عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    09-Jul-2025

"صوت الجيل".. مشاهد من الإبداع الشبابي وتأملات في فعل الكتابة

 الغد-عزيزة علي

 في عددها الرابع والثلاثين، تمسك "مجلة صوت الجيل"، التي تصدرها وزارة الثقافة، بخيوط القلق المعرفي والتأمل الجمالي، والانشغال الحي بأسئلة الحاضر والمستقبل، من خلال مقالات، ونصوص، وحوارات، تضيء مشهد الكتابة الشبابية في الأردن والعالم العربي. فالمجلة لا تكتفي بتوثيق الإبداع، بل تذهب إلى ما وراء النصوص، تفتش في دوافعها، وتحتفي بتنوع أصواتها.
 
 
كتب رئيس التحرير، الروائي جلال برجس، عتبة العدد تحت عنوان "الكتابة كجسر نجاة"، أشار فيها إلى أن بعض القراء يظنون أن الكتابة أمر متاح للأدباء في معظم أوقاتهم، وبسهولة شبه دائمة. وغالبا ما يقيمون الكاتب، وتفاصيل معيشته، وطقوسه الإبداعية من زاوية رومانسية خالصة، تتعامل مع الكون بوعي وردي حميم، لا يرى سوى جماليات اللحظة، بعيدا عن أسس الحياة التي تقوم على علاقة المتضادات وما تخلقه من تأويلات تنعكس على وعي الإنسان، مثل: علاقة الحزن بالفرح، الليل بالنهار، الماء الراكد بالماء المتحرك، والألم باللذة.
 
