عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    23-Sep-2022

صبحي فحماوي: «المخيلة هي فضاء الرواية المتحركة على الأرض»

 الدستور-حاورته: إلهام الشرع (باحثة دكتوراه)

لا أريد كتابة مقدمة تعريف بالروائي العربي صبحي فحماوي، الذي هو معروف لمعظم القراء والكتاب العرب، إن لم يكن لهم كلهم، ولهذا أريد أن أبدأ بالحوار معه مباشرة، بالسؤال التالي:
* ما مدى استخدامك للمخيلة في روايتك الثالثة عشرة «هاني بعل الكنعاني» وما مدى علاقتها بالواقع التاريخي؟
- المخيلة هي الغلاف التشكيلي للواقع التاريخي للرواية.. هي سماء الرواية المتحركة على الأرض؛ إذ لا حياة لصفحات الرواية من دون الخيال الذي يجعلها حيّة تسعى.. الخيال هو الوقود الذي يجعل الروائي يُحلِّق ويطير مع الضباب الطائر ويترنح تحت أشعة الشمس، فيبتكر الحركة الدرامية لمجريات الرواية، وهو غرفة العمليات الروائية التي يتم فيها مزج الأحداث بالألوان وتبهيرها وخلق العلاقات الحيوية بينها، لتجعلنا نتحسسها ونعيشها واقعاً مُعاشاً، وهو الذي يضيف الفواصل والمفاصل فيخلق التواصل للأحداث الواقعية وكأنه الماء الذي يدب الحياة في الأرواح. .نحن بالخيال سواء كنا قُرّاءً أو كُتّاباً نأخذ الفرصة للتصرف بالتفكير والتدبير.. بالخيال نخلق عوالم جديدة قد تعطينا تفسيراً أو توضيحاً للغموض الذي يحيط بنا، ففي الصفحة 52 من رواية «هاني بعل الكنعاني» نقرأ فنشاهد خلقاً جديداً ينمو ويتحرك: «وما أن غطست عيناي فيما وراء البصر، حتى رحت أحلم أحلاماً عجيبةً.. أشاهد فيها جنيناً متكوراً، مغمض العينين، إلى أن راح يسبح في رحم أُمِّهِ الذي كان واسعاً واسعاً لدرجة أنني لم أتخيل أبعاد ذلك الاتساع.. يبدو أنها بحيرةٌ بعيدةُ المدى، تعوم فيها السفن التجارية المزركشة الألوان.. شواطئها مُسيّجة بغابات صنوبرية، وأرز كنعاني الخضرة، تُزَنِّرُ جنباتِه المزهرة بالجنان، والناس يتحركون على شواطئها وهم يعملون بأشغال مختلفة كالخلّان، وبعضهم يلعبون ألعاباً لم أفهمها، وآخرون يضحكون ويمرحون، وكأنهم في أعراس سعيدة وعالم حنون...» وتستمر التخيلات، وتستمر الأحلام ترسم لنا عالم هاني بعل الكنعاني منذ لحظة كونه جنيناً في بطن أمه..وهذا السرد الروائي المُتخيل هو فن واقعي ولكنه غير مرئي، هو حلم للسارد، وهذا مثالٌ للخيال القادم من الأحلام، وهناك مصادر أخرى له وهي التأمل، فأنت بالتأمل تشاهدي طائر الواقواق، أو طائر الرخ، أو تشاهدي الديناصور يمشي بيننا..الخيال يُجمِّل المشاعر الإنسانية..يجمل مشاعرنا في الحياة..يجعلنا نشاهد الحياة بالألوان..يشعرنا بلذة المشاهد المعيشة بالتفكير..والحديث يطول حول الخيال، لدرجة يحتاج معها إلى كتاب مؤلف حول الموضوع.
