عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    17-Feb-2019

إشاعة - إسماعيل الشريف

 

 
هنالك دائما ركن غبي في عقول أكثر الناس حكمة – أرسطو
 
الدستور - أعتقد بأن الأسبوع الماضي قد سجل رقما قياسيا في عدد الإشاعات والأخبار المفبركة والقصص التي أقل ما يقال عنها أنها مبالغ فيها، ثم هنالك الفيديوهات والمقالات التي يملك أصحابها عصى سحرية لحل أكبر المشاكل المستعصية، ويرون أنهم وحدهم المؤهلون لصياغة الرأي العام.
إذا كانت حياتك هانئة دافئة لن تهتم كثيرا بما ينشر من إشاعات، فاهتماماتك قد تنحصر في تجارب جديدة في الاستهلاك، أو مدن في أصقاع الأرض تنوي زيارتها، وقد تنصب هذه الوفرة على تقوية نزعاتك الإنسانية فتسأل الأسئلة الوجودية مثل ما هدفي من الحياة؟ وكيف يمكن أن أخدم الإنسانية أو أن أحقق ذاتي؟
وهذا ترف لا يقدر عليه الغالبية العظمى من أبناء المجتمع، فهؤلاء همهم الأول كيف يمكن أن أمط راتبي لأقلل من أيام العجز المالي هذا الشهر، أو كيف أستطيع أن أدفع أجرة المنزل وأتجنب السجن حتى لو كان ثمن ذلك مأوى رطب وبارد بلا ماء أو كهرباء.
سؤالهم الوحيد هو كيف يمكن أن أبقى على قيد الحياة؟ تحركهم الغريزة الأساسية المتوحشة الموجودة فينا منذ فجر الإنسانية ألا وهي صراع البقاء، ومن أساسياتها رسم الحدود بين هم وأنا، فأولويتي أن أحترس من الآخر وأشك فيه وأحمي نفسي منه.
هؤلاء الأشخاص من السهولة بمكان التلاعب بهم والسيطرة عليهم من خلال إشاعات أو قصص تأكد قناعاتهم، فهم يبحثون عن طوق النجاة، وما عليك إلا أن تطلق زناد الإشاعة وسوف يتكفلون بنشرها وترسيخها في الأذهان.
أسهل طريقة للسيطرة على الرأي العام وتوجيهه ليس بالتخويف والتهديد، بل بالقصص، فمن منا لا يحب الإشاعة والنميمة، قصص عاطفية نحن محورها.
يحرص مطلق الإشاعة أن يكون فيها كثير من المبالغة والتشويق، أبطالها جلادون وضحايا، وأغبياء وأوغاد، وحبكتها الرئيسية صراع مرير بنهايات مفتوحة.
أحسنت الحكومة صنعا بإطلاق منصات لمحاربة الإشاعة، ولكن برأيي هذا ليس كافيا بل يجب التوسع في التصدي للإشاعات، بحيث يخرج خبر مضاد لكل خبر كاذب ويتداول في نفس الوسائط التي ظهر فيها الخبر المفبرك، وفيديو مقابل كل فيديو ومقال مقابل كل مقال، وصورة مقابل كل صورة.
وإذا ما تولت الحكومة هذا الأمر فعليها تفنيد القصة التي تتداول لتقدم وجهة نظر أخرى تتركها للمتلقي للتفكر فيها، هذه القصة يجب أن تكون حقيقية ومقنعة ومنطقية وقابلة للحوار، ونذكر من خلالها دوما بقيم المجتمع.
مع الوقت وبوجود متابعة حثيثة في التصدي للإشاعات فستبدأ بفقدان بريقها، ولن نكون ضحية بعد الآن لأي متلاعب بنا، وسنخلص من القصص القديمة الممجوجة التي تبث فينا الاستياء والإحباط والانكسار، ولن نلقي سمعا إلى المواويل التي تحصر مستقبلنا في ذكريات الماضي.
ويجب أن لا ننسى أن يرافق ذلك إيمان المواطن بجدية حقيقية في محاربة الفساد، وتحسين مستوى الحياة وإرساء سيادة القانون والعدالة الاجتماعية، والتخلص من الأندية والنخب السياسية ومزج المال بالسياسة، وضمان الحد الأدنى من الكرامة والإنسانية للجميع.
عزيزي القارئ تذكر أن الإشاعات قديمة، ومنذ قدم الإنسانية وهي ليست بريئة فقد كانت تستخدم كأداة سياسية لتقسيم المجتمع ومن ثم هدمه، ولم تتغير أساليبها وأهدافها منذ فجر التاريخ إلا أنها أصبحت أكثر تداولا ووضوحا بوجود تقنيات الإعلام الحديثة.