ويرى برجس أن الكتابة ليست مجرد موهبة، بل هي – في الأغلب – ردة فعل داخلية على واقع يراه الكاتب مناقضا لتطلعاته الثقافية، والسياسية، والفكرية، والاجتماعية، والذاتية. فالكاتب كائن قلق، يفتقر إلى ذلك الرضا الطبيعي عن نفسه، وعن الواقع بكل مستوياته. بل إن هناك من يرى أن الكاتب كائن غير سوي تماما، كائن مجروح في وجدانه، وكل ما يكتبه هو محاولة لتضميد هذا الجرح.
لهذا يتمسك بالشرارة – شرارة الكتابة – منذ إحساسه الأول بها، ويمضي في التعاطي معها كمن يعثر على جسر نجاة أمام سيل جارف. ورغم أنها تكبر وتتحول إلى جمرة، فإنها تمنحه الدفء في أوقات البرد الداخلي، لكنها – في أوقات أخرى – تصيبه بالحروق.
ربما يبدو هذا التوصيف موجعا لأولئك الذين يرون في الكتابة مصدرا للمتعة، وموئلا لتصور غنائي للكون، لكن هذا الوجع، في حقيقته، هو المعادل الأقوى لوجع الواقع الذي يعيشه كاتب تنشط مخيلته بابتكار عوالم يرى فيها الحل الأجدى إزاء معادلة الوجود الملتبس؛ وجود يسعى – عبر الكتابة – لفهمه، وتغييره، وللذهاب بصحبة المبتكر نحو مناطقه المعتمة. وهذا ليس مقتصرا على الأدب السوداوي فحسب، بل يشمل شتى أشكال الأدب، إن تعمقنا في طبيعتها.
ويبين برجس أن الكاتب الذي ينتمي إلى هذه الطائفة لا يستمتع بالكتابة وفق التصور الرومانسي الغنائي الذي يتبناه جزء منهم، بل إنه يقاسي مستويات متعددة من الألم. فالكتابة، بالنسبة إليه، مساحة زمنية لإيجاد البديل، لما لا يحقق له الرضا في الواقع بكل تفاصيله الزمانية، المكانية، الثقافية والفكرية.
ويضيف برجس "من خلال فهمي الخاص للكتابة بوصفها ردة فعل جوانية، فإن العلاقة بين الذاتي والموضوعي لدى الكاتب هي علاقة متداخلة إلى حد كبير، ولا سيما في الكتابة الروائية، إذ إن الحديث عن الآخرين، وعن أمكنة متخيلة، وأحداث لم تقع، هو في جوهره حديث عن الذات، ولكن بمستوى جديدا. فالروائي، في مثل هذه الحالة، يرى نفسه من خلال الشارع، ومن خلال الآخر".
وفي هذا السياق، يمارس الروائي مهمة شاقة تتمثل في التخفي، والتمويه، والمواربة، وبناء المتاريس باستخدام أدوات مقنعة، من دون الإخلال بدور المخيلة، التي تمتد لتدس أصابعها في بطن الواقع وتعيد إنتاجه من جديد، كمقترح يمكن التعاطي معه أو رفضه. إنها عملية "تدوير" للواقع عبر آلة مضادة.
ويقول برجس "إن الكتابة ليست متاحة للكاتب في كل الأوقات، بعيدا عن الطقوس والمحفزات التي يعتمدها البعض للمضي في إنجازها. فالكاتب الجاد، بحسبه، يتقاطع في سلوكه الإبداعي مع مملكة النمل، إذ يمضي وقتا – ربما يمتد لسنوات – مرتهنا لمبدأ التراكم: تراكم المشاهدات، التأملات والمصادفات".
ثم، بعد هذا التراكم الصامت، يمنى بشعور داخلي جارف يدفعه للتعامل مع هذه الحصيلة على ضوء فكرة تومض في ذهنه فجأة. حينها، يغدو كالطفل الذي يعثر على ضوء ويقترب منه بفرح غامر، من دون أن يكترث لما قد يتركه عليه من أثر.
ويخلص برجس إلى أن النصائح المقدمة لمن ينوون الإقدام على الكتابة، كالمواظبة اليومية على الجلوس إلى الطاولة، قد تكون نافعة، لكنها لا تصلح للجميع. فبعض الكتاب يرتهنون لمبدأ التراكم الذي يتطلب شكلا خاصا من الاستقرار المزاجي، يتيح لهم إعادة عيش مخزونهم من جهة داخلية مضادة. ويرى برجس أن "كتابة المعاناة في لحظتها تبدو أمرا طوباويا، والدلائل على ذلك كثيرة في تاريخ الأدب العالمي".
في زاوية "البوابة الرقمية"، كتب الشاعر علي شنينات مقالا بعنوان: "قارة الذكاء الاصطناعي"، في ملتقى الأجيال، بعنوان: "حوار على طاولة صوت الجيل"، أجرى القاص والروائي الأردني عثمان مشاورة حوارا مع الروائي العراقي أحمد سعداوي. كما أعد سامر المجالي مصفوفة العدد التي حملت عنوان: "هل يمكن أن يصبح الذكاء الاصطناعي روائيا؟"، شارك في إعدادها كل من: رناد فيصل، علي الخرشة، أُسَيد الحوتري، نور الدين زهير، سوزان خلقي، ووداد أبو شنب.
وفي الباب الخاص بالأعمال الإبداعية الشبابية، الذي يحمل عنوان "ورد بلدي"، نشرت قصص وقصائد وخواطر ونصوص لكل من: أحمد كناني، خالد الشرمان، عضيب عضيبات، قاسم الدراغمة، عبد الرحيم كافيه، عاطف العيايدة، سماح العارضة، ربى حسين حسنين، إيمان زياد، رشاد رداد، هديل عدوان.
أما زاوية "خرائط البوح"، فقد خصصت في هذا العدد للكاتب أحمد عبد الغني، وجاءت تحت عنوان: "سادن الفراغ".
وفي مختبر العدد، نشرت مجموعة من المواد النقدية والمعرفية، من بينها: ""أدب الشباب.. ما له وما عليه"، للدكتورة دلال عنبتاوي، "واقع الكتابة الإبداعية عند الطلبة الجامعيين" للدكتورة صبحة علقم، "الأخطاء العشرة للكتاب الجدد" للكاتب حسام الرشيد، "كيف حول الكاتب مفلح العدوان النصوص المقدسة إلى لوحات إنسانية في مجموعته القصصية (النباح الأخير)" للكاتبة منال العبادي، "التشكيل الفني في رواية (فاطمة: البارود والسنابل) للدكتور محمد الزيود. و"للدكتورة مي بكليزي، "شعرية الموت في ديوان (مكتبة الفل)، وللشاعرة دعاء البياتنة" للأستاذ الدكتور عماد الضمور.
وفي زاوية "مراسيل"، كتبت جانيت العباس تحت عنوان: "أدب الشباب.. انعكاس للتحولات الاجتماعية وصراع الأجيال"، بينما حملت مقالة إكرام العطاري، في زاوية "نقوش"، عنوان: "قلب اللويبدة".