مفهوم العمل الميداني.. ما هو بالتحديد؟*مكرم أحمد الطراونة
الغد
منذ مجيء حكومة الدكتور جعفر حسان، يتصاعد الحديث عن الجولات الميدانية، ومفهوم العمل الميداني، وما إذا كان ما يقوم به الوزراء مندرجا تحت هذا المصطلح، أم أنه مجرد إجراء شكلي، وذر رماد في العيون، وكأنما يقولون "ها نحن"، من دون أن تكون هناك أي قيمة مضافة لعملهم.
في البداية، دعونا نتفق على أن ما أسّس له الدكتور جعفر حسان من محاولة جعل العمل الميداني جزءا أصيلا من عمل الوزراء وطواقم الوزارات، هو جهد حقيقي، وتأسيس لمبدأ أصيل سوف يظل دائما موضع احترام لدى المواطن، خصوصا أنه يصر دائما على هذا المبدأ، ويحاول أن يكون حضور الوزراء وطواقم الوزارات في جميع المحافظات والألوية.
لكن الأمر لا يمكن أن تقاس فاعليته وتأثيره لمجرد الحضور خارج العاصمة، فهناك جولات يقوم فيها بعض الوزراء، تندرج ضمن صميم عملهم اليومي، لذلك لا يمكن تسويقها على أنها "عمل ميداني"، بينما بعض المسؤولين يقومون بجولات ميدانية شكلية، وعندما تخضع لميزان التقييم سنجد أنها ليست منتجة، ولا يوجد مخرجات حقيقية لها، فقد كانت أشبه بـ"الزيارات التعارفية"، أو الجولات الاعتيادية التي لم تتخذ فيها أي قرارات، وإن اتخذ فيها مثل تلك القرارات، فإنها لا تجد متابعة حقيقية جادة لتنفيذها.
مثل هذه الأعمال، سنكتشف بأنها عبء حقيقي على العمل العام، ففي النهاية هي مجرد شكليات لا تقدم شيئا للمصلحة العامة، وهي نوع من التمثيل الذي يمارسه المسؤول على المواطن وعلى مسؤوليه، بينما هو في الحقيقة يقوم بزيارات عبثية لا طائل تحتها، وفي المحصلة يدفع المواطن من خلال الموازنة العامة كلف تلك الزيارات!
لكن الكأس تمتلك دائما نصفا ممتلئا منها، فما دمنا نتحدث عن السلبيات، فلا بد أن نذكر أيضا، أن هناك مسؤولين باتت الجولات الميدانية هاجسا دائما لديهم، وهم يطلبون ترتيب زيارات ميدانية، ويحرصون على أن تكون تلك الزيارات مثمرة، وأن تمتلك مخرجات، ومجموعة من الأهداف التي يحرصون على متابعة سير عملها، ويطلبون تقارير كاملة عن جداول إنجازها.
في مقاربة موضوعين لهذين النموذجين، سيتضح لنا ببساطة من هو الذي التقط الرسالة الملكية، ومن هو الذي ما يزال "نائما في العسل"، وغير قادر على مغادرة مفهوم المسؤول التقليدي، أو "الباشا" الذي ينتظر الناس لكي تحتشد على بابه طالبة الرضا.
عندما أكد الملك، مرارا وتكرارا، أهمية الاشتباك بالشارع والوقوف على احتياجاته والخدمات المقدمة له، كان المقصود منها التعرف على الحاجات الملحّة للمجتمعات المختلفة في جميع المحافظات، وتسريع تحقيق تلك الاحتياجات، ولم يكن المقصود، بالتأكيد، التحرك فقط، والقيام بزيارات شكلية لا تراعي أي مصلحة، ولا تهدف لإزالة أي تحديات.
لقد تم التأسيس للعمل الميداني في حكومة الدكتور جعفر حسان ليكون نهجا دائما لا عودة عنه، وأن يؤسس شكلا جديدا للإدارة في الأردن، لذلك لا نريد من المسؤولين تقليدا أعمى مؤقتا، ولا أن يقوموا بما لا يؤمنون به، فإما أن يمارسوا هذا النهج طواعية وبإيمان كامل، أو أن يسارعوا إلى التنحي جانبا، ويتركوا المكان لمن هو قادر ومؤمن ومحب، فقد سئمنا من المسؤولين الذين لا يستطيعون التقاط الرسائل ومجاراة التغيير والتطور.