفون أمام أصعب الخيارات في مفترق الطرق، ويخشون الخطوة الأولى والتجربة الأولى، (وأنا واحدة منهم في الحقيقة)؟
- تعلمين أن الآباء يحبون أن يدرس أبناؤهم الطب، وكان حلم والدي أن أدرس الطب، سجلتُ في جامعة دمشق بعد أن حصلت على علامات عالية في الثانوية، لكن عندما دخلت المشرحة في إحدى المحاضرات لم أستطع تحمل المشهد، عدتُ إلى عمان وسجلتُ في الإدارة العامة والعلوم السياسية في الجامعة الأردنية، وحينها كان والدي يحلم أن أصبح مهندسًا بعد أن تخليتُ عن الطب، في الجامعة الأردنية انضممتُ إلى فرقة المسرح وقدمت مع مجموعة من الزملاء مسرحية بدور متواضع، حينها هوى حب المسرح في قلبي. وكانت البداية مسرحية «الأشجار تموت واقفة» بإدارة مؤسس المسرح الأردني هاني صنوبر وكانت على مسرح سمير الرفاعي في عام 1969.
درست الهندسة المعمارية لمدة ثلاثة شهور في جامعة الخرطوم في عام 1970. وذلك خلال العطلة الصيفية في الجامعة الأردنية بعد أن أنهيت السنة الأولى فيها. وتركتُ دراسة الهندسة وعدتُ لأكمل دراستي في الجامعة الاردنية بداية السنة الثانية وأكملت بكالوريوس الإدارة العامة والعلوم السياسية من الأردنية وتخرجت 1974. وعملت مشرفًا فنيًا في الجامعة لمدة سنتين وتركت العمل، وتفرغتُ للعمل الفني وما زلتُ متفرغًا وحرًا من الوظيفة للآن.
كيف يقرأ الأستاذ زهير النوباني اليوم المشهد الخاص بالدراما الأردنية، والإنتاج الاردني، أمام هذا الانتاجات الضخمة التي تغزو المحطات العربية والعالمية وخاصة ونحن في شهر رمضان المبارك، الذي تتسابق شركات الإنتاج على إنتاج المسلسلات فيه؟
- الأردن كان سباقاً في صناعة الدراما التلفزيونية بعد مصر، وتم تأسيس في عمان أهم الاستوديوهات التلفزيونية الضخمة في العالم العربي في بداية ثمانينيات القرن الفائت.
لكن الآن نحن في تراجع كبير، لم يعد الإنتاج الاردني والدراما الأردنية موجودة على قائمة الأعمال الدامية العربية السنوية.
سبب تراجع الدراما، رغم وجود نصوص وروايات أردنية مهمة جدا، ووجود كتاب وأدباء أردنيين على قدر من الإبداع، لدينا كتاب نصوص على مستوى العالم كوليد سيف وإبراهيم العبسي ومحمود الزيودي ومحمد البطوش وجمال أبو حمدان وغيرهم كثر، ولدينا مخرجون وفنانون مهمون جدا، ولدينا بيئة متنوعة من سهول وجبال وصحراء خلابة، والفنان الأردني محبوب، والعمل الأردني محبوب أيضاً ويقدم رسالة هادفة راقية، الأمر يعود إلى سوء إدارة الملف الثقافي والفني، نحتاج إلى قيادات وازنة وواعية لأهمية الثقافة والفن والعمل الدرامي، ثمة خلل في دور وزارة الثقافة والتلفزيون الأردني في إدارة الملف، ونقابة الفنانين مؤسسة مهمة لكن ليست صاحبة قرار في إدارة الملف، هي تضع توصيات، لكن على الدولة أن تشجع الأعمال الفنية، وعلى المسؤول أن يدرك أهمية الثقافة والفنون.
نحمد الله على وجود الإمكانات القوية المتميزة، لكن الدعم والإدارة متوارية لا نلمس حضورها، ونطالب بمؤتمر وطني فعال لدفع عجلة الثقافة والفن لنلمس الفرق، ونرى الإمكانات ترتقي وتنجح لنعود إلى خريطة الثقافة والفنون العربية.
