عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    18-Aug-2023

الاعتراف والتصالح مع الذات.. حينما يكون طريقا للتعافي من الآلام

 الغد-ربى الرياحي

 يفقد الإنسان أحيانا البوصلة ويصبح غريبا حتى عن نفسه، بسبب الضغوطات والأحداث والمواقف التي يتعرض لها. تفاصيل كثيرة تحدث أثناء العبور للحياة، أخطاء وخيبات وأشخاص انتهت مدة صلاحيتهم يسقطون على جنبات الطريق، وهناك قرارات تجبرنا على أن ندفع سعادتنا ضريبة لها.
 
 
 
في رحلة الحياة نصطدم بعلاقات بعضها يشوه أجمل ما فينا والبعض الآخر يعيدنا لأنفسنا وللحياة. فالتعافي يبدأ بالاعتراف أولا بكل الآلام التي غزت الروح ونالت من سلامها، لذلك فليكن الاعتراف هو طريق العودة إلى النفس، وذلك بالتصالح مع المتاعب وقراءة الهزائم والخيارات الخاطئة بوضوح دون خلق المبررات والأعذار.
 
لم تستطع سلمى (31 عاما)، أن تتحرر من كل القصص التي تحزنها والتي أيضا تدفعها لأن تتساءل من هي اليوم وإلى ماذا وصلت. تقول "أشعر بأني تائهة عن نفسي، فملامحها ليست ملامحها والضحكة لم تعد ضحكتها"، مبينة أنها لا تذكر متى ضحكت من قلبها. خسارات كثيرة عاشتها نتيجة اختياراتها الخاطئة وقراراتها المتسرعة لم تعد بعدها كما كانت، حتى الأشياء التي تحبها أصبحت عادية في نظرها فقدت شعورها بالانبهار تجاه أي شيء. لكن وبالرغم من ذلك، إلا أنها تصر على أن تتعافى من كل شعور آذاها وسرق منها ضحكتها واندفاعها نحو كل ما تحب. سلمى أدركت أخيرا أنها ستبقى سجينة آلامها وأخطائها إن لم تستطع أن تعترف أمام نفسها وتواجهها بالحقيقة.
أما لينا، فترى أن تجاهل الألم لا يعني أنه ليس موجودا، فخيبات الحياة لا تنتهي وأيضا لا تستحق الوقوف عندها طويلا، مشيرة إلى أن التعافي يكون بالتخلص من كل التراكمات السامة العالقة بالروح وعدم الالتفات للذكريات مهما كانت.
تقول "لا شيء يستحق أن نتمسك به حد الإيذاء وأن نتقبل الحزن من أجله. نحن نتعافى إذا قررنا أن نكون صريحين مع أنفسنا ونتصالح مع كل ما مررنا به من ألم".
لينا تؤمن أن كل شيء قابل للتغيير وأن الأخطاء بمثابة دروس تجعل منا نسخة أفضل، فالآلام قد تكون سببا في قوتنا وقد تدفعنا لأن نرى الأشياء بنظرة مختلفة بحثا عن الحياة المرضية التي لا يمكن أن يصلوا إليها إلا بعد أن يتعافوا.
الاعتراف هو أولى خطوات التعافي، كما يبين الاختصاصي النفسي الدكتور موسى مطارنة، يقول "الإنسان دائما لكي يكون متوازنا نفسيا وقادرا على التكيف مع المجتمع، فمن الضروري أن يكون صادقا مع نفسه قبل كل شيء، ولكن للأسف هناك بعض الشخصيات التي ترفض الاعتراف بالخطأ، بل قد يصرون عليه ويدافعون عنه غير سامحين لأنفسهم برؤية الأمور بطريقة جديدة".
ووفق مطارنة، فإن الاعتراف هو الحل للتحرر من تراكمات ترهق الروح وتتعب العقل. وصولهم للتعافي يجعلهم يتقبلون الألم ويحاولون تطبيبه من خلال قراءة الموقف كما هو وفهم كل ما يحدث، وبذلك يستطيع الإنسان الانتصار على مخاوفه والنظر للهزائم والخيبات بوعي أكبر يمكنه من تجاوز كل ما عاشه من حزن وضياع.
ويلفت إلى أن هناك أشخاصا يقررون الوقوف عند لحظة معينة كنوع من معاقبة الذات، هم يدركون جيدا أن مقاطعتهم للحياة تؤذيهم أكثر مما ينفعهم، فالآلام لا تشفى بالتجاهل بالمواجهة واستعادة النفس. هذا ويؤكد مطارنة أن للأصدقاء والعائلة والمقربين دورا كبيرا في وصول الشخص للتعافي، وذلك بمساندتهم له ومساعدته على البوح، فهو يتعافى بالحب وبقدرتهم على فهمه واحتوائه واستيعاب كل ما يشعر به.
ويرى الاستشاري النفسي الأسري الدكتور أحمد سريوي، أننا لسنا مثاليين وكلنا كبشر فينا من العيوب ولدينا مميزات، لا أحد كامل، فحياة النقص هي طبيعة الحياة الدنيا، ولكن الاعتراف بهذه العيوب والتسليم بهذا النقص إحدى المشاكل التي يعاني منها البشر ويستصعبون تطبيقها، خصوصا في ظل مجتمع يصدر الأحكام على الآخرين دون رأفة أو رحمة.
الإنسان يحتاج للاعتراف بما يعاني منه من نقص أو عيوب حتى يستطيع أن يتخطاها، وفق سريوي، باعترافه ينقل هذه السلوكيات من العقل اللاواعي إلى العقل الواعي، حيث سيمكنه من التخلص منها بسهولة أكبر. ولكن هذا الاعتراف قد يتراجع ويعود أدراجه لو قوبل بهجوم وتهكم وإصدار أحكام، خصوصا من قبل أفراد العائلة والأصدقاء المقربين، لذلك من الضروري أن تدرك العائلة ويعرف الأصدقاء أهمية مساندة هذا الفرد المعترف بأخطائه بألا نعلق له المشنقة، بل بمد يد العون والمساندة والدعم له، ليتخطى ما هو فيه.
ويتابع "من الضروري حثه على استشارة المعالج النفسي أو الطبيب النفسي أو المرشد الأسري حسب الحالة التي يعاني منها كي يتمكن من تخطيها بطريقة صحيحة وسليمة ومن دون أي آثار جانبية على أي من حوله من أساسيات العلاج النفسي لأي شخص هو الاستبصار، أي أن يعرف مشكلته ويستبصر بها، وهذا الاستبصار يعني الإدراك مع الفهم والتقبل لهذه المشكلة، ليتمكن بمساندة المختصين ودعم الأهل والأصدقاء من تخطي هذه المحنة بنجاح".