عناوين و أخبار

 

المواضيع الأكثر قراءة

 
 
 
  • تاريخ النشر
    08-Feb-2021

بطلة الديمقراطية؟ مروِّضة الجيش؟ كيف انتهى المطاف بزعيمة ميانمار

 الغد-ترجمة: علاء الدين أبو زينة

 
هانا بيتش* – (نيويورك تايمز) 2/2/2021
أدى احتجاز الجيش للسيدة أونغ سان سو كي إلى إنهاء مفاجئ للنظرية التي تقول بأنها قد تحقق توازنًا عمليًا بين القوة المدنية والعسكرية.
* * *
خلال السنوات التي خضعت فيها ميانمار لسطوة المجلس العسكري الحاكم، كان الناس يُخفون الصور السرية للسيدة أونغ سان سو كي، وتعويذات بطلة الديمقراطية التي ستنقذ بلدها من جيش مخيف، على الرغم من أنها كانت قيد الإقامة الجبرية.
ولكن، بعد فوزها هي وحزبها في انتخابات تاريخية أجريت في العام 2015، ثم مرة أخرى في العام الماضي بأغلبية ساحقة -والتي عززت شعبيتها داخل ميانمار- أصبح العالَم الخارجي ينظر إلى السيدة أونغ سان سو كي على أنها شيء مختلف جملة وتفصيلاً: قديسة شفيعة سقَطت من عليائها، وأبرمت اتفاقية فاوستية مع الجنرالات ولم تعُد جديرة بجائزة نوبل للسلام.
في النهاية، لم تستطع السيدة أونغ سان سو كي، البالغة من العمر 75 عامًا، أن تحمي شعبها، ولم تستطع تهدئة الجنرالات وضبطهم. ويوم الاثنين، الأول من شباط (فبراير)، استولى الجيش الذي حكم البلاد لما يقرب من خمسة عقود، على السلطة مرة أخرى في انقلاب جلب إلى نهاية حكم حزب “الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية” بعد خمس سنوات فقط من وجوده في السلطة.
تم اعتقال السيدة أونغ سان سو كي في مداهمة قبل الفجر، مع كبار وزرائها وعدد كبير من الشخصيات المؤيدة للديمقراطية. واستمرت عمليات اعتقال منتقدي الجيش حتى ليلة الاثنين، وتعرضت شبكات الاتصالات السلكية واللاسلكية في البلاد لانقطاعات مستمرة.
ومع أن اللوحات الإعلانية الحكومية التي تحمل صورة أونغ سان سو كي وصورة الطاووس المقاتل لحزبها ما تزال منتشرة في جميع أنحاء البلاد، عاد الجيش، بقيادة القائد العام للقوات المسلحة الجنرال مين أونغ هلاينغ، إلى سدة السلطة.
أثبت اختفاء السيدة أونغ سان سو كي، التي مثلت نموذجين مختلفين تمامًا لجمهوريَن مختلفين، محلي وأجنبي، عدم قدرتها على فعل ما توقعه الكثيرون: إقامة توازن سياسي مع الجيش الذي تقاسمت معه السلطة.
من خلال السماح للمفاوضات التي كانت تجريها مع الجنرال مين أونغ هلاينغ بالذبول، فقدت السيدة أونغ سان سو كي أذُن الجيش ولم تعد تؤثر عليه. ومن خلال دفاعها عن الجنرالات في تطهيرهم العرقي لمسلمي الروهينجا، فقدت ثقة المجتمع الدولي الذي كان قد دافع عنها لعقود.
وقد تجاهلت أونغ سان سو كي أراء النقاد الدوليين وحاولت التقليل من شأن انتقاداتهم بزعمها أنها ليست ناشطة في مجال حقوق الإنسان، وإنما سياسية. ويقول فيل روبرتسون، نائب مدير آسيا في منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تعقيبه على ذلك: “لكن الجزء المحزن أنها لم تكن جيدة في أي منهما. فقد فشلت في اختبار أخلاقي عظيم بالتستر على الفظائع التي ارتكبها الجيش ضد مسلمي الروهينجا. لكنّ الانفراج الموعود مع الجيش لم يتحقق، وذهبت المكاسب التي حققتها بفوزها الساحق في الانتخابات أجراج الرياح الآن، بالانقلاب”.
كانت السرعة التي تفككت بها الحقبة الديمقراطية في ميانمار مذهلة، حتى بالنسبة لبلد عانى ما يقرب من نصف قرن من الحكم العسكري المباشر، والذي تصارع مع الإشاعات حول حدوث انقلاب لأيام.
في تشرين الثاني (نوفمبر)، ألحقت “الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية” الهزيمة بالحزب الوكيل للجيش، حيث اختار العديد من الناخبين مرة أخرى القوة السياسية للسيدة أونغ سان سو كي باعتبارها السلاح الأفضل -والأوحد- لاحتواء الجنرالات. واعتبر البعض محاولة احتوائها للجيش على مدى السنوات الخمس الماضية مصارعة يابانية سياسية أكثر من كونها استيعاباً أو استرضاءً.