فنان كبير كزهير النوباني، ماذا يقول للشباب اليوم المقبلين على التمثيل؟ كيف يصنع الفنان نفسه؟
- بالقراءة والمثابرة، والاستماع والتدريب، وأن يكون هدفه نبيلا، الأردن مليء بالموارد والإمكانات، لكن تحتاج للشباب المثقف الواعي.
احلمْ بما تشاء ستجد العالم مكرس لتحقيق حلمك. أحبب ذاتك والكون وانعم في جنتك.
الفنان الحقيقي إنسان صاحب رسالة... منتصر للقيم الإنسانية النبيلة قيم الخير والمحبة والحرية والجمال والحق والعدل والمساواة. حالم بعالم جميل يسوده الحب والوئام. ولا يحمل في داخله سوى المحبة للكون وما فيه...
تقاس قيمة الإنسان بمقدار الأثر الجميل والطيب الذي يتركه في الحياة وقلوب الناس، وهذا أسمى درجات الرضى التي يمكن أن يحصل عليها الإنسان... برأيي.
وأنت من أسرة محبة ومتفاهمة، هل للأسرة دور في نجاح أفرادها ودعمهم؟ كيف كان أثركم في تألق الجميلة ميس؟ وما التوليفة التي يجب أن يُقدمها الآباء والأمهات لأبنائهم؟ ونحن نشاهد أن كثيراً من الفنانين يرفضون أن يدخل أبناؤهم عالم الشهرة ماذا تقول لهم؟
- أنا أكثر من ناقد وموجّه لميس، وميس هي أغلى اولادي، جاءت بعد ولدين، وأنا أحب كل اولادي، المرأة في مجتمعنا أهم من الرجل، لأنها الأم والأخت والبنت، هي العطاء، لا تستمر الحياة إلا بالمرأة، المرأة التي تهز السرير بيمينها تهز العالم بشمالها، وهي مخلوق جميل.
كنت دائمًا سعيداً بميس، وقدمتُ لها حريتها الكاملة، كان حلمها أن تكون مقدمة برامج، ودعمتها لتحقق حلمها،
دخلتْ الجامعة وسجلتْ في قسم اللغات، وكنتُ حاضراً معها مدرباً ومرشداً لها، كانتْ عبارتي لها «الإعلاميّ الجيد قارئ جيد» دائما أوجه لها الملاحظات وهي مصغية جيدة، وتحب عملها بشغف، وتطور من نفسها باستمرار، أحب في ميس إصرارها ومثابرتها. دائمًا أقول لها أن تكون نموذجًا للمرأة الأردنية الفلسطينية العربية الراقية.
ماذا يتابع أستاذنا الكبير في رمضان من مسلسلات؟
لا أتابع إلا مشاهد قليلة من بعض الأعمال، لعدم رضاي عن أغلب ما يقدم، لأنه كما قلت ثمة خلل في إدارة الإمكانيات المتاحة.
ما زلت أقول الأردن الحبيب الجميل يستحق كل ما هو جميل، وأنا لدي أمل كبير بالقادم بإذن الله تعالى.
بماذا تحب أن تختم حوارنا الشيق الماتع والممتع، والذي لا أريد له أن ينتهي؟
- أقول لكل من يحب الحياة، احلم بما تشاء ستجد العالم مكرس لتحقيق حلمك، ادرس ما تحب واعمل في العمل الذي تحب. اتبع قلبك واستشر عقلك.
سر تعاسة الناس خمسة أشياء، في داخل نفوسهم.. الشهوة الغضب الغرور الأنانية والتملك.
وإضافة إلى ذلك تراكم المحبة يجلب حسن الطالع (الخير والسعادة) وتراكم البغض يجلب الكارثة.. وذلك على مستوى الفرد والأسرة والدولة والعالم.