خوارزميات الذئاب غير المنفردة*د. محمود أبو فروة الرجبي
الغد
يتحدث العالم الآن عن ديكتاتورية من نوع آخر، أخطر من أي ديكتاتورية أخرى، تتحكم بالناس في مختلف الـمستويات، وتؤثر على كل فرد في العالم، ولا يمكن لأي كان مهما كان قويا، أو ثريا، أو صاحب نفوذ أن ينجو منها، وهي «ديكتاتورية الخوارزميات».
الخوارزميات ببساطة هي أنظمة برمجية تحدد كيفية تصنيف الـمحتوى الرقمي الـمنشور والمبثوث من خلال منصات التواصل الاجتماعي، وتطبيقات الإنترنت الأخرى، وعرضه، أو الاستجابة لمستخدمي تطبيقات الإنترنت بناء على تحليل البيانات وتفضيلاتهم الشخصية، هذا ما جاء في تعريفها من خلال الـمراجع الـمختلفة، واضيف عليه أنا أيضا أن هذه البرمجيات لا تخضع لتفضيلات الشخص فقط، بل لعوامل أخرى، أخطر مما نتصور، وهناك تدخلات بشرية تتحكم بتوزيعها لها أجندة قد لا تتوافق مع أهدافنا، وقيمنا، وما نطمح إلى تحقيقه في حياتنا، وأقصد هنا نحن العرب.
الخوارزميات أصبحت جزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، حيث تلعب محركات البحث دورا رئيسا في الوصول إلى المعلومات عبر الإنترنت. ومع ذلك، فإن تصميم هذه الخوارزميات واستخدامها يثير العديد من التحديات القانونية، الاجتماعية، والأخلاقية، مما دفع البعض إلى وصفها بأنها ديكتاتورية تسيطر على تدفق الـمعلومات، وتجعل الشخص يشعر أنه يصل إلى ما يريد وهو فعليا مسير من قبلها، ولا يمكن أن يخرج عما تريده منه قيد أنملة.
وإذا كانت الولايات المتحدة الأميركية هي المسيطرة – في الغالب- من خلال شركاتها المتعددة على هذه الخوارزميات، فإنها ستخدم المصالح الأميركية، ولن تراعي مصالح الآخرين إلا بمقدار ما تتوافق مع هذه المصالح.
وللتدليل على ما نقول، سنلجأ إلى تقرير سياسات (Policy Report) بعنوان «فوائد وخطورة خوارزميات منصات التواصل الاجتماعي» بالإنجليزي: (The Pros and Cons of Social Media Algorithms)، صدر هذا التقرير العام الفائت عن مركز السياسات الحزبية (Bipartisan Policy Center - BPC)، وهو مؤسسة أميركية بحثية غير ربحية تهدف إلى تقديم تحليلات وتوصيات لصناع القرار، وخلاصة ما جاء في هذا التقرير بخصوص حرية التعبير والـمحتوى الرقمي « هناك دور للخوارزميات في مراقبة المحتوى لتقليل الأخبار الزائفة وخطاب الكراهية، لكنها قد تؤدي أيضا إلى فرض رقابة غير عادلة أو إسكات بعض الفئات الـمهمشة»، وفي نقطة أخرى يشير التقرير إلى «مكافحة التحيز في الذكاء الاصطناعي» حيث يؤكد على «إمكانية استخدام الخوارزميات لتقليل التمييز، لكنها قد تعكس تحيزات بشرية مدمجة في بيانات التدريب، مما قد يؤدي إلى تعزيز الصور النمطية أو التأثير على مجموعات معينة».
ومن جهة أخرى، يشير الكاتب كريستوفر جيه (Christopher J.) في مقال بعنوان :» «صعود الديكتاتورية الخوارزمية: كيف تعيد وسائل التواصل الاجتماعي تشكيل المجتمع» (The Rise of the Algorithmic Dictatorship: How Social Media is Rewiring Society) إلى دور هذه الخوارزميات في تحديد المحتوى الذي نراه وكيفية عرضه؛ فهي تعيد تشكيل أدمغتنا وهياكلنا الاجتماعية، ويؤكد على أنها تعزز التفاعل من خلال عرض محتوى مثير للجدل، مما يؤدي إلى زيادة الاستقطاب وتعزيز «غرف الصدى» حيث يتعرض الأفراد لآراء مشابهة لآرائهم فقط. هذا يمكن أن يؤدي إلى تعزيز التطرف وتقليل التعرض لوجهات نظر متنوعة. بالإضافة إلى ذلك، يسلط المقال الضوء على كيفية استغلال هذه الخوارزميات لنقاط الضعف النفسية لدى المستخدمين، مما يؤدي إلى زيادة الإدمان على المنصات الرقمية، وفي موضع آخر في الـمقال يحذر الكاتب من أن هذا «الديكتاتورية الخوارزمية» يمكن أن تقوض الديمقراطية من خلال نشر المعلومات المضللة والتلاعب بالرأي العام.
الخلاصة تلعب الخوارزميات الدور الأول في حياتنا في التحكم بما نراه، ونسمعه، وهي قادرة على نشر محتوى أشخاص محددين، وجعلهم يصلون إلى أي جمهور مستهدف، وفي حالة حصول تضارب بين مصالحنا، وأهداف الدول المسيطرة عليها، فلا نعرف كيف يمكن استخدامها وتحويلها إلى سلاح جاهز ليكون مصوبا نحو صدورنا.
الخوارزميات ليست بريئة، وهي مثل الألغام شديدة الانفجار، تقوم بدور الذئاب غير المنفردة التي لا نعلم متى تتحرك لتؤثر على استقرارنا في وطننا العربي الكبير الغائب عن هذا المجال، وغير المدرك في الغالب لخطورته، ومن يقوم بالخطوة الأولى لحمايتنا منها؟ مجرد سؤال.