ومن جهته، اشتكى الجيش، الذي احتفظ بسلطة كبيرة في “الديمقراطية المزدهرة الانضباطية” التي صممها، من تزوير جماعي للانتخابات. وفي 28 كانون الثاني (يناير)، أرسل ممثلو الجنرال مين أونغ هلاينغ رسالة إلى السيدة أونغ سان سو كي يأمرون فيها بإعادة فرز الأصوات وتأجيل افتتاح البرلمان، وإلا
ترافق استيلاء الجيش على السلطة الكاملة يوم الاثنين مع إعلان حالة الطوارئ لمدة عام واحد، ما أدى إلى تحطيم أي أوهام بأن ميانمار قدمت للعالم نموذجًا، مهما كان معيبًا، للديمقراطية في صعود.
وقالت يو أونج كياو، وهي معلمة متقاعدة تبلغ من العمر 73 عامًا، متحدثة عن أونغ سان سو كي: “إنها الشخص الوحيد الذي يمكنه مواجهة الجيش. كنا سنصوت جميعًا لها إلى الأبد، لكن اليوم هو أتعس يوم في حياتي لأنها ذهبت مرة أخرى”.
وكانت السيدة أونغ سان سو كي قد أقامت علاقات وثيقة مع كبار الضباط العسكريين منذ البداية، وتشكل حزب “الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية” الذي تنتمي إليه بالتحالف مع كبار الضباط العسكريين. وبعد خروجها من الإقامة الجبرية في العام 2010، كانت تتناول العشاء في كثير من الأحيان مع عضو سابق في المجلس العسكري، كان قد حبسها في السابق.
وقال أنصارها أن ذلك الدفء كان أكثر من مجرد تعبير عن انضباط ذاتي بوذي أو تكتيكات سياسية. وصرحت ابنة مؤسس جيش ميانمار الحديث، السيدة أونغ سان سو كي، علنًا، بأن لديها الكثير من الإعجاب، وحتى الحب للجيش.
ومع تصعيد الجيش هجومه في العام 2017 على مسلمي الروهينجا، بدت السيدة أونغ سان سو كي وكأنها تظهر تناغُماً في العاطفة مع الجنرالات، والذي تجاوز المنفعة السياسية البحتة.
ويقول محققو الأمم المتحدة إن المذابح وإحراق القرى، الممارسات التي تسببت في فرار ثلاثة أرباع مليون من أفراد الأقلية المسلمة إلى بنغلادش المجاورة، نُفِّذت بنية الإبادة الجماعية. ولكن، في محكمة العدل الدولية في العام 2019، أنكرت السيدة أونغ سان سو كي، التي شغلت منصب وزيرة خارجية ميانمار ومستشارة الدولة، العنف ووصفته بأنه “صراع داخلي”، والذي ربما استخدم فيه الجيش بعض القوة غير المتناسبة.
وبدت لهجتها تجاه الروهينجا محتقرة تقريبًا، وحذت حذو قيادة الجيش في عدم ذكر اسمهم على لسانها، خشية أن يمنح ذلك الإنسانية لهويتهم.
يقول ماثيو سميث، مؤسس مراقبة حقوق الإنسان “تحصين الحقوق”: “سوف يميل البعض إلى الاعتقاد بأنها تملقت الجيش وخضعت له من دون جدوى، وأنها دافعت عن مرتكبي الإبادة الجماعية من أجل مصلحة سياسية، وخسرت مع ذلك. لم تدافع أونغ سان سو كي عن الجيش في المحكمة الدولية من أجل الحفاظ على توازن القوى. كانت تدافع عن الجيش، بينما تدافع عن دورها هي أيضاً، في الفظائع. لقد كانت جزءًا من المشكلة”.
ولكن، حتى عندما كانت السيدة أونغ سان سو كي تبرئ الجيش من العقود التي أمضاها في الاضطهاد، ظلت علاقتها بالجنرال مين أونغ هلينغ متوترة، وفقًا لمستشاريها وضباط الجيش المتقاعدين. وأصبح الجنرالات ينظرون بشكل متزايد إلى شعبيتها المتزايدة عند الأغلبية البوذية في ميانمار على أنها تهديد، كما يقولون، ولم تتحدث إلى قائد الجيش منذ عام على الأقل -وهو صمت خطير في بلد حيث السياسة مسألة شخصية للغاية.
كان من المفترض في الوضع الطبيعي أن يتخلى الجنرال مين أونغ هلينغ، الذي استفادت عائلته ومساعدوه من العقد الذي أمضاه في السلطة، عن منصبه كرئيس للجيش في العام 2016. لكنه مدد فترة ولايته وتعهد بالتقاعد هذا الصيف.
وقال محللون سياسيون وعسكريون إنه مع قلة الاتصالات بين القائد الأعلى والسيدة أونغ سان سو كي، أصبح من الصعب عليه ضمان خروج يمكن أن تنجو فيه شبكته من المحسوبية. ومن خلال وكلائه، جعل الجنرال مين أونغ هلاينغ من المعروف أنه ربما ينطوي على طموحات سياسية أيضًا -حتى أن البعض طرحوا اسمه لمنصب الرئيس، وهو منصب يحظر الدستور على السيدة أونغ سان سو كي توليه.
