عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    14-Jun-2021

من وحي المئوية (18) الأكارم الذين لم يكرموا*د. جواد العناني

 الراي

اتصل بي عدد من الأخوة والأخوات ممن شكروني على ذكر أسمائهم أو أسماء أقارب لهم في مقالتي السابقة عندما ذكرت أسماء لم تفز بالتكريم بمناسبة المئوية الأولى للأردن، وبعضهم عاتبني عتاباً أدبياً لأنني أغفلت ذكر أسماء آبائهم أو أحد من أقاربهم ممن يعتقدون أنهم كانوا أجدر بالتكريم. ولما فاق عدد المتصلين خمسة عشر شخصاً، شعرت بأن هؤلاء يحترمون رأيي، فأصبت بوخز الضمير لأنني ربما كان عليّ أن أدقق أكثر، فالثقة مسؤولية.
 
هنالك أناس متميزون قابلتهم في حياتي، وشعرت بأنهم قدموا للبلد الكثير، ومنهم مَنْ مضى كالنسمة العابرة دون أن يفرض نفسه على أحد. وهؤلاء هم من يستحقون أن تمسح عنهم غبرة النسيان حتى تظهر الجوهرة الثمينة التي كانوها.
 
ومن هؤلا مثلاً السيد طلال أبو غزالة، منشئ مؤسسات طلال أبو غزالة التي تحمل اسمه، وَقَد انتقل من كونه لاجئاً وطفلاً عاملاً ليبني مؤسسة دولية بكل المعايير. وأتساءل كم من واحد مثله أقام مثل هذا الصرح؟
 
وبالطبع لا بد أن أذكر السيد محمد أبو غزالة، ابن القدس البار الذي وصل باجتهاده إلى أن يصبح رئيس مجلس إدارة أكبر شركة أغذية في العالم وهي «ديلمونتي» وقصة وصوله إلى هناك هي قصة فريدة على ما يمكن للانسان المثابر المدبر أن يصنعه. وقد استثمر في الأردن في مجالات الزراعة، والصحة، والصناعة، والعمل الخيري، وتوسع في زراعة الرمّان، والنخيل، والخضراوات، وأقام واحداً من أكبر مستشفيات الأردن في البوليفارد، وله شركة طيران، ومركز لصيانة الطائرات، وأنشأ الشركة الوطنية للدجاج، وغيرها الكثير.
 
وأذكر كذلك السيد واصف الجبشة الذي أنشأ شركة للتأمين تعمل في الأردن، وأوصلها إلى أن تكون شركة تأمين بحري دولية خاصة على المنشآت النفطية والطاقة المتجددة. وقد تمكن مؤخراً من طرح أسهمه في بورصة نيويورك، وشهدت اقبالاً كبيراً وربح من ساهم فيها، وله مساهمات أخرى بالشراكة مع السيد محمد أبو غزاله في الأردن.
 
ومن رجال الأعمال فلا بد أن نذكر مؤسس شركة سابا، الذي أسس مكتب سابا لتدقيق الحسابات عام 1926 أي قبل البنك العربي، ثم أسس شركة «سابا وشركاؤهم» كأول شركة عربية لتدقيق الحسابات، وقد كان لها فروع في معظم المدن العربية الرئيسية، ووصلت درجة رفيعة من المنافسة، وقد عمل فيها كثيرون من الذين تمرسوا على هذه المهنة، وكانت ذات أثر كبير. وفي رأيي أن مؤسسها فؤاد صالح سابا كان يستحق التكريم.
 
ولا ننسى المرحوم عبدالرحمن أبو حسان رجل الأعمال الكبير الذي ساهم مساهمة مباشرة في انشاء شركات مهمة في الأردن مثل شركة الفوسفات وشركة الاسمنت الأردنية بالفحيص، وشركة الانتاج وشركة السيراميك والخزف الأردنية، وغيرها. ولقد كان من المبادرين المبدعين.
 
وفي رأيي أن المرحوم عمر عبدالله دخقان كان يستحق التكريم، فالرجل عمل في وادي الأردن، وساهم مساهمة كبيرة في تطوير سلطة وادي الأردن والزراعة فيها. وهو لا شك أول من فكر في انشاء قناة البحرين التي تربط البحر الأحمر بالبحر الميت لمنع الأخير من الجفاف وانخفاض منسوب المياه فيه. وعمل مديراً عاماً لمؤسسة المياه وانجز فيها. وشغل منصب مدير شركة الفوسفات، ورئيس سلطة المصادر الطبيعية، ووزيراً للزراعة، وقد عمل لفترة وجيزة رئيساً للمجلس القومي للتخطيط حتى تحول هذا المجلس إلى وزارة، وللرجل بصمات واضحة في قطاعات التعدين وال?راعة، والمياه، والمصادر الطبيعية.
 
