عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    29-Dec-2024

سورية وخطايا "النخب" العربية*موفق ملكاوي

 الغد

لم أسارع إلى الكتابة عن التغيير الحاصل في سورية، ربما كان ذلك بسبب عدم اليقين الذي يصبغ الحدث بأكمله، وأيضا، بسبب التحديات الكبيرة التي تواجه الحكم الانتقالي الذي لم يكن في حسبانه، بالأصل، أن يتصدى لحكم سورية لحظة هجومه المفاجئ على حلب.
 
 
في كل الأحوال، لا بد أن نكون متفائلين بما جرى في سورية، خصوصا الإعلام الذي ينبغي أن يبني جسور ثقة مع المرحلة الجديدة، وأن يدفع إلى إنجاح التجربة، فما تعرض له السوريون لم يكن حدثا عابرا، بل جحيما لم يختبره شعب آخر، ومذابح توالت على مدار عمر نظام متوحش تواطأت معه أنظمة ودول كثيرة.
 
حين انطلقت الثورة السورية في العام 2011 بسلميتها التي عرفها العالم كله، وتاليا الرد المتوحش من النظام، تم فرز العالم بين أن تكون إنسانا قادرا على استجلاء مشاعر البشر وتوقهم إلى الحرية والكرامة، وبين أن تكون محتكما إلى أيديولوجيا ترى في نفسها كيانا فوق الإنسان، خالعة عن نفسها أي نوع من التعاطف.
خلال أكثر من نصف قرن من حكم آل الأسد، وزهاء أربعة عشر عاما من عمر الثورة، لم يواجه السوريون وحشية النظام فحسب، بل واجهوا، كذلك، سيلا من النخب التي تدّعي الثقافة والتنوير والتقدمية، شكلت في مجموعها حائط صد أمام طائفي لم يتورع عن فعل أي شيء لإخضاع شعبه، بما فيه استقدام الجيوش من روسيا وإيران، والميليشيات الطائفية من عشرات الدول.
جزء كبير من خطيئة المذبحة السورية معلقة في عنق هذه النخب التي حاولت على الدوام تزوير الحقيقة، وتصدير صورة مخالفة لنظام طائفي وحشي، وتقديمه على أنه أساس الممانعة والمقاومة، في الوقت الذي احتفظ فيه بحق الرد لسنوات وسنوات، بينما ظلت جبهته هي الأكثر أمنا منذ توقيع اتفاقية فك الاشتباك مع الكيان الصهيوني في منتصف العام 1974.
جزء كبير من خطايا ضحايا القتل والاغتصاب والاعتقال والتهجير والاختفاء، معلق بأعناق من دافعوا بـ"همّة عالية" عن الإجرام والمجرمين، غير مبالين بشعب كامل يصادر رأيه وحياته وكرامته، لأجل طبقة حكم أسست وجودها على إلغاء كل ما عداها.
اليوم، أرامل الأسد موجودون في كل مكان، وما أكثرهم عندنا في الأردن. نتذكر حراكهم الكبير خلال حرق الشعب السوري بالبراميل المتفجرة، بينما هم يزحفون يوميا إلى مقر سفارة الأسد، أو حين يجتمعون بالمجرم الراحل بهجت سليمان، ويدبجون له كلمات الشكر والعرفان على جهود نظامه في إفناء شعبه. نتذكرهم وهم يطلقون "فتاوى التكفير" السياسية في حق كل من خالفهم، ويصفونهم بعملاء الصهيونية. نتذكر رحلاتهم المكوكية إلى قصر الطاغية بدمشق، والشدّ على يده لكي يجتهد أكثر في ذبح شعبه، من أجل أن تتكلل جهوده بـ"وأد المؤامرة" على نظامه المقاوم الممانع الديمقراطي.
خلال كل ساعة من عمر الثورة التي أفنت أعمار مئات الآلاف من السوريين، وشردت الملايين، كانت هذه "النخبة" موجودة لتبارك السفّاح، وتلعن الضحية. واليوم، لسنا في صدد فتح دفاتر الماضي، بل ندعوهم إلى أن ينظروا بإنسانية إلى ضحاياهم الذين اشتركوا بذبحهم من الوريد إلى الوريد، وأن يتوبوا إلى إنسانيتهم، فلا شيء يبرر ذبح الإنسان واضطهاده وكسر إرادته.
أودّ، في النهاية، أن أتذكر زميلي وصديقي منار رشواني. أودّ أن أتذكره غير مهموم ولا ملهوف بتتبع أخبار ثورة شعبه. وأودّ أن أعتذر له عن جملة قلتها له في ساعة يأس، وظننتها نتيجة حتمية لثورة شعب لم يجد من يعينه. كان ذلك قبل سنوات طويلة حين استعان الأسد بروسيا. يومها قلت له: "لا فائدة. لن تنتصر الثورة".
أنا آسف يا صديقي. أعترف بأنني لم أكن صبورا، ولم يسعفني الإيمان الكامل بالشعب.. ولا رجاحة العقل.