عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    17-Jun-2025

نتنياهو هاجم إيران لتحييد "تهديد وجودي".. لكنه ربما جعل الأمور أسوأ

 الغد-ترجمة: علاء الدين أبو زينة

‏جوناثان فريدلاند*‏ - (الغارديان) 13/6/2025
قضت إسرائيل على العديد من العقول التي تقف وراء برنامج طهران النووي. ولكن لا يتوقعنّ أحدٌ أن يتراجع النظام الإيراني.‏
 
ما نشهده الآن هو حرب جرى التحضير لها منذ 30 عامًا. كان رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، قد تحدث عن تهديد القنبلة النووية الإيرانية في تسعينيات القرن المنصرم، ولم يتوقف عن الحديث عنه تقريبًا منذ ذلك الحين. على مدى عقود ظل يؤمن بأن إيران نووية ستشكل التهديد الوجودي الحقيقي الوحيد لإسرائيل، وأن القوة العسكرية هي الوسيلة الوحيدة الأكيدة لمنع ذلك من التحقق. وخلال العديد من السنوات التي جلس فيها نتنياهو في مقعد رئاسة الوزراء، تمت دراسة الخطط وإجراء التمرينات لتوجيه ضربة شاملة ضد المنشآت النووية الإيرانية. وفي الساعات الأولى من صباح الجمعة، 13 حزيران (يونيو) الحالي، حدث ذلك أخيرًا.
سوف يكون نتنياهو مسرورًا بالنتائج الأولية للهجوم، بما في ذلك القضاء على قادة عسكريين وعلماء نوويين إيرانيين بارزين. لكن العواقب النهائية لهذه الحرب قد تكون مختلفة تمامًا. وربما لم يفعل سوى تسريع الخطر نفسه الذي كان يخشاه منذ زمن بعيد.
ليس من الصعب فهم سبب الضربة الإسرائيلية ولماذا حدثت الآن تحديدًا. كان الدافع هو نفسه، وقد استخدم نتنياهو في بيانه الليلي أشد فصول التاريخ اليهودي ظلمة ليؤكد أن إسرائيل لن تسمح أبدًا بأن تكون عرضة لـ"هولوكوست نووي". لكن التوقيت كان مرتبطًا جزئيًا بحالة ضعف استراتيجي يُعتقد أن الجمهورية الإسلامية تمر بها.
لطالما اعتمد نفوذ إيران في المنطقة على الحلفاء والوكلاء الذين يمكنها الاعتماد عليهم لتشكيل "حلقة نار" تحيط بالعدو الإسرائيلي: نظام الأسد في سورية؛ و"حزب الله" في لبنان؛ و"حماس" في غزة، والحوثيون في اليمن -من دون أن ننسى الميليشيات الموالية لإيران في العراق. والآن ذهب الأسد، وزعيم سورية الجديد، الذي احتضنه دونالد ترامب، يتجه نحو واشنطن بدلًا من طهران. أما "الحاءات" الثلاث، (الحوثيون، حزب الله وحماس)، فقد توصل الحوثيون إلى اتفاق مع الولايات المتحدة؛ و"حزب الله" بلا قيادة وما يزال يعاني من صدمة الهجوم الإسرائيلي في العام الماضي، ما أضعف أيضًا الميليشيات العراقية التي كانت تنسق معه؛ ومن جهتها، شهدت "حماس" القضاء على قيادتها وتدمير غزة بشكل شبه كامل.
وبشكل أكثر مباشرة، أدى رد إسرائيل على الهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة الإيرانية التي استهدفتها في نيسان (أبريل) وتشرين الأول (أكتوبر) 2024 إلى شل نظام الدفاع الجوي الإيراني. وإذا كان أفضل وقت لتوجيه ضربة هو عندما يكون العدو في أضعف حالاته، فقد رأت القيادة العسكرية الإسرائيلية أن هذا الوقت هو الآن.
في هذا التوقيت بالتحديد، وفر السياق الدولي مبررًا أيضًا -حتى وإن لم يكن ذريعة واضحة؛ فقد أعلنت "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" يوم الخميس أن إيران انتهكت التزاماتها في إطار "معاهدة عدم الانتشار النووي" للمرة الأولى منذ ما يقرب من 20 عامًا.