* ما الذي دفعك لأن تكتب رواية هاني بعل وتضيف عليها لقب الكنعاني؟
- الذي دفعني لكتابة رواية «هاني بعل الكنعاني» هو أن هذا البطل الذي اعتبره البعض أعظم قائد في التاريخ، متفوقاً على الإسكندر ذي القرنين، وعلى نابليون الذي هُزِم في عدة معارك نذكر منها؛ غزو مصر، وغزو عكا، وغزو روسيا، وكانت آخر هزائمه القاسية في معركة واترلو. ولكن هاني بعل انتصر في كل المعارك التي خاضها ضد الرومان خلال ثلاثة وأربعين عاماً قضاها منتصراً وهو واقفٌ على سيفه في أراضي المعارك، ما عدا المعركة الأخيرة، حيث كان جيشه خالي الوفاض من الطعام والملابس والأسلحة والرواتب، ومن دعم دولته له بعد سيطرته على إيطاليا خمسة عشر عاماً وهو يصول ويجول في انتظار اقتحام روما، ورغم كل هذا، فهو لم يأخذ حقه في الإعلام العربي والعالمي، حتى أن دولته القرطاجية لم تُزوِّده بمستلزمات الحرب، مقارنة مع القادة الرومان الذين انتصر عليهم وأفناهم في ساحات المعارك، رغم أن جيوشهم الرومانية وتموينها ورواتبها كانت تقدم من ملاك الدولة، وميزانيتها بصفتهم جيشها.
وأما صفة الكنعاني، فذلك لأن هاني بعل كان يعيش في مجتمع تونسي كنعاني الجذور، إذ إن منبعه مدينة صور الشامية، وتربيته في قرطاجنة وأيبيريا (إسبانيا والبرتغال اليوم) التي كانت تابعة لقرطاجنة التونسية آنذاك، بينما سفن القوم تعوم في «البحيرة الكنعانية» التي كانت بيئة تجارية سعيدة يتواصل بها التجار والعشاق والمستكشفون لبلاد العالم.. ومنها إلى اكتشاف الكنعانيين لغرب وجنوب إفريقيا، ولما تسمى اليوم الأمريكتين.. واستطعت في هذه الرواية تصوير الحضارة الزراعية والصناعية والتجارية الكنعانية المذهلة، التي دمرها التوحش الروماني، وهدم بيوتها وكل معالمها، ووصل الحقد الروماني إلى أن زرع أرض قرطاجنة بالملح، كي لا ينبت فيها الزرع إلى الأبد. واستمر ذلك الدمار الحضاري، إلى أن صار اسم «البحيرة الكنعانية» «بحر الرومان»، وصارت «كل الطرق تؤدي إلى روما» ذلك التوحش وإلغاء الآخر، المستمر من تلك الأيام إلى يومنا هذا بدون توقف.
* هل هاني بعل بطل، أم شخصية رئيسة كما هي باقي الشخصيات في رواياتك؟
- في رواياتي الثلاث عشرة لم أكن أومن بمفهوم البطل، إذ إنني عادة ما أسرد تصرفات الشخصية لأحاسبها عليها، وقد نأتي بشخصية متوحشة قاتلة مثل المحتل الإسرائيلي، ليس لنقول إنه بطل، بل لنفضحه ونوضح كونه شخصية مجرمة.. وأما في رواية «هاني بعل الكنعاني» فلقد كان هذا بطل، لأنه بقي واقفاً على سيفه، وحارب قائداً لعشرات آلاف المقاتلين، منذ أن كان عمره واحداً وعشرين عاماً وحتى توفي في الرابعة والستين من العمر، بعد أن قتل حوالي عشرين قائداً رومانياً في المعارك..كان ينتصر وهم يتساقطون، أفليس هذا الذي يدافع لمنع تلويث البحر الكنعاني، ومنع احتلال بلاده بطلاً، بل أعظم أبطال التاريخ؟
* أين تمثلت الإنسانية والقوة في رواية هاني بعل؟
- كان هاني بعل يحب شعبه، ويتفاعل مع فقرائهم في قرطاجنة، ويلعب مع أطفالهم، رغم أنه ابن القائد الأكبر هاملكار.. وعلى الصعيد الشخصي أحب الأيبيرية ميليسيا التي تزوجها وأنجب منها..كان يمازح جنوده، وينام بينهم في الميدان مفترشاً جلد أسد ومتلحفاً بفرائه.. كان يسابق فرسانه ويتدرب معهم، ويأكل معهم ليس ليملأ بطنه، بل ليحفظ طاقة جسمه فقط..وكانت خططه الحربية متميزة ومتفوقة دائماً وواصلة لتحقيق الانتصار في كل معركة، وكان إذا قتل قائداً رومانياً في المعركة، تجدينه يُكَفِّنه باحترام ويوصله إلى معسكره، بينما كان المتوحشون الرومان يبشِّعون بجثة قائد كنعاني يقتلونه، ويتفننون بتشويه جثته.تماماً كما بشّع الإسرائيليون بتابوت شيرين أبو عاقلة، القائدة الإعلامية الشهيدة التي التف حولها العالم كله. وهكذا استمر يعامل الجميع برفق إلى أن زاد عدد جنوده، تحت باب: «إذا حققت نصراً، انضم إليك حتى أعداؤك، وإذا حققت هزيمة انفضّ عنك حتى المقربون منك.» ونظراً لأنه كان يحقق الانتصارات دائماً فلقد تزايد جنوده المحبون، وبالتالي نقص تموين الجيش، وتلاشت رواتبهم، مما وضعه في موقف حرج، وأدى به إلى النهاية المفجعة.