مع وجود السلطة المطلقة بين يديه لمدة عام على الأقل، عاد قائد الجيش بعد الانقلاب الذي وقع يوم الاثنين مرة أخرى إلى مركز الأهمية المطلقة، بغض النظر عن عدد الناخبين الذين اختاروا السيدة أونغ سان سو كي. وبحلول مساء الاثنين، أعلن الجيش الخطوط العريضة لتشكيل حكومة جديدة مليئة بالضباط العسكريين العاملين والمتقاعدين.
تشكل عودة الجيش الوقحة إلى السلطة تذكيراً بأنه على الرغم من جميع الانتهاكات التي ارتكبتها مجموعة الجنرالات في ميانمار خلال عقودهم في السلطة -القمع المنهجي للأقليات العرقية، والمذابح ضد المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية، وتفكيك اقتصاد كان واعدًا في يوم من الأيام- فإنها لم تتم محاسبة حتى ضابط عسكري واحد رفيع المستوى واعتباره مسؤولاً بشكل كامل في المحاكم.
وقالت باربرا وودوارد، سفيرة الأمم المتحدة لدى بريطانيا، التي تتولى رئاسة مجلس الأمن لشهر شباط (فبراير)، إن المجلس سيجتمع يوم الثلاثاء لبحث الأزمة في ميانمار. وقالت: “سوف نرغب في إجراء مناقشة بناءة قدر الإمكان والنظر في مجموعة من الإجراءات”، ولم تستبعد احتمال فرض العقوبات ضد المحرضين على الانقلاب. وقالت السفيرة للصحفيين: “نريد العودة إلى احترام الإرادة الديمقراطية للشعب”.
وفي واشنطن، أشار بيان الرئيس بايدن بوضوح إلى أن الحكومة الأميركية ستنظر أيضًا في إعادة فرض العقوبات على ماينمار إذا لم يتم التراجع عن الانقلاب، وقال إن الولايات المتحدة “أزالت العقوبات المفروضة على بورما خلال العقد الماضي بناءً على تقدمها نحو الديمقراطية”.
لكنَّ بعض المسؤولين، الذين تحدثوا في الخلفية لأنه غير مصرح لهم بالتحدث إلى الصحافة، أشاروا إلى أنه حتى لو تمت استعادة العقوبات الغربية، فإن الصين يمكن أن تخفف آثارها. وتقوم شركة الاتصالات الصينية العملاقة “هواوي” ببناء شبكات اتصالات من الجيل الخامس في ميانمار على الرغم من اعتراضات الولايات المتحدة، كما هيمنت الصين على بناء السدود وخطوط الأنابيب ومشاريع الطاقة في البلد.
يوم الاثنين، بينما هبط الغسق على أمة ما تزال في حالة صدمة بسبب الانقلاب العسكري، ظهرت المخاوف وتكتيكات البقاء القديمة مرة أخرى، التي ظلت لفترة من دون ممارسة، لكنها ما تزال محفوظة في ذاكرة العضلات. وأنزل الأفراد أعلام حزب “الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية الخاصة بهم”، وأصبحوا يتحدثون بالرموز.
وسط جائحة فيروس كورونا المستجد، قدم وزير الصحة، الذي عينته الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية، استقالته “بناء على تطور الوضع”. وبحلول المساء، شرع الجيش في اعتقال نواب “الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية” من مساكنهم في العاصمة نايبيداو. ويوم الثلاثاء، أكد مسؤولون في الحزب أن السيدة أونغ سان سو كي قد احتُجزت في فيلتها في نايبيداو.
وقال السيد سميث من منظمة “تحصين الحقوق”: “نحن قلقون من أن يقوم الجيش بإلقاء شبكة أوسع، تدريجياً، على الأشخاص الذين يستهدفهم بالاعتقال. أخشى أننا نشهد الآن المرحلة الأولى فقط”.
وفي وقت متأخر من بعد ظهر يوم الاثنين، نشر يو كو كو غي، الناشط الديمقراطي الطلابي السابق الذي قضى أكثر من 17 عامًا في السجن، مشاركة على وسائل التواصل الاجتماعية، والتي قال فيها إنه تهرب حتى الآن من الشبكة التي التقطت زملاءه السياسيين الكبار.
لكنه كتب أنه التقط صورة عائلية كإجراء احترازي. وودع عائلته. ولم يعرف أطفاله ما الذي يحدث.
وكتب السيد كو كو غي: “عليّ أن أفعل ما يتوجب عليه فعله. دعونا نواجه الغد”.
 
*Hannah Beech: صحفية أميركية. كانت رئيسة مكتب جنوب شرق آسيا لصحيفة نيويورك تايمز ومقرها في بانكوك. عملت سابقًا في مجلة “تايم”؛ وهي متخصصة في شؤون آسيا.
*نشر هذا التقرير تحت عنوان: Democracy Hero? Military Foil? Myanmar’s Leader Ends Up as Neither