وبذكر عبدالرحمن أبو حسان، لابد أن نذكر اثنين آخرين، الأول هو جودت شعشاعة المقاول، والمشارك في تأسيس مكتبة الاستقلال، والمستثمر في الأغوار في الزراعة، وباني طريق عمان العقبة، والمساهم في كثير من الصناعات. ولقد كان من رواد الأعمال في الأردن، وكان جديراً بالتكريم.
 
ولا بد أن نذكر أيضاً توفيق قطان التاجر الكبير، ورجل الصناعة المتميز، والمساهم مع عدد من رجال الأعمال أمثال صبري الطباع ورياض المفلح وعبدالرحمن أبو حسان وغيرهم، والذين كانوا يجتمعون باستمرار لكي يقرروا المساهمة في انشاء شركة، كل يوم ثلاثاء، وهم الرواد وما يزال أثر عملهم قائماً حتى الآن.
 
ولا يغيب عن بالي أشخاص غير أردنيين أفنوا جزءاً من حياتهم في خدمة الأردن. وإذا أردنا أن نكون منصفين فلا بد أن نذكر جون جلوب (أبو حنيك) الذي قاد الجيش الأردني، وساهم في بناء الجيش خاصة المتعلق بالبادية والأهم أنه بعدما ترك الأردن ألف عدداً من الكتب القيمة التي أنصفت الاسلام والعرب والأردن تحديداً، صحيح أنه مَثَّلَ الاستعمار البريطاني، ولكن أثره على الأردن لا ينسى.
 
ويحتم عليّ الواجب أن أذكر السيد ريجنالد ليدجر الذي أتى إلى الأردن عام 1919، وقد تزوج من سيدة من السلط وأنجب منها أبناء. وقد عمل أحد اولاده طياراً للمرحوم الملك الحسين، وقد ساهم في انشاء أول شركة طيران أردنية (Arab Airways) واستمر في العمل حتى تقاعد عام 1959. وغادر إلى انجلترا لمدة قصيرة وعاد ليعيش في الأردن حتى توفي فيها. وقد ساهم في شركة الرخام الأردنية، وشركة أسماك العقبة، وساهم مع شارلي حكيم في انشاء شركة التأمين الأردنية. اعتقد أنه يستحق أن يذكر عند التكريم.
 
وأما الشخصية البريطانية الثالثة فهو السيد وولتر بيرسي جاردنر (Walter Percy Gardiner) الذي عاش في الأردن كضابط بريطاني سابق وخبير مياه متميز لمدة أربعة عقود، وقد أتى مع زوجته وابنته انتوانيت (توني) والتي أصبحت فيما بعد الأميرة منى الحسين، وانجبت للراحل الحسين العظيم ولدين (عبدالله وفيصل)، وابنتين (عائشة وزين). وأُسَمّيه هنا لأنه عمل باخلاص وتفانٍ في البحث عن المياه الجوفية في الأردن، ووضع نظاماً للمياه والري. ويقول الذين عملوا معه أنه كان مثالاً للتفاني في عمله. وقد توفي عن عمر يناهز 95 سنة في العام 2010.
 
أما من الأردنيين فأود أن أتذكر شخصين لا يتذكرهما الأردنيون كثيراً. أولهما هو المرحوم عبدالرزاق الفاضل الذي عمل مديراً لأراضي عمان ويعتبر هذا السلطي المتميز في خلقه وتفانيه في الخدمة العامة واحداً من الذين كانوا يحفظون أراضي عمان خاصة والمملكة عامة، وقد كان مثال الموظف الخدوم للمراجعين لا يصد أحداً، ولا يغضب في وجه أحد. ولما قررت الحكومة التجديد للراحل بدري الملقي كمدير لدائرة الأراضي والمساحة، أحال الفاضل نفسه إلى التقاعد بدون ضجة. وكذلك فإن بدري الملقي يستحق التقدير لدوره في تسجيل الأراضي وتوثيقها، ودَوْر?كليهما في الحفاظ على سجلات أراضي الضفة الغربية.
 
وأما الشخص الآخر غير المعروف كثيراً فهو السيد جمال عبيدات الذي عمل في المنظمة التعاونية وانتقل للعمل في الضفة الغربية مديراً للتعاون هناك. وقد ساهم مساهمة كبيرة في تطوير التعاونيات الزراعية والانتاجية منها بشكل خاص. وقد كان أهل الضفة يحترمونه ويقدرونه كل التقدير. ولما قامت حرب 1967، واحتلت الضفة الغربية، بقي مرابطاً هناك يقوم بعمله كموظف على خير ما يرام.
 