* ما هو الجديد في رواية هاني بعل وهل هي إضافة للمكتبة العربية بشكل خاص وللمكتبة العالمية بشكل عام؟
- «هاني بعل الكنعاني» رواية تاريخية فريدة من نوعها، لأنها تؤرخ لعالم قرطاجنة والبحر الكنعاني، وجنوب أوروبا بسرد تفصيلي مدهش مغري للمتابعة، وتسرد عالم هاني بعل ومن قبله والده هاملكار، عودة إلى أليسار الملكة الكنعانية المؤسسة لمملكة قرطاجنة بطريقة غريبة جريئة ناجحة.. ولمعرفة الإضافات التي قدمتها هذه الرواية للمكتبة العربية، يرجى قراءة هذه الرواية، لأنني لا أستطيع إعادة كتابتها مرّة أخرى.
* ما هدف الروائي صبحي فحماوي من كتابة رواية هاني بعل الكنعاني؟
- هدفت من كتابة هذه الرواية أن أعطي هاني بعل حقه من التبجيل والاحترام والتقدير الذي يستحقه، وأن أزيل عن تاريخه المشاغبات الغربية التي زاودت عليه، وأن أبرز حقيقة شخصيته العظيمة التي لا يتسع الحديث في هذا الحوار لإبرازها.
* ما هي القضايا التي عالجتها رواية هاني بعل ؟
- أوضح السرد كون الكنعانيين ومركزهم قرطاجنة يومها كانوا منارة حضارية سادت العالم في ما قبل الميلاد، وأن البحر الكنعاني كان مركز تجارة عالمية وبيئة للسعادة والفرح والأمان، وبعد مهاجمات الرومان، صار بيئة دامية لقتلى كل من له علاقة بهذا البحر..وتحولت علاقات الصداقات والمحبات إلى حروب قاتلة، واستُبدل التبادل التجاري الحلال بالهيمنة الرومانية ونهب أموال وممتلكات الشعوب وتحطيم آثار ومكتبات البلاد التي سيطروا عليها، وزرع مبانٍ ومعالم تبرز قيمهم التي كانوا يتغنون بها..كان هاني بعل يقاوم كل هذا التمدد الوحشي الروماني، ولكن جماعته الذين كان يدافع لمصلحة بقائهم مزدهري التجارة والرخاء لم يسندونه، ولم يقفوا معه، بل أحياناً كانوا يقفون ضده ويتزلفون لدى روما، وأحياناً يطلبون منها اغتياله.
* هل شخصية هاني بعل مظلومة ومعتّم عليها؟
- بالتأكيد..كان هاني بعل مظلوماً في كون مملكته القرطاجية قد تخلت عن دعمه، ولم تتمنّ له النصر، خوفاً من أن يعود إليهم منتصراً فيسيطر على الحكم مكان جماعتهم الأرستقراطية «هانو».
