الضحية المزيفة: كيف تبيع هوليوود الشعوب الأميركية بوصفهم سذج؟!*أ. د. عبد الرزاق الدليمي
الراي
في كل مرة ازور فيها الولايات المتحدة الأمريكية للقاء ابني تثار في داخلي اسئلة بعضها متكرر والآخر جديد... تصوري وانطباعي الذي يترسخ في كل مرة اكثر من سابقاته ان الشعوب التي استوطنت هذه القارة مهاجرة من كل قارات العالم وحامله معها عاداتها وتقاليدها وثقافتها وقد منّ الخالق عليهم بقارة ملأى بالخيرات والثروات والطبيعة الساحرة ووو....اغلب هذه الشعوب اناس بسطاء لايحملون الضغينة للشعوب الاخرى ومنها نحن العرب والمسلمون بل ان الهم الاكبر لغالبيتهم هو مجاراة متطلبات الحياة المتصاعدة بمتطلباتها وشروطها كل يوم اكثر من سابقه صاغرين لما يمليه عليهم النظام الرأسمالي المتوحش وأكثر مايشغلهم متابعة الرياضة لدرجة انك تجد كل قنواتهم التلفازية تتابع اخبار الرياضة وتتجاهل بقصد او بدونه اخبار السياسة واهلها بل يندر ان السياسة وشؤونها المزعجة تحظى بإهتمامهم والحصيلة انهم شعوب بسيطة جدا ابعد عما تحاول ان ترسخه باذهاننا هوليوود وبقية طبول الدعاية المنظمة الرأسمالية الأمريكية......في مقابل ذلك نجد
عالما آخر تُبنى فيه الإمبراطوريات على الجماجم وتُجمَّل الحروب بالأفلام، تصرّ هوليوود – الذراع الناعمة للإمبراطورية الأمريكية – على تسويق المواطن الأمريكي لا كمجرم أو متواطئ، بل كضحية ساذجة، مضحوك عليها، تجهل ما يدور حولها. فهل هو تسويق لبراءة زائفة، أم وسيلة لتبييض الوجه القبيح للهيمنة؟
حين يكون المواطن ضحية والآلة بريئة!
من يتأمل سرديات الأفلام الأمريكية، سيجد نمطًا غريبًا يتكرر بأن النظام السياسي فاسد، النخبة خائنة، لكن “الشعب طيب”، “مضحوك عليه”، “غافل”، بل وربما “أغبى من أن يفهم”!
سواء في أفلام الحروب (American Sniper)، أو الكوارث (Don’t Look Up)، أو الجريمة والفقر (Joker)، دائمًا ما يُقدَّم المواطن الأمريكي ككائن ساذج، طيب، مُضلّل من الإعلام والنظام، وليس كشريك في إنتاج السياسات القاتلة.
نقد ناعم” أم غسل شامل؟
يبدو هذا النقد وكأنه جريء، شجاع، بل ويمنح الانطباع بأن أمريكا “تحاسب نفسها”. لكن الحقيقة أكثر تعقيدًا. فغالبًا ما يتحوّل هذا “النقد” إلى إعفاء جماعي من المسؤولية.وتحويل الجريمة إلى خطأ فردي أو إداري.وإعادة إنتاج صورة “أمريكا التي تخطئ لكنها تتعلم”.
إنه نقد لا يهدم البنية، بل يجمّلها… نقد يسوّق على أنه ثورة، لكنه لا يطالب بتغيير جذري، فقط “ترميمات شكلية” داخل نفس البيت المائل.
هوليوود تبيع النقد.. لكنها تشتري الولاء
فالنقد الذاتي في السينما الأمريكية أصبح سلعة. يُصنّع في استوديوهات رأسمالية ضخمة، ويُقدَّم للمشاهدين على أنه “مواجهة للفساد”. لكن من المستفيد الحقيقي؟ في أغلب الأحيان لا يُدان الشعب كمشارك في جرائم العالم.ولا تُحمّل الرأسمالية أو الإمبريالية مسؤوليتها كاملة.
بل يُقدَّم الأميركي كـ”إنسان طيب” وقع ضحية قرارات خاطئة من فوق.
وهكذا، بدلاً من توجيه الاتهام للشعب أو الثقافة العامة، يُقدَّم السياسي أو الجندي أو الإعلامي الفاسد كاستثناء، لا قاعدة.
إسقاط على الخارج فعندما تُجمَّل الهيمنة
من المهم ملاحظة أن هذه السردية تخدم صورة أمريكا في الخارج أيضًا لا تكرهوا الأمريكيين، بل حكومتهم”ولا تحمّلوا الشعب مسؤولية ما تفعله آلة الحرب”والأمريكي مثلنا، فقط خُدع”،بهذا الشكل، يتحول المواطن الأمريكي من فاعل إلى مفعول به، ومن شريك في السياسات القاتلة إلى مجرد مشاهد طيب النية، مضلل، مغلوب على أمره.
ضحية أم شريك؟
من حق الشعوب أن تنتقد حكوماتها. ومن الرائع أن تمتلك وسائل تعبير حرة. لكن ما يحدث في كثير من إنتاجات هوليوود ليس نقدًا ثوريًا، بل نوع من التبييض الجماهيري الذي يُبرّئ الذات الوطنية ويُحمّل المسؤولية لـ”قلة” في القمة.في عالم تُسفك فيه الدماء تحت شعارات الحرية، يبقى السؤال الملح والمهم...هل المواطن الأمريكي ضحية؟ أم مجرد شريك سلبي في آلة الهيمنة؟