وكما هو الحال دائمًا مع نتنياهو، لعبت السياسة الداخلية دورًا كذلك: يوم الأربعاء، نجا من تهديد مهم لحكومته الائتلافية عندما قام بتحذير أحد الأحزاب الصغيرة غير الراضية من أن التهديد الإيراني يعني أن الوقت غير مناسب الآن لحل الحكومة وإجراء انتخابات مبكرة.
ربما يكون ما شغل حيزًا كبيرًا في حسابات نتنياهو هو الاجتماع الذي كان انعقاده مقررًا يوم الأحد في سلطنة عُمان بين المبعوث الشخصي لدونالد ترامب، ستيف ويتكوف، ونظيره الإيراني، وهو اللقاء السادس من نوعه بينهما. هل خشي رئيس الوزراء الإسرائيلي من حدوث اختراق في تلك المحادثات قد يؤدي إلى صفقة شبيهة بتلك التي وقعها باراك أوباما قبل عقد من الزمان، والتي كانت ستسمح لإيران بمواصلة تخصيب اليورانيوم بطريقة مقبولة لدى الولايات المتحدة، لكنها غير مقبولة لدى إسرائيل؟
كان نتنياهو قد أقنع ترامب في العام 2018 بالانسحاب من الاتفاق الذي أبرمه أوباما، مستفيدًا من ميل ترامب إلى تفكيك إرث سلفه. أما التوصل إلى صفقة جديدة تحمل توقيع ترامب فكان لا بد من منع ذلك بأي وسيلة ضرورية.
وفقًا لهذا الفهم، يكون نتنياهو قد تحدى للتو إرادة أكبر راعٍ له، الولايات المتحدة، وفعل ذلك بجرأة. ولعل ما يدعم هذا الرأي هو البيان اللافت لوزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، الذي قال فيه إن العملية الإسرائيلية كانت "أحادية الجانب"، وإن "الولايات المتحدة ليست ضالعة في الضربات ضد إيران". ويتماشى هذا بالتأكيد مع كلمات ترامب نفسه قبل ساعات فقط من بدء الهجوم الإسرائيلي. قال الرئيس: "أود أن أتجنب نشوب صراع"، موضحًا أن الولايات المتحدة وإيران كانتا "قريبتين إلى حد ما" من التوصل إلى اتفاق. وأضاف: "طالما اعتقدت أن هناك اتفاقًا، لا أريد [للإسرائيليين] أن يتدخلوا، لأنني أظن أن ذلك سيفسد الأمور".
مع ذلك، انظر إلى ما قاله ترامب بعد ذلك مباشرة. قال متفكرًا: "قد يساعد ذلك فعليًا"، مشيرًا إلى أن الهجوم الإسرائيلي قد يدفع الإيرانيين إلى التركيز خلال المفاوضات، ويدفعهم إلى قول "نعم" بدلًا من "لا". ولاحِظ كيف تفاعل ترامب مع الهجوم الإسرائيلي بمجرد أن بدأ، حين قال لقناة (إيه. بي. نيوز) صباح الجمعة: "أعتقد أنه كان ممتازًا. لقد منحنا [الإيرانيين] فرصة ولم يغتنموها. لقد ضُربوا بقوة، بقوة شديدة... وهناك المزيد قادم. الأكثر بكثير".
ربما يكون كل ذلك مجرد تظاهر، حيث يفضل ترامب حفظ ماء الوجه -وادعاء الفضل- على الاعتراف بأن إسرائيل خالفت رغبته. لكننا نعرف كيف يتحدث ترامب عندما يشعر بأنه تعرض للإهانة. ولا يوجد حتى الآن أي مؤشر على ذلك. ومع تعهده بالدفاع عن إسرائيل ضد أي رد إيراني، تزداد احتمالية أن تكون محادثات سلطنة عُمان مجرد خدعة تم التفاهم عليها مسبقًا لخداع طهران، وأن الولايات المتحدة ليست مجرد مراقب لهذه الحرب، وقد تُجر للمشاركة فيها أكثر فأكثر.