وكنت أتمنى لو كُرِمَ الراحل غالب بركات الذي شغل منصب وزير السياحة لفترة طويلة جداً، وانتقل بعدها ليشغل منصب المدير العام المساعد لمنظمة العمل الدولية، وكان له فضل كبير في تطوير السياحة في الأردن، وعمق معرفته بها خلال أكثر من عشر سنوات أمضاها وزيراً، ومن قبلها موظفاً. والشخص الآخر الذي امتد به العمر وعمل وزيراً لمدة طويلة هو المرحوم صبحي أمين عمرو الذي ربما تمتع بسجل أطول الوزراء مدة متواصلة كوزير للانشاء والتعمير إلى أن صار نائباً لرئيس الوزراء.
 
وأحب أن أزكي هنا الراحل وليد عصفور ليس لإنجازاته التي عملها بصمت، ولكن بصفته يأتي من عائلة أعمال في الأردن قدمت الكثير في مجالات التجارة والصناعة والعمل العام. وهي عائلة عَمّانية عريقة خدم فيها مثقال عصفور رئيساً لغرفة التجارة، وأميناً لعمان، وأنشأ مؤسسة لتجارة المال قبان ومنهم شوكت عصفور، وزهير عصفور، ومحمد عصفور، وزهدي عصفور، وجمال عصفور صاحب شركة عصفوركو. أما السيد وليد فقد خدم لمدة 14 سنة رئيساً لغرفة صناعة عمان، ووزيراً للصناعة والتجارة، ووزيراً للنقل ورئيس لجنة ادارة الاسمنت، ورئيس لجنة بنك البتراء و?نك الأردن والخليج، ورئيس الملكية الأردنية (عالية)، ورئيس مجلس ادارة مصفاة البترول الأردنية حتى وفاته، وهو الذي عهد إليه الراحل الحسين العظيم بانشاء نادي السيارات الملكي، وبقي رئيساً له وشاهداً على نجاحه ومساهماً كبيراً فيه، وكذلك أنشأ مصنع أعواد الثقاب في الأردن، وساهم في صناعات كثيرة.
 
وأود أن أزكي النائب السابقة توجان فيصل ليس لأنها مشاغبة، بل لأنها كانت مذيعة تلفزيونية متميزة ومستقلة، وكانت عنيدة قوية، وكلماتها لم تقم على العاطفة فحسب، بل اعتمدت المنهج العلمي والاعتماد على الاحصاءات في خطاباتها، وأعتقد أنها أثّرت على جيل من النساء أردن أن يكن مثلها في صلابتها. كانت مختلفة وتركت أثراً واضحاً على دور المرأة في الحياة النيابية بغض النظر عن الأسلوب الذي كانت تنتهجه في خطاباتها وأغضب كثيرين منها.
 
ولست متأكداً إذا كان الشاعر يعقوب حنا العودات (البدوي الملثم) قد فاز. ولكنني اعتقد أن هذا الشاعر مبدع، وألف أكثر من عشرين كتاباً وديواناً رغم أنه لم يكمل سوى الدراسة الثانوية وبشق الأنفس وله مواقف تذكر. وقد خرج من آل العودات عدد يستحق التكريم.
 
ولا أنسى السيدة وداد بولس التي عملت مدة طويلة مديراً لمدرسة البنات الأهلية في عمّان، وقد تطورت المدرسة في عهدها وضربت المثل في حسن الأداء التعليمي.
 
ومن رجال التربية أتذكر شخصاً باسم مصطفى الحسن الذي عمل مديراً لمدرسة رغدان التي كان يضرب بها المثل بعدم الانضباط فأحسن تقويمها ووضعها على المسار الصحيح، وأبدع في إدارته لكلية الحسين.
 
ومن رجالات التربية الراحل بشير الصباغ رئيس الكلية العلمية الاسلامية لمدة فاقت ثلاثين عاماً وكان وزيراً للتربية والتعليم في آواخر خمسينات القرن الماضي ومطلع الستينات. وقد ساهم مع أعضاء الجمعية التي بنت الكلية الاسلامية ومع معلميها في رفع شأنها.
 
هنالك الكثيرون من المعلومين والمجهولين ممن يستحقون الذكر ومنهم على سبيل المثال لا الحصر علي السحيمات، الراحل د. منذر المصري، المهندس عوني المصري، والمهندس ليث شبيلات.
 
ومنذر حدادين خبير المياه، وثابت الطاهر وزير الطاقة ومدير الفوسفات، ومنشئ الشركة العربية للتعدين. وهناك كثيرون أمثال أبو الوفا الدجاني وكامل عريقات. ولكن لا يمكن أن نتذكر أسماء كل الذين يستحقون أوسمةً.
 
حفظ الله الأردن، وحفظ الله أرضه وسماءه. ونتطلع إلى اليوم الذي يعلن فيه ملك الأردن بعد مائة عام وهو يمنح أوسمة لأشخاص موهوبين قدموا للأردن الكثير في مئويته الثانية.