* ما هو الأسلوب الجديد في رواية هاني بعل الكنعاني؟
- أعتقد أن أسلوب سرد «الحلم» الذي كان مُكمِّلاً لسرد الحكواتي أو مناصفاً له، هو أسلوب جديد، يعطي تغطية موسعة لأحداث الرواية..إذ كان في كل ليلة ينام ليحلم بقدوم هاني بعل حياً أمامه، منتظراً الحديث معه عن أحواله ومشاعره وليكمل التغطية التاريخية حالماً..وأعتقد أن الجديد في هذه الرواية هو قصتيّ حب عاشهما هاني بعل، خاصة مع محبوبته الأولى أميليس التي أنجب منها طفلاً، والثانية هي الجميلة ألبينا، التي أهداه إياها والدها كبير قبائل ما وراء جبال الألب، تيمناً بأن تحمل لهم منه ولداً يكون بطلاً كأبيه..كانت الرواية مزركشة بقصص الحب والحرب، والسلم والخوض في أنهار يصعب الخوض فيها..مما يغري القارئ للاطلاع على تلك العذابات والمعاناة في كل موقع نهري أو ثلجي ألبي، أو مستنقعي.
* هل تعتقد أن رواية هاني بعل غيّرت المفهوم السائد في كتابة الرواية التاريخية؟
- كل روائي وله طريقة في السرد التاريخي..بعضهم كان موفقاً، وسلساً ومدهشاً، وبعضهم كان ضعيفاً، وربما فاشلاً في تقديم الفكرة المطلوبة..وأعتقد أنني وُفقت في تناول هذه الشخصية فنياً وجمالياً ودرامياً، وأوصلت الفكرة بطريقة دراماتيكية مغرية للمتابعة، ومفيدة للمعرفة، وأن أدعي أنها رواية معلوماتية من الدرجة الأولى.
* ما هي العقبات التي واجهتك وأنت تكتب الرواية، كونك تكتب لكافة الناس بمختلف مستوياتهم الثقافية والاجتماعية والاقتصادية؟
- ليست عقبات تلك التي واجهتني في كتابة الرواية، وإنما متاعب وكثرة مراجع البحث والمصادر التي جعلتني أستشف منها أفكاري لتبيان حقيقة شخصية هذا البطل ورسمها بالطريقة اللائقة التي يستحقها هاني بعل، وأيضاً الكتابة وإعادة الكتابة لعدة مرات بهدف صقل اللغة وتقديم وجهة نظر العرب بصفتها المعلومة الصحيحة والمغرية للقارئ والقادرة على توصيل الرسالة التي أريد، وهي رسم الحقيقة كما كانت.
* هل كانت اللغة في رواية هاني بعل معقدة أم بسيطة مفهومة؟
- يهمني دائماً في كتاباتي سرد اللغة السهلة الوصول إلى قلب القارىء قبل عقله، وأن أساهم في تعزيز اللغة العربية التي يهاجمها الذباب الإلكتروني في كل مكان..الروائي العربي مطالب بترسيخ لغته، وتحديثها وتبسيطها، لتبقى قوية بين باقي اللغات العالمية التي هي في الحقيقة أضعف من العربية، ولكن التكنولوجيا ووسائل الاتصالات العالمية تحاول الطغيان عليها. يهمني دائماً تقديم اللغة العربية الفصحى خاصة أنها رواية تاريخية، وأن أُبسِّطها بالمحكية، وأرفض استخدام الكلمات الأجنبية في رواياتي، وأعمل على تعريبها.
* معروف أن الروائي يكتب نتاج تراكماته المعرفية والثقافية ليّكون بصمته الخاصة، فهل انطلق فحماوي من أيديولوجية معينة أم إنسانية بحتة؟
- معرفتي هي خليط من المعارف العالمية، أجدني أجيِّرها لخدمة جماليات ثقافتي العربية وقضيتنا الفلسطينية.
* ما موقع القضية الفلسطينية في رواية هاني بعل الكنعاني؟
- تسيرين على صفحات رواية «هاني بعل الكنعاني» وكأنك تشاهدين المقاومة الفلسطينية التي تواجه أعتى التحديات العالمية والعربية والفلسطينية المناوئة، أقول هذا بدون تفصيل.