يقودنا هذا إلى السؤال الذي يهم أكثر من دافع أو توقيت لهذا التحرك الإسرائيلي: هل كان قرارًا حكيمًا؟ سيرى البعض أن إسرائيل قد أساءت التقدير، وأن بعض الدول العربية التي قدمت لها المساعدة سرًا ضد إيران قبل عام قد تتردد في تكرار ذلك الآن. لكنَّ هذا قد يكون خطأ في قراءة الغضب الشعبي باعتباره متعارضًا مع الرضا الخاص. ويقول مراسل مجلة "الإيكونوميست" في الشرق الأوسط إن "الكثير من الناس في الشرق الأوسط سعداء برؤية إيران تُضرب... اللبنانيون، والسوريون، واليمنيون الذين عانوا لسنوات بسبب الجمهورية الإسلامية، سعداء برؤيتها تنزف".
سيرى آخرون أن الهجوم ربما كان مذهلًا، خاصة من حيث القضاء على عدد من الشخصيات البارزة، أما إذا كان الهدف النهائي هو منع إيران من الحصول على قنبلة نووية، فإنه لا بد أن يفشل. فقد أكدت "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" أن موقع نطنز قد ضُرب، لكن المحللين يوضحون أن الجزء الأساسي من هذه المنشأة يوجد عميقًا جدًا تحت الأرض بحيث لا يمكن للقوة النارية الإسرائيلية التقليدية الوصول إليه. وينطبق الأمر نفسه على موقع فوردو المخبأ داخل جبل. ويتطلب الأمر قنابل أميركية خارقة للتحصينات لضرب تلك المواقع، وربما لا تستطيع هذه القنابل من تحقيق ذلك أيضًا.
لكن هناك سببًا أقل مادية لاعتبار عملية "الأسد الصاعد" فاشلة في النهاية. من المؤكد أن المتشددين في إيران سيصبحون الآن أكثر، وليس أقل تصميمًا على امتلاك سلاح نووي. ولا بد أن يكونوا تعلموا ما يمكن تسميته بـ"درس كوريا الشمالية". بعد حرب العراق، تخلت ليبيا عن برنامجها النووي. ولم تمضِ سنوات كثيرًا حتى أصبح الديكتاتور الليبي، معمر القذافي، مقتولًا في حفرة. وكذلك فعلت أوكرانيا حين تخلت عن قنابلها النووية، لتتعرض لاحقًا لغزو من جارتها. وفي المقابل، اتخذت سلالة الديكتاتورية في بيونغ يانغ الخيار المعاكس: احتفظت بأسلحتها النووية، ولم يجرؤ أحد على لمسها.
من المؤكد أن هذا المنطق قاتم، لكنه قوية، ويبدو أنه يترسخ في طهران. انظر فقط إلى البيان الذي صدر الجمعة عن الحكومة الإيرانية: "أصبح العالم يفهم الآن بشكل أفضل سبب إصرار إيران على حقها في التخصيب، والتكنولوجيا النووية، والقدرة الصاروخية". يبدو هذا وكأنه تمسك مضاعف بالموقف فحسب.
وحتى لو جرى إحباط مساعي الإيرانيين بطريقة ما، فإن الدرس لن يفوت على بقية دول الجوار. قد لا ترغب السعودية وتركيا في وضع نفسيهما تحت مرمى قنابل إسرائيل من خلال السعي إلى الحصول على برنامج نووي، لكنهما لا تريدان أيضًا أن تكونا مثل ليبيا أو أوكرانيا. وعلى الرغم من المخاطر، قد تخلص الدولتان إلى أن الخيار الأفضل هو أن تكونا كوريا الشمالية. سوف يزداد امتلاك سلاح نووي جاذبية فقط. وسوف تصبح المنطقة المتوترة أصلًا، بل الأكثر اضطرابًا في العالم، أكثر خطورة الآن.
لذلك، نعم، يستطيع لنتنياهو أن يتطلع إلى خوض الانتخابات الإسرائيلية المقبلة بصفته الرجل الذي أذلّ العدو اللدود لإسرائيل. وسوف يُحدث عمله صدى جيدًا. لكنه ربما يكون قد قرّب بهذا التحرك أكثر من أي وقت مضى تحقُّق الكابوس المتمثل في شرق أوسط نووي. وهو واقع خطر على بلده -وعلى العالم كله.
 
*جوناثان فريدلاند Jonathan Freedland: كاتب عمود في صحيفة الغارديان.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Netanyahu attacked Iran to avert an ‘existential threat’. He